تُعتبر الضرائب أحد أهم مصادر الإيرادات للدول، وأداة محورية فى تشكيل الاقتصادات وتحقيق العدالة الاجتماعية وجذب الاستثمارات، لكنها ليست مجرد التزام مالي، بل مزيج من القانون والاقتصاد والسياسات العامة.
وتبرز تجربة مى أبوغالى، مستشارة الضرائب الدولية بقسم السياسات الضريبية والإدارية بمنظمة التعاون الاقتصادى والتنمية (OECD)، كواحدة من أهم النماذج المؤثرة فى القطاع.
قالت «أبوغالى» فى حوار لـ«البورصة»، إنها وُلدت ونشأت فى القاهرة، وحصلت على بكالوريوس التجارة «شعبة اللغة الإنجليزية» فى المحاسبة والتمويل من جامعة القاهرة، وماجستير فى إدارة الأعمال بتخصص فى البنوك والتمويل من كلية ماستريخت للإدارة فى هولندا، وماجستير فى قانون الضرائب الدولية بتقدير امتياز من كلية كينجز كولج فى لندن.
وأضافت أن مسيرتها المهنية فى مجال الضرائب بدأت فى مكتب برايس ووتر هاوس كوبرز (PwC) بالقاهرة، إذ اكتسبت خبرة واسعة فى مجال استشارات ضرائب الشركات، والاندماج والاستحواذ، والامتثال الضريبى من خلال تقديم الاستشارات للشركات متعددة الجنسيات، ما أتاح لها فهم التحديات المرتبطة بالضرائب عبر الحدود.
وتعتبر «مى أبوغالى» أن انضمامها إلى شركة بريتيش بتروليوم (BP) مرحلة مهمة فى مسيرتها المهنية، فقد منحتها هذه الفرصة للعمل كمسئولة عن استشارات الضرائب فى مصر وشمال أفريقيا فى لندن مع فريق الضرائب العالمى على مستوى المجموعة، من إدارة إستراتيجيات الضرائب والتعامل فى مجالات مختلفة مثل تسعير المعاملات، وهيكلة الضرائب الدولية، والحد من ممارسات تآكل الوعاء الضريبى ونقل الأرباح (BEPS)، وإدارة المخاطر، التى تمثل الركائز الأساسية للسياسة الضريبية الحديثة.
وبفضل اهتمامها بمجال السياسات الضريبية، وبعد تسع سنوات من العمل، اتخذت «أبوغالى» قرار الاستقالة فى 2014 من شركة بريتيش بتروليوم، وقررت متابعة الدراسة فى مجال الضرائب الدولية من خلال الحصول على ماجستير فى الضرائب الدولية من كلية كينجز كولج فى لندن، إذ كانت الاستقالة والانضمام إلى الجامعة خطوة محورية وصعبة، حيث تركت وظيفة ثابتة فى شركة مدرجة ضمن FTSE 100 للانتقال إلى المجهول.
اقرأ أيضا: ريم أبو زيد.. أول مرأة مصرية يتم اختيارها للعمل فى المنتدى الأفريقى «ATAF»
ورغم تساؤل كثيرين عن دوافع هذا القرار، فإنها أوضحت أن هذه الخطوة كانت ضرورية لتحقيق المواءمة بين مسيرتها المهنية وإشباع اهتماماتها. وتابعت أنه بعد حصولها على الماجستير، عملت مستشارة فنية لنائب وزير المالية المصرى للسياسات الضريبية، وأسهمت فى صياغة السياسات والإصلاحات الضريبية وتمثيل مصر فى المبادرات الضريبية الدولية.
ولعبت «مى أبوغالى» دوراً رئيسياً فى فريق العمل المكلف بتطبيق ضريبة القيمة المضافة فى مصر، وتطوير آليات تسوية المنازعات الضريبية، فضلاً عن المشاركة فى تمثيل مصر فى مشروع منع تآكل الوعاء الضريبى وتحويل الأرباح «BEPS» التابع لمنظمة التعاون الاقتصادى والتنمية (OECD) ومجموعة العشرين، مما عزز طموحها بتطوير السياسات والتعاون الضريبى الدولى.
وخلال عملها فى وزارة المالية المصرية، تخرجت من الدفعة الرابعة لبرنامج تعزيز القدرات القيادية للمتميزين، الذى تنظمه هيئة الرقابة الإدارية، وبعد عملها بوزارة المالية، انضمت إلى شركة استشارات أمريكية كخبيرة قانونية لدعم تطبيق ضريبة القيمة المضافة فى المملكة العربية السعودية.
اليوم، وبصفتها مستشارة ضريبية فى منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية (OECD)، تدير «أبوغالى» برامج الدعم الفنى فى منطقة الشرق الأوسط والاقتصادات النامية والمتقدمة، ويتركز عملها على تقديم الدعم الفنى للحكومات فى تنفيذ الإصلاحات الضريبية، وتعزيز الامتثال الضريبى، والتوافق مع المعايير الدولية. وأضافت أنها تقدم تدريباً للمسؤولين الحكوميين لتعزيز قدراتهم فى الفحص الضريبى وضمان التطبيق الفعال للقوانين الضريبية طبقاً للمعايير الدولية.
وأشارت إلى أن دافعها الدائم هو «إحداث فرق» فى كل من الإصلاحات الضريبية وبناء الكفاءات، والمساهمة فى إعداد أنظمة ضريبية أكثر عدلاً وكفاءة واستدامة.وعن تطلعاتها، تقول «أبوغالى»، إنها تستهدف الإسهام فى تشكيل وتنفيذ السياسات الضريبية العالمية، خاصةً فى مجالات رقمنة الإدارات الضريبية، وتعبئة الإيرادات فى الاقتصادات النامية.
ومع تطور الاقتصادات، يجب على الحكومات تطوير وتحديث السياسات الضريبية لمواكبة التحديات الجديدة. وأوضحت أن هناك هدفاً آخر وهو دعم وتوجيه مزيد من النساء فى مجال الضرائب، فوجود النساء يعزز التنوع فى وجهات النظر، ما يُثرى عملية صنع السياسات، كما أن تمثيلهن الأكبر فى القيادة سيعزز من تطوير حلول مبتكرة وشاملة.
وبعد قيامها بالتدريس فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة والمشاركة كمتحدثة فى جامعة كينجز كولج فى لندن، تأمل «أبوغالى» فى الإسهام فى المجال الأكاديمى وفى تشكيل الجيل القادم من المهنيين وصناع السياسات فى مجال الضرائب.
اقرأ أيضا: رشا عبدالعال.. عندما تقود المرأة «أفيال المال»
وأفادت بأنها لو لم تتابع مسيرتها كخبيرة فى مجال الضرائب الدولية، كان من المحتمل أن تبنى مسيرتها فى مجال الدبلوماسية أو السياسة الاقتصادية الدولية؛ إذ إن التفاوض على الاتفاقيات، وتشكيل القرارات العالمية، وتعزيز التعاون الدولى يتماشى بشكل وثيق مع اهتماماتها، أو من خلال متابعة مسيرتها فى المجال الأكاديمى والبحثى، مع التركيز على السياسات المالية.
وعن أبرز التحديات التى واجهتها فى حياتها المهنية، أوضحت «أبوغالى» أنه فى بداية مسيرتها المهنية، كانت فى كثير من الأحيان المرأة الوحيدة فى الاجتماعات والمناقشات والمفاوضات المتعلقة بالسياسات الضريبية.
وللتغلب على التحديات، ركزت على بناء قاعدة فنية قوية، وتحقيق نتائج مؤثرة، وتطوير شبكة علاقات عالمية من خلال إظهار الخبرة، والتفكير الاستراتيجى، والقيادة بشكل مستمر.
وكان التحدى الآخر بالنسبة لها، الحفاظ على التوازن بين العمل والحياة الشخصية فى مجال يتطلب ساعات طويلة من العمل، والسفر الدولي، واتخاذ قرارات سريعة، ولكن مع مرور الوقت، أصبح من السهل تحديد الأولويات بشكل فعال، وبناء المرونة، وتحسين الكفاءة فى العمل.
وفى ختام حديثها، وجهت «مى أبوغالى» رسالة لكل سيدة ترغب فى دخول مجال الضرائب الدولية بضرورة التطوير، حيث إن الضرائب الدولية مجال حيوى وسريع التطور، ويحتاج إلى قيادات نسائية قوية. والنجاح فيه يعتمد على التعلم المستمر، والاجتهاد، وتطوير المهارات سواء كانت فنية أو شخصية، فكلها تكمل بعضها البعض.
كما أكدت ضرورة بناء قاعدة فنية قوية، وتكوين شبكة علاقات قوية، وعدم التردد فى طرح الأفكار والأخذ بزمام المبادرة، وضرورة المشاركة فى النقاشات، واغتنام فرص القيادة، بالإضافة إلى عامل المرونة لمواكبة التغيرات المتعلقة بالاقتصاد الرقمى والتغيرات الاقتصادية. والقدرة على التكيف والابتكار ستجعل منكِ قائدة متميزة. والأهم من ذلك، آمنى بقدراتك وتأثيرك.
وأكدت أن النجاح المهنى لا يقتصر على الخبرة الفنية فقط، بل على توسيع الأفق من خلال تجارب متنوعة، والتفاعل مع ثقافات مختلفة.








