يُعتبر تسعير المعاملات أداة مهمة تساعد الشركات على الامتثال للقوانين الضريبية المحلية والدولية من خلال ضمان أن المعاملات بين الشركات المرتبطة تتم بأسعار السوق العادلة، كما يقلل من مخاطر النزاعات الضريبية والعقوبات المالية المحتملة، ويعمل على تحقيق العدالة الضريبية الدولية فى حق اقتسام الضريبة.
ويظل القطاع الخاص، صاحب النصيب الأكبر من إتاحة فرص تحليل البيانات المالية والاستراتيجيات الدولية، مقارنة بالقطاع الحكومى الذى يحظى بميزة هو الآخر وهى منح الملتحقين به رؤية تنظيمية عميقة.
تبدأ سهيلة محمود، رئيس قطاع تسعير المعاملات بمكتب الاستشارات «أندرسن مصر»، حوارها لـ«البورصة» بتبسيط مفهوم تسعير المعاملات قائلة: «تخيل أن لديك شركتين شقيقتين تابعتين لنفس المجموعة، إحداهما فى مصر والأخرى فى فرنسا، عندما تبيع الشركة المصرية سلعة أو خدمة للشركة الفرنسية، يجب تحديد السعر بحيث يكون مماثلاً للسعر الذى كان سيتم فرضه لو كانت الشركتان غير مرتبطتين ببعضهما البعض. هذا ما يسمى بمبدأ مسافة الأطراف المستقلة، ويهدف إلى منع التلاعب فى الأرباح بين الدول وضمان دفع الضرائب العادلة فى كل دولة».
وأشارت «محمود» إلى أن تسعير المعاملات يجمع بين التحليل المالي، ومؤشرات الأداء الاقتصادي، والاستراتيجية الضريبية، والقوانين الدولية، لذا أحبّت التحدى الذى يتطلب فهماً عميقاً للتشريعات الضريبية المتغيرة، إلى جانب مهارات التحليل المالى والتفاوض.
اقرأ أيضا: الذراع المؤثرة لدى «OECD» مى أبوغالى: هدفى تعبئة الإيرادات فى الاقتصادات النامية
وعن بداية حياتها المهنية، قالت لـ«البورصة» إنها كانت مسئولة عن فريق إدارة تسعير المعاملات بمصلحة الضرائب المصرية منذ إنشائها عام 2015، ولمدة 16 عاماً فى عملها بالمصلحة، قامت بإجراء مراجعات دقيقة وبناء شراكات قوية مع الشركات متعددة الجنسيات لضمان توافق استراتيجياتها المالية مع المعايير التنظيمية.
وأوضحت «سهيلة محمود» أنها حصلت على بكالوريوس تجارة من جامعة حلوان قسم اقتصاديات التجارة الدولية، بالإضافة إلى العديد من الشهادات الأكاديمية مثل دبلومة فى الاقتصاد الدولي، والعلاقات الدولية، وتحليل سوق المال من جامعتى عين شمس والقاهرة، بالإضافة إلى درجة الماجستير فى الاقتصاد الدولى والتخطيط الضريبي، وهى حالياً تتابع دراسة الدكتوراه فى الاقتصاد الدولى.
وأفادت بأن هدفها أن تصبح خبيراً رائداً فى مجال الضرائب الدولية وتسعير المعاملات، ومساعدة الشركات على تحقيق الامتثال الضريبى بطريقة استراتيجية ومستدامة.
وأوضحت أن هناك شخصيات أسهمت فى تطوير رؤيتها المهنية وتحسين مهاراتها التحليلية والاستشارية مثل مصطفى عبدالقادر، رئيس مصلحة الضرائب الأسبق، الذى ساعدها فى حياتها المهنية والعلمية، وكذا هشام لطفى.
وقالت إن هناك فارقاً كبيراً بين العمل بالقطاع الحكومى والقطاع الخاص؛ إذ إن العمل فى القطاع الحكومى يركز على الرقابة، وفحص الشركات لضمان الامتثال، أما فى القطاع الخاص فالتعمل يكون استشارياً، حيث يتم مساعدة الشركات فى تخطيط هيكلها الضريبى وإعداد الدراسات لتبرير سياسات التسعير الخاصة بها.
وتابعت أن لكل منهما تحدياته ومميزاته، فالقطاع الحكومى يمنحك رؤية تنظيمية عميقة، بينما القطاع الخاص يوفر فرصاً أكبر لتحليل البيانات المالية والإستراتيجيات الدولية.
وعن كيفية تعامل الشركات مع متطلبات تسعير المعاملات وفقاً لإرشادات منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية (OECD)، لفتت إلى صعوبة التعامل فى بداية التطبيق، نظراً لعدم الوعى الكافى بتسعير المعاملات وحداثة الموضوع.
ومع بدء نشر الوعي، تتبع الشركات الإرشادات من خلال إعداد وثائق تفصيلية تثبت أن الأسعار المستخدمة فى معاملاتها تتماشى مع مبدأ «مسافة الأطراف المستقلة»، كما تُجرى تحليلات مقارنة مع أسعار السوق، وتحتفظ الشركات بسجلات واضحة لدعم سياساتها الضريبية عند الخضوع للتدقيق.
اقرأ أيضا: “أندرسن للاستشارات”: أساليب تقييم الشركات ستشهد تحولات جذرية خلال 2025
وذكرت أن قواعد عدم تآكل الوعاء الضريبى وتحويل الأرباح «BEPS» تهدف إلى مكافحة التهرب الضريبى من خلال ضمان أن الأرباح تخضع للضريبة فى الدولة التى يتم فيها توليد القيمة الفعلية، لذا تتطلب القواعد شفافية أكبر فى الإفصاح عن المعاملات بين الشركات المرتبطة وتعزيز التدقيق الضريبى على استراتيجيات تسعير المعاملات، حيث يظهر فى طبيعة المستندات المطلوبة لتسعير المعاملات والتى لها طبيعة خاصة من نوعية المعلومات المطلوبة بها.
وبحسب «سهيلة محمود»، فلكل دولة معاييرها الخاصة بشأن متطلبات توثيق تسعير المعاملات، لكن معظمها يعتمد على إرشادات OECD، حيث إن بعض الدول تطلب تقارير مفصلة مثل ملف الشركة المحلى وملف المجموعة الرئيسي، بينما تتطلب دول أخرى تقديم تقرير عن الأنشطة الاقتصادية لكل بلد (CbCR) وفقاً لمعايير BEPS.
ونصحت «محمود» صغار الكوادر المهنية المهتمة بالعمل فى تسعير المعاملات بضرورة تعلم الأساسيات الاقتصادية والمحاسبية والضريبية، وقراءة إرشادات OECD وBEPS، مع محاولة اكتساب خبرة عملية من خلال العمل مع مستشارين أو فى قسم الضرائب داخل شركة، وكذلك تطوير مهارات التحليل النقدى والتفكير الاستراتيجي، نظراً إلى أنَّ المجال يتطلب فهماً عميقاً للبيانات المالية والتشريعات الضريبية الدولية.
وأفادت سهيلة محمود بأنها لو لم تكن خبيرة تسعير معاملات، ربما كانت ستعمل فى مجال الاستشارات المالية أو التحليل الاقتصادي. وعن هواياتها المفضلة، ذكرت حبها للقراءة بشكل عام وخاصة فى مجال الاقتصاد والضرائب والقوانين المالية، بالإضافة إلى ممارسة الرياضة مثل ركوب العجل والسفر لاكتشاف ثقافات جديدة.
