مع دخول الإصلاح الاقتصادي في مراحله الأخيرة وفقاً للبرنامج الذي تبنته حكومة الدكتور مصطفى مدبولي، وأشرف عليه صندوق النقد الدولي، تبرز العديد من التساؤلات حول استدامة الاستقرار الاقتصادي، وقدرة مصر على تلافي ضربات جديدة من التوترات الجيوسياسية عالمياً، فضلاً عن فاعلية السياسات الحالية في النزول بمستويات الدين نحو مناطق أكثر دفئاً.
كريم هلال، رئيس مجموعة كونكورد “انترناشيونال إنفستمنت” ورئيس مجلس إدارة شركة سيكونس فينتشر، قال في حوار لـ “البورصة”، إن الاقتصاد المصري لايزال يمر بعدد من التحديات الكبرى، سواء على المستوى الداخلي نتيجة الضغوط الاقتصادية، أو على المستوى الخارجي في ظل التوترات الجيوسياسية وتأثيراتها على حركة التجارة والاستثمار.
يجب التركيز على القطاعات التي تدر عملة صعبة
“لا يعني هذا أننا غير قادرون على العبور من هذه الأزمة.. الاقتصاد المصري قادر على السير في الاتجاه الصحيح، ولكن شريطة التركيز على عدد من الملفات الحيوية، أبرزها زيادة معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي، وتقليل مستويات المديونية، وتعزيز القطاعات الإنتاجية، خاصة تلك التي تدر عملة صعبة مثل القطاعات التصديرية والصناعية ذات القيمة المضافة.”، وفق ما ذكره لـ “البورصة”.
وقال كريم هلال، والذي كان أحد رواد التمويل الدولي في عدد من البنوك المصرية والعربية، إن خفض تكلفة الاقتراض وتعزيز السياسات النقدية والمالية التي تدعم النمو المستدام، ركيزة أساسية لما يجب أن تؤول إليه الأمور في مصر.
اعتمدت مصر بشكل رئيسي على التمويل الخارجي لسد فجوة العملة، والتعامل مع أزمة مزمنة في الاستهلاك وضعف التصنيع وفاتورة باهظة للواردات، ولكن مع تباطؤ الاستثمار المباشر -باستثناء صفقة رأس الحكمة، فقد انحصر التمويل على الديون والأموال الساخنة عبر معدلات فائدة مرتفعة.
اقرأ أيضا: الرئيس التنفيذى: “كونتكت القابضة” تسعى للحصول على رخصة البنك الرقمى
وأكد هلال أن هناك 3 عوامل رئيسية تلعب دوراً جوهرياً في تحفيز المستثمرين للثقة في الاقتصاد وضخ المزيد من الاستثمارات في البلاد على رأسها: الشفافية، ووضوح الرؤية، وسيادة القانون، مشيراً إلى أن أي محفزات أخرى تأتي في المرتبة التالية.
وأضاف أن الاستثمار يحتاج إلى بيئة واضحة ومستقرة، حيث يبحث المستثمر عن سوق قادر على تقديم سياسات اقتصادية واضحة، مع توافر عنصر الحوكمة الذي يعزز من ثقة المستثمرين في السوق المصري، إلى جانب ضرورة تحسين الإجراءات الإدارية والحد من البيروقراطية التي تعيق سرعة تدفق الاستثمارات، بالإضافة إلى تقديم حوافز ضريبية مشجعة.
وأشار كريم هلال إلى أن الاستدامة الاقتصادية تعتمد بشكل رئيسي على زيادة الإنتاجية وإتاحة المزيد من فرص العمل، بالإضافة إلى وجود استثمارات في قطاعات منتجة ذات قيمة مضافة، والتي من شأنها أن تقلل الاعتماد على الاستيراد وتدعم التوجه نحو التصدير. كما أكد أن استدامة النمو الاقتصادي تتطلب توفير مصادر طاقة مستدامة، وتحقيق تكامل بين الصناعات المختلفة لتعزيز سلاسل التوريد المحلية.
القطاع السياحي أحد الركائز الأساسية لتعزيز الاستدامة الاقتصادية
وأوضح هلال أن القطاع السياحي يعد من أهم القطاعات التي تساهم في دعم النمو الاقتصادي، نظراً لمساهمته الكبيرة في توفير العملة الأجنبية، وخلق فرص عمل، وتعزيز النشاط الاقتصادي بشكل عام، وأن الاستثمار في البنية التحتية السياحية يحتاج إلى تطوير خدمات النقل والفنادق، ي والذي يعزز بدوره من القدرة التنافسية لمصر في هذا المجال.
القطاع الخاص يحتاج لمساحة أكبر للمشاركة الفعالة في الاقتصاد
وفيما يتعلق بدور القطاع الخاص في دفع عجلة النمو، شدد هلال على أن القطاع الخاص لا يزال بحاجة إلى مساحة أكبر للمشاركة بفاعلية أكبر في الاقتصاد، مشيراً إلى ضرورة توفير بيئة تنافسية عادلة تتيح للجميع فرصاً متساوية.
وأضاف أن تعزيز دور القطاع الخاص يتطلب إزالة العقبات البيروقراطية، وتقديم تسهيلات استثمارية تساهم في زيادة استثماراته داخل السوق، وأن هناك حاجة إلى دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تمثل العمود الفقري للاقتصاد، وتعزيز وصولها إلى التمويل بأسعار فائدة مناسبة.
ضرورة تفعيل سياسة الشباك الواحد لتسهيل بيئة الأعمال
وأشار كريم هلال إلى أن تسهيل بيئة الأعمال يستوجب تفعيل سياسة الشباك الواحد، وهو أمر طالما نادت به الجهات المعنية، حيث من شأنه تقليل الإجراءات الروتينية المعقدة وتوفير وقت وتكاليف المستثمرين، مما يجعل مصر وجهة أكثر جاذبية للاستثمارات. وأضاف أن هذا الإجراء يجب أن يتم تطبيقه بفعالية في جميع المحافظات، وليس فقط في المدن الكبرى.
توقع هلال أن القطاعات الدفاعية مثل الأغذية والرعاية الصحية والتعليم ستكون من بين الأكثر نمواً خلال العام الحالي، نظراً لكونها قطاعات حيوية تتمتع بفرص استدامة مرتفعة، كما أنها تلبي احتياجات أساسية للمواطنين، مما يجعلها أكثر قدرة على الصمود في مواجهة التقلبات الاقتصادية.
وأضاف أن الاستثمارات الأجنبية يجب أن تتركز في القطاعات التي تساهم في تعزيز القاعدة الصناعية، وخفض الواردات، وزيادة الصادرات، لما لذلك من تأثير إيجابي على استقرار العملة وتعزيز ميزان المدفوعات، وأن الاهتمام بالبنية التحتية واللوجستيات يمكن أن يسهم في تحسين كفاءة الإنتاج وجذب المزيد من الاستثمارات.
العمل على توطين الشركات التكنولوجية الناشئة في مصر لم يعد خياراً
وبالحديث حول الشركات التكنولوجية الناشئة، أشار كريم هلال إلى أن هذا القطاع يواجه تحديات كبيرة في ظل التغيرات الاقتصادية والسياسية العالمية والإقليمية، وأوضح أن هناك موجة من الشركات الناشئة التي اتجهت إلى تأسيس مقرات رئيسية في أسواق أخرى مثل الإمارات، مع الاحتفاظ بمكاتب تمثيلية فقط في مصر.
وأكد على ضرورة البحث في أسباب هذه الظاهرة، والعمل على توفير بيئة استثمارية جاذبة تحفز الشركات الناشئة على التوسع داخل مصر بدلاً من الهجرة إلى أسواق أخرى. كما دعا إلى دعم الابتكار وريادة الأعمال عبر توفير حاضنات أعمال قوية، وتسهيل إجراءات التمويل للشركات الناشئة.
اقرأ أيضا: هل تحقق مصر المعادلة الصعبة؟.. استثمارات أجنبية قياسية تُنعش آمال تحسن الاقتصاد
وفيما يتعلق برأس المال المغامر، أوضح هلال أنه يلعب دوراً أساسياً في دعم الابتكار وريادة الأعمال، مشيراً إلى أن جميع الشركات التكنولوجية الكبرى عالمياً مثل “أبل” و”جوجل” و”أوبر” بدأت كمشاريع ناشئة تم تمويلها من قبل مستثمرين في رأس المال المخاطر.
وأضاف أن توفير بيئة حاضنة للشركات الناشئة يمكن أن يساعد في خلق نماذج ناجحة قادرة على المنافسة عالمياً، كما شدد على أهمية توافر برامج تحفيزية للمستثمرين في رأس المال المغامر لدعم المزيد من الشركات الناشئة الواعدة.
واختتم بأنه على المستثمرين الراغبين في الدخول إلى سوق الشركات الناشئة، بضرورة تبني توقعات مالية واقعية، والاعتماد على قوة التدفقات النقدية بدلاً من الاعتماد الكلي على الجولات التمويلية، لضمان استدامة الشركات على المدى الطويل، كما أشار إلى أهمية دراسة السوق بشكل دقيق، والبحث عن نماذج أعمال قوية يمكنها تحقيق الربحية على المدى البعيد.
