بقلم: دانيال بيل واريك لى
اتسمت غالبية التغطيات الإعلامية فى الغرب حول تغييرات القادة فى مؤتمر الحزب الشيوعى الصينى الثامن عشر بالسلبية الشديدة، حيث تبارت هذه التغطيات لتثبت وجود فساد مستشرى فى المناصب العليا بالحزب، وأنه لا تتم مناقشة القضايا السياسية علانية وأن الشعب الصينى خارج العملية السياسية برمتها.
على الرغم من أنه هناك شىء من الحقيقة فى هذه الانتقادات الا ان النقاد افتقدوا المشهد الاكبر، فقد مر النظام السياسى الصينى بتغييرات كبيرة على مدار الثلاثة عقود الماضية حتى أصبح على مقربة من افضل صيغة لحكم تلك البلدة الكبيرة، حيث يقوم النظام الصينى على احترام الموهبة الفكرية فى المقدمة ثم تأتى الديمقراطية فى المؤخرة وبينهما مجال لاجراء التجارب.
علاوة على ذلك هناك مثال جيد للمشاركة الشعبية فى الصين فى الانتخابات ولكن على المستوى المحلى، حيث يكون الناس عادة على دراية بما تحتاج إليه مجتمعاتهم ولديهم حس جيد حيال كفاءة وشخصية القائد الذى يختارونه، لذلك يحرص معظم الصينين على المشاركة فى الانتخابات التى تكون على المستوى المحلي.
اذن كيف ينبغى ان يتم اختيار القادة؟ من الناحية المثالية، يجب ان تعتمد عملية الانتخاب على الموهبة الفكرية، ويجب ان يكون هناك آلية مصممة خصيصا لاختيار القادة ممن يتمتعون بالفضيلة والكفاءة العالية.
وعلى مدار الثلاثة عقود الماضية، تحول الحزب الشيوعى الصينى بصورة تدريجية من كونه حزباً ثورياً إلى منظمة تقوم على الكفاءات، وأصبحت الجامعات هى المنوطة بالبحث عن اعضاء جدد للحزب، ويتعين على الطلاب تحقيق اعلى نسبة مئوية فى الاختبارات القومية حتى يتم قبولهم بجامعة الصفوة التى تزف إلى الحزب الشيوعى قادة المستقبل، ثم يتنافسون بقوة من اجل الالتحاق بالحزب، والطلبة ذوو الكفاءة العالية ممن خضعوا للاختبارات الشخصية هم فقط الذين يتم قبولهم.
هؤلاء الذين يريدون خدمة الوطن عليهم ان ينجحوا فى اختبارات الدولة، وبمجرد ان يصبحوا جزءاً من النظام السياسى، يخضعون لمزيد من التقييمات حتى يتمكنوا من الوصول إلى التسلسل القيادي، والهدف من هذا النظام الصينى الذى يقوم على الكفاءة الفكرية واضح، حيث يتم وضع الكوادر من خلال عمليات فظة لاختيار المواهب الفكرية ومن يحقق فقط اداءً عاليا يصل إلى اعلى المناصب بالحزب، وبدلا من اهدار الوقت والمال فى الحملات الانتخابية، يستطيع القادة ان يحاولوا تحسين معرفتهم وكفاءتهم، وغالبا ما ترسل الصين قاداتها إلى الخارج لتلقى افضل التدريبات.
ولكن لا يمكن العمل بنظام الكفاءة الفكرية الا فى إطار الدولة ذات الحزب الواحد، ففى الدول ذات الاحزاب المتعددة لا يوجد ضامن بأن الاشخاص ذات الكفاءة الفكرية العالية سوف يتقلدون اعلى المناصب فى الحكومة، كما انه لن يكون هناك حافز قوى لتدريب الكوادر ليكتسبوا خبرات اعلى وذلك لانه من الممكن تغيير الكوادر الرئيسية فى الدولة مع حكومة يقودها حزب اخر، لذلك يذهب الاشخاص ذات الموهبة الفكرية الاقل إلى الادارة الحكومية لانه من المفترض ان يتم اختيار أصحاب السلطة بواسطة الشعب.
من الناحية العملية، أصيب النظام القائم على الكفاءة الفكرية فى الصين بالخلل، فهناك فساد متفشى بكل وضوح فى النظام السياسي، مما يجعله فى حاجة إلى الحد من سوء استغلال السلطة عن طريق وجود وسائل اعلام اكثر انفتاحا ومصداقية، نظام قضائى اكثر شفافية وفعالية، زيادة رواتب المسئولين وخلق هيئات أكثر استقلالية تحارب الفساد.
عندما يتعلق الأمر بالسياسة، نجد آراء القادة الغربيين مازالت عالقة فى الانقسام المتعارف عليه الا وهو الديمقراطية مقابل الديكتاتورية، ولكن المنافسة فى القرن الواحد والعشرين كما يقول الباحث الصينى «زانج واى واى» تكون بين الحكم الجيد والسيىء، وقد طور النظام الصينى الصيغة الصحيحة لاختيار الحكام المتوافقين مع ثقافة وتاريخ الصين ومتوائمين مع الظروف الحديثة، لذلك ينبغى تطوير النظام السياسى فى الصين على اساس هذه الصيغة وليس على اساس نمط الديمقراطية الغربية.
اعداد – نهى مكرم
المصدر: فاينانشيال تايمز








