1300 سفينة تشارك في ما يسمى بـ”تضليل نظام التعريف الآلي”
سلط الاصطدام بين ناقلتي بترول قبالة سواحل سنغافورة في التاسع عشر من يوليو ، الضوء مجددًا على المخاطر التي يشكلها أسطول موسع حديث من السفن التي تمارس أنشطة غير مشروعة لتجنب الكشف أثناء نقلها براميل من البترول من دول خاضعة للعقوبات في رحلات طويلة وأحيانًا ملتوية.
وتعد آسيا، التي تستخدم البترول الذي تفرض عليه الولايات المتحدة أو الدول الأوروبية عقوبات، أكثر المناطق عرضة لهذه الحوادث، لا سيما في الممرات الملاحية المزدحمة حول سنغافورة وماليزيا.
سيقع عبء التعامل مع التداعيات البيئية والاقتصادية لمثل هذه الحوادث البحرية بشكل لا مفر منه على حكومات المنطقة، التي لا تملك وسائل واقعية لمنعها، وفق ما نقلته مجلة “نيكاي آسيان ريفيو” اليابانية.
لقد أدى حادث يوليو، الذي اصطدمت فيه ناقلة البترول العملاقة “هافنيا نايل” التي تحمل علم سنغافورة، والتي كانت في طريقها إلى اليابان محملة بشحنة من النفثا، بـ”سيريس 1″، وهي ناقلة بترول خام ضخمة للغاية، إلى تسرب بترولي لكن دون وقوع أيإ صابات.
ولحسن الحظ كانت ناقلة “سيريس 1″، التي تحمل علم ساو تومي وبرينسيبي، فارغة وقت الاصطدام.
لحسن الحظ كانت ناقلة “سيريس 1” فارغة وقت الاصطدام
ومع ذلك، أشار الخبراء إلى أن “سيريس 1” كانت تشارك في ما يسمى بـ “تضليل نظام التعريف الآلي”، وهو التلاعب المتعمد ببيانات جهاز الإرسال والاستقبال لتضليل موقعها الفعلي — في وقت الحادث.
وبعد أن نقلت البترول الخام من فنزويلا وإيران إلى الصين خلال الأعوام القليلة الماضية، أصبحت “سيريس 1” بلا شك عضوًا في ما يسمى بأسطول “الظلام” أو “الظل” من السفن.
نشأة وانتشار هذه المجموعة من السفن، التي تقوم بشكل روتيني بإيقاف نظام التعريف التلقائي الخاص بها حتى لا يمكن تتبع رحلاتها، يعود إلى العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة وحكومات غربية أخرى ضد المصدرين الرئيسيين للبترول في إيران وفنزويلا وروسيا.
وقد توسع أسطول “الظل” بعد الحرب على أوكرانيا في عام 2022، إذ أُجبرت روسيا على إعادة توجيه صادراتها من البترول الخام والمنتجات المكررة التي تبلغ نحو 6 ملايين برميل يوميًا بعيدًا عن الدول الغربية.
وتقدر الآن حجم الأسطول بما يقرب من 1300 سفينة، أو حوالي 15% من الأسطول العالمي الإجمالي، وفقًا لأبحاث شركة “ويندوارد” وشركة “فورتكسا” لتحليل تدفقات البترول والغاز العالمية.
طالما أن مشتري البترول الروسي يقتصرون على الصين والهند ستضطر موسكو للبيع بخصومات
بالإضافة إلى “تضليل نظام التعريف الآلي” بشكل متعمد، فإن السفن في هذه الفئة تُعرف عادةً بتبديل الأعلام بانتظام، وامتلاك هياكل ملكية غامضة وغير منتظمة، وممارسات شحن خادعة أخرى مثل التلاعب بالهوية والموقع.
كما أن نصف هذه السفن تقريبًا يعتبر “دلاء صدئة” تقريبًا يزيد عمرها عن 20 عامًا، ولديها سجلات تأمين وفحص مشكوك فيها.
رغم أن معظم الدول الآسيوية لم تنضم إلى العقوبات الغربية المفروضة ضد البترول الروسي، إلا أنه من المتوقع أن تلتزم بها.
ومن المفارقات أن الغرب يرغب في أن تستقبل دول آسيا، وكذلك دول في أفريقيا وأمريكا الجنوبية، البترول الروسي حتى لا تحدث نقصًا أو ارتفاعًا في الأسعار في السوق العالمية.
هناك مزيد من التعقيدات والمفارقات في العقوبات الغربية التي تحتاج إلى معالجة، ولم يفت الأوان بعد.
لم يحظر الاتحاد الأوروبي فعليًا شركات الشحن والتأمين ونوادي الحماية والتعويض التابعة له، التي تهيمن على تجارة البترول العالمية، من المشاركة في الصادرات الروسية.
لكن هذه الشركات انسحبت طوعًا خوفًا من العقوبات إذا تم اكتشاف أنها انتهكت عن علم أو عن غير علم “سقف الأسعار” الذي وضعه التحالف الغربي، إذ يشير هذا السقف إلى حد أقصى يبلغ 60 دولارًا للبرميل الذي قد تفرضه روسيا على المشترين الخارجيين لبترولها الخام، و100 دولار للبرميل للبنزين والديزل، و45 دولارًا لبرميل النفثا وزيت الوقود.
لقد فشل نظام سقف الأسعار غير المدروس وغير المسبوق منذ تقديمه في ديسمبر عام 2022، إذ أظهرت البيانات المستقلة أن أسعار تصدير البترول الخام والمنتجات الروسية تجاوزت مستويات سقف الأسعار لفترات طويلة، بالتزامن مع أسعار البترول المماثلة في الأسواق الدولية.
كما ثبت أن سقوف الأسعار يصعب تطبيقها بشكل كبير، خصوصًا مع زيادة نسبة الصادرات الروسية التي تم توجيهها عبر شركات تجارية جديدة وغامضة في الإمارات العربية المتحدة وهونج كونج، والتي تم نقلها بواسطة أسطول الظل.
في حين أن انسحاب شركات الشحن الأوروبية أفسح المجال لنمو أسطول الظل، فإن انسحاب مجموعة النادي الرئيسية المخصصة للحماية والتعويض، وهي جمعيات تأمين بحرية غير حكومية أو تعاونية التي تتركز في الغرب، ترك الشحنات الروسية بتغطية تأمينية بحرية دون المستوى.
تمتلك شركة “سوفكومفلوت”، عملاق الشحن المملوك للدولة الروسية، أسطولاً حديثًا ومدارًا جيدًا نسبيًا، لكن نشاطها قد تقلص بسبب العقوبات الأمريكية والبريطانية والأوروبية ضد الشركة وحوالي 40 من ناقلاتها البترولية، وهذه السفن الآن جزء من مجموعة تضم 62 سفينة تعرضت للعقوبات من التحالف الغربي خلال الأشهر العشرة الماضية فقط.
في يوليو، أقرت المملكة المتحدة و44 دولة أوروبية خطة لشن حملة صارمة على أسطول الظل الذي يخدم الصادرات الروسية، مشيرة إلى السفن “القديمة وغير الآمنة في كثير من الأحيان” تزيد من “احتمال وقوع حوادث كارثية”.
ومن المفترض أن الحملة تهدف أيضًا إلى رفع تكاليف الشحن لتقليص صافي دخل موسكو من صادرات البترول.
والافتراض هنا هو أن مشترين البترول الروسي لن يقبلوا التسليم على متن سفينة خاضعة للعقوبات.
لكن هذه الاستراتيجية قد تأتي بنتائج عكسية، فبخلاف رفع سعر البترول على المشترين الآسيويين إذا قررت روسيا تحميلهم بعضًا من تكاليف الشحن الإضافية، هناك احتمال بانضمام المزيد من السفن القديمة إلى أسطول الظلام بينما تظل السفن الخاضعة للعقوبات عاطلة عن العمل.
وربما تصبح السفن في أسطول الظل أيضًا أكثر ميلًا للمشاركة في ممارسات شحن خادعة لتقليل فرص اكتشافها وإدراجها في القائمة السوداء نظير انتهاكها العقوبات على روسيا.
يجب على الغرب بالفعل “التصدي” لأسطول الظل حتى تتمكن من تفادي الكارثة البحرية التالية التي تنتظر الحدوث، لكن عليهم القيام بذلك من خلال إنهاء نظام سقف الأسعار والسماح لصناعة الشحن والتأمين الخاصة به بالعودة إلى التجارة الروسية.
وطالما أن مشتري البترول الخام الروسي يقتصرون على الصين والهند، ستضطر روسيا إلى البيع بخصومات في الأسعار.
هذه هي القاعدة الأساسية في السوق العالمية وتتغلب على أي قواعد تنظيمية مصطنعة تلحق ضررًا أكبر من نفعها، فضلاً عن التداعيات غير المقصودة.
