شهدت إندونيسيا فصل حوالى 49 ألف عامل فى قطاعات النسيج والملابس والأحذية هذا العام مع إغلاق المصانع فى مقاطعات بانتين وغرب ووسط جاوة.
واستجابة لمطالب منتجى النسيج، قال وزير التجارة الإندونيسى زولكيفلى حسن، فى يونيو، إن الحكومة ستنظر فى فرض رسوم تصل إلى 200% على الأقمشة المستوردة، ما قد يضاعف المعدل الحالى للتعريفة الجمركية، بجانب دراسة رسوم جديدة للتعامل مع تدفق الواردات من السيراميك والملابس والأحذية ومستحضرات التجميل والإلكترونيات.
تتحرك دول جنوب شرق آسيا الأخرى أيضًا لزيادة الحواجز أمام السلع الصينية الرخيصة، خاصة تلك التى تصل عبر منصات التجارة الإلكترونية.
وفى يناير، فرضت ماليزيا ضريبة مبيعات قدرها 10% على السلع المستوردة التى تٌشترى عبر الإنترنت بقيمة أقل من 500 رينجيت “108 دولارات”، وكانت هذه السلع معفاة سابقًا من ضريبة المبيعات ومن الرسوم الجمركية ورسوم الاستيراد التى تنطبق على المنتجات الأغلى.
واتبعت تايلاند نهجًا مماثلًا فى يوليو من خلال تمديد ضريبة القيمة المضافة البالغة 7% على المشتريات الواردة التى تقل قيمتها عن 1500 بات “42 دولار”.
قال أت بيسانوينيتش، عالم التجارة الدولية السابق فى جامعة غرفة التجارة التايلاندية، إن “أكثر من 15% من الناتج المحلى الإجمالى التايلاندى يعتمد على الصين، فنحن بحاجة إلى السياحة الصينية، ونعتمد على السوق الصينى لتصدير منتجاتنا ونحتاج إلى استثماراتهم المباشرة”.
وتواجه الحكومات فى جنوب شرق آسيا معضلات بسبب تدفق المنتجات الصينية المخفضة الأسعار، حسب ما أوضحته مجلة “نيكاى آسيان ريفيو” اليابانية.
وبينما يسعى التجار والمصنعون المحليون إلى الحصول على الحماية من ما يعتبرونه منافسة غير عادلة، يتودد المسئولون الحكوميون للشركات الصينية للاستثمار فى الإنتاج المحلى، خاصة فى قطاعات التكنولوجيا الفائقة.
وأصبحت موازنة هذه الأولويات أكثر صعوبة مع انتشار الركود الاقتصادى داخل الصين، ما يضعف الطلب على صادرات جنوب شرق آسيا ويترك الشركات الصينية بفائض فى المخزون ينبغى التخلص منه بأسعار منخفضة للغاية.
وهذا يؤدى إلى توسيع الفجوة التجارية بين جنوب شرق آسيا والصين، مما يعزز المطالب باتخاذ إجراءات حكومية تجاه الواردات.
فى العام الماضى، استحوذت جنوب شرق آسيا والأسواق الآسيوية الناشئة الأخرى على حوالى ثلث صادرات الصين، رغم أنها مثلت فقط عُشر الناتج المحلى الإجمالى العالمى، وفقًا لحسابات خبراء اقتصاد “جولدمان ساكس”.
تعد الصين ثانى أكبر وجهة تصدير بالنسبة لتايلاند بعد الولايات المتحدة والمصدر الرئيسى لوارداتها، حيث تمثل نحو ربع جميع البضائع الواردة من حيث القيمة.
واتسع العجز التجارى لتايلاند مع الصين بشكل مطرد، حيث ارتفع إلى 36.6 مليار دولار فى 2023 من 20 مليار دولار فى 2020.
كما نمت الفجوة التجارية لماليزيا مع الصين بشكل أكثر دراماتيكية خلال هذه الفترة، حيث ارتفعت إلى 14.2 مليار دولار من 3.1 مليار دولار.
وحققت إندونيسيا أداءً أفضل بفضل ارتفاع صادرات المعادن إلى الصين، وتمكنت جاكرتا من تحقيق فائض تجارى ثنائى قدره 2 مليار دولار العام الماضى.
لكن فى النصف الأول من عام 2024، سجلت إندونيسيا عجزًا قدره 5 مليارات دولار فى التجارة غير البترولية والغازية مع الصين.
وإلى حد ما، يعكس التوازن التجارى المتوسع تحركات الشركات الصينية ونظيراتها الأجنبية لنقل بعض عمليات الإنتاج والتجميع من الصين إلى جنوب شرق آسيا بسبب التوترات التجارية مع الغرب وعوامل أخرى.
يرى تشارلز أوستن جوردان، المحلل البحثى فى شركة “روديم جروب” للأبحاث الأمريكية، أن “الصين تنظر إلى الاستثمار فى بلدان أخرى باعتباره استراتيجية تحوط”.
هذا التحرك فى سلاسل التوريد حد من طلب الصين على المواد الخام والسلع الوسيطة من جنوب شرق آسيا، بينما زاد تدفق مثل هذه المنتجات فى الاتجاه الآخر، وفى كثير من الحالات تُرسل المنتجات النهائية إلى الأسواق الغربية.
فى الواقع، تجاوزت صادرات جنوب شرق آسيا إلى الولايات المتحدة تلك الموجهة إلى الصين فى الربع الأول بأكثر من 10 مليارات دولار، ما كسر سلسلة الصين كأكبر سوق فى المنطقة.
وبالنسبة لفيتنام بشكل خاص ورابطة دول جنوب شرق آسيا “آسيان” بشكل عام، كان لهذا التحول تأثير إيجابى فى المجمل، بحسب اقتصاديى بنك “إتش إس بى سى”.
وكتبوا فى مذكرة بحثية يوم الثلاثاء: “بمساعدة التجارة مع الصين، يتعمق نفوذ آسيان فى التجارة العالمية”، مع الاعتراف بأن “عجز آسيان التجارى مع الصين ارتفع من حوالى 80 مليار دولار خلال جائحة كورونا إلى نحو 115 مليار دولار اليوم”.
يولد هذا التحول أيضًا تعقيدات جديدة فى التجارة، فقد أعادت الولايات المتحدة فى يونيو فرض رسوم جمركية تصل إلى 250% على واردات الألواح الشمسية التى تنتجها الشركات الصينية فى كمبوديا وماليزيا وتايلاند وفيتنام.
فى 2022، وجد أن أربع شركات صينية تعمل فى مجال الطاقة الشمسية تهربت من الرسوم الجمركية على الصادرات المباشرة إلى الولايات المتحدة من خلال توجيه إنتاجها عبر جنوب شرق آسيا، لكن الرسوم الجمركية عُلقت مؤقتًا لجعل الطاقة الشمسية أكثر جاذبية للمستهلكين الأمريكيين.
وتهيمن الشركات الصينية إلى حد كبير على قطاع الطاقة الشمسية فى جنوب شرق آسيا، مثل الصناعات الخضراء الأخرى، والتى غالبًا ما تبحث عن طرق للتهرب من الرسوم الجمركية الغربية.
وأوضح جوردان، من “روديم جروب”، أن “الخطر الأكبر الذى يهدد الاقتصادات الناشئة هو فحص الحكومات الغربية سلاسل التوريد بعمق أكبر”.
فى كثير من الحالات، يسعى المسئولون فى جنوب شرق آسيا إلى جذب هذه الاستثمارات فى إنتاج السلع الصديقة للبيئة.
فعلى سبيل المثال، لجذب منتجى السيارات الكهربائية الصينيين مثل “بى واى دى” و”جريت وول موتور” للاستثمار فى مصانع محلية، سمحت تايلاند لهم باستيراد السيارات المعفاة من الرسوم الجمركية أثناء تشغيل مصانعهم الجديدة.
كما أدرجت هذه السيارات الكهربائية المستوردة فى برنامج الدعم للمستهلكين الذين يشترون السيارات الكهربائية وقُدم للشركات المصنعة إعفاءات ضريبية خاصة على الدخل والاستهلاك.
كانت الحوافز المالية نعمة لمصنعى السيارات الكهربائية الصينيين، لكن الطفرة فى الواردات كانت مكلفة بالنسبة لـ”هوندا موتور” والشركات الأخرى التى تنتج السيارات وقطع الغيار فى تايلاند.
قال سومبول تانادومرونجساك، رئيس رابطة مصنعى قطع غيار السيارات فى تايلاند، إن “الطلبات على قطع الغيار تراجعت بنسبة 40% حتى الآن هذا العام، فقد خفض معظم مصنعى قطع الغيار المحليين عملياتهم التصنيعية إلى ثلاثة أيام فقط فى الأسبوع مع تراجع الطلب”.
فى الوقت نفسه، يخشى المسئولون التايلانديون أن تتأثر الصادرات الأخرى بخلاف الألواح الشمسية بالنزاع التجارى بين الغرب والصين.
ومن هنا، قالت شانينتورن ريمشارونى، مديرة المصالح التجارية والمعالجات فى تايلاند: “لدينا قائمة تضم 58 منتجًا معرضة لخطر كبير، وهى تشمل الصلب والعسل والأثاث والألواح الشمسية وغيرها من منتجات التكنولوجيا الخضراء”.
وتابعت: “يتعين على المصدرين التايلانديين استخدام الكثير من المحتوى المحلى واستيراد كميات أقل من السلع الوسيطة.. نحن نعمل على تثقيف المستثمرين لفهم القوانين”.
وفى ظل زيادة الضغط الرسمى للتحول نحو المزيد من مدخلات الإنتاج المحلية، اقترحت وزارة التجارة الخارجية التايلاندية فرض تعريفة جمركية بنسبة 30.9% على واردات الصلب المدلفن الساخن من الصين، والذى يستخدم فى صناعة السيارات والآلات والجسور.
وزعم أربعة منتجين تايلانديين تعرضهم للضرر من المنتجات التى تنتجها 17 شركة صلب صينية وجد أنها تهربت من الرسوم الجمركية المناهضة للإغراق من خلال إدخال تعديلات طفيفة على منتجاتهم.
وأعرب مستوردو الصلب التايلانديون عن معارضتهم للتعريفات الجمركية الجديدة، بحجة أنها سترفع التكاليف وتجعل منتجاتهم أقل قدرة على المنافسة، وزعموا فى جلسة استماع عامة أن منتجى الصلب المحليين اتخذوا ببساطة خيارات استثمارية سيئة.
يعكس إعادة التوازن فى تدفقات التجارة الصينية مع جنوب شرق آسيا “استراتيجية تجارية واعية من قبل بكين لإعادة توجيه الصادرات” بسبب التوترات والحواجز التجارية المتزايدة فى الغرب، بحسب سونال فارما، كبير الاقتصاديين فى “نومورا” لشئون آسيا باستثناء اليابان.
تأثرت الشركات الموردة للمواد والمنتجات المستخدمة فى البناء، بما فيها الصلب والآلات والمواد الكيميائية، بشكل خاص بسبب انهيار قطاع التطوير العقارى فى الصين.
لمنع ذلك من الحدوث وتأثيره على أوضاعهم، تبذل السلطات المحلية فى الصين جهودًا كبيرة لدعم المصدرين والحفاظ على النمو الاقتصادى المحلى، لكن الشركات فى جنوب شرق آسيا تشعر أنها تتحمل تكلفة إبقاء المصانع الصينية مفتوحة.
فى العام الماضى، أغلق أكثر من 1300 مصنع فى تايلاند، بزيادة 60% عن العام السابق.
وبين يناير ومايو، أغلق 500 مصنع آخر، ما أدى إلى فقدان 15.3 ألف وظيفة، وفقًا لإدارة الأشغال الصناعية التايلاندية.
إعادة توجيه الصين للإنتاج الزائد لا يؤدى فقط إلى تقليص العائدات المحلية لشركات جنوب شرق آسيا، بل إن الصادرات الصينية الأرخص قد تؤثر أيضًا على مبيعات المصدرين فى الأسواق الخارجية الأخرى.
ومع ذلك، خوفًا من ردود الفعل الانتقامية من بكين، كان المسئولون فى جنوب شرق آسيا سريعين للتأكيد على أن فحصهم للواردات لا يتعلق بالسلع الصينية فقط.
وفى الأسبوع الماضى، سُئِل نائب وزير التجارة ليو تشين تونج فى البرلمان عما تفعله الحكومة الماليزية للشركات الصغيرة والمتوسطة المتضررة من الواردات الصينية، ليقول إن المراجعة الجارية لمدى كفاية قوانين مكافحة الإغراق فى البلاد لا تتعلق بالصين فى حد ذاتها.
وأوضح أن “هذا الإجراء التجارى يستهدف الشركات المصنعة أو المصدرين فى الخارج الذين يتسببون فى ضرر للصناعات المحلية بما فى ذلك الشركات الصغيرة والمتوسطة فى ماليزيا”.
ومع ذلك، فإن صعود منصات التجارة الإلكترونية فى شتى أنحاء المنطقة منح المصدرين الصينيين جسرًا جديدًا واضحًا للوصول إلى عملاء جنوب شرق آسيا الذين يبحثون عن أفضل الصفقات.
وبشكل عام، تعاملت منصات التجارة الإلكترونية فى المنطقة مع بيع ما قيمته 114.6 مليار دولار من قيمة البضائع الإجمالية العام الماضى، بزيادة 15% عن العام السابق، وفقًا لشركة الاستشارات السنغافورية “مومنتيم وركس”.








