70% من ثروة الأسر يُحتفظ بها على شكل أسهم مقارنة بـ59% لدى الاتحاد الأوروبى
شبكة «سى إن بى سي» الإخبارية الأمريكية
فى الوقت الذى تكافح فيه المراكز المالية الكبرى فى أوروبا مثل لندن وفرانكفورت وباريس مع جفافاً طويلاً فى الطروحات العامة الأولية، يتصدر سوق الأسهم فى ستوكهولم القارة كأكثر أسواق الاكتتابات العامة نشاطاً.
فقد جمعت الشركات المدرجة فى العاصمة السويدية ما يقرب من مليارى دولار حتى الآن فى عام 2025، وهو ما يزيد بأكثر من ثمانى مرات عن حجم الطروحات فى لندن، متجاوزة بشكل كبير المراكز المالية فى مدريد وزيورخ وفرانكفورت، وفقاً لحسابات شبكة «سى إن بى سى» الإخبارية الأمريكية المستندة إلى بيانات «فاكت ست».
كما سلطت الطروحات المرتقبة لشركة الأمن المنزلى العملاقة «فيريشور»، والمُقرض الشمالى «نوبا»، الضوء على اتجاه يقول الخبراء إنه نتيجة عملية استمرت لعقود.
ويُعزى نجاح الدولة الإسكندنافية فى معظمه إلى «ثقافة الأسهم» الوطنية الراسخة، وتنوع مصادر رأس المال المحلى، وإطار تنظيمى داعم.
وقال ينس بلينوف، رئيس أسواق رأس المال فى الأسهم لدى «دى إن بى كارنيجى»: «تمتلك السويد شيئاً لن تجده فى أى مكان آخر فى أوروبا».
وكان بنك بلينوف الاستثمارى قد قاد طروحات عامة أولية بمليارات الدولارات لشركة «آسكر هيلث كير» وشركة تطوير الألعاب «هاكسو» فى وقت سابق من هذا العام.
وأوضح بلينوف، أن المحرك الرئيس لازدهار الطروحات فى السويد هو «نظام بيئى لرأس المال المحلى يستثمر فى الأسهم المحلية ولديه خبرة واسعة بالاكتتابات العامة».
وهذا التمويل المحلى يوفر أساساً للصفقات بجميع أحجامها.
وقال كاسبر ديشو، رئيس أسواق رأس المال فى الأسهم والخدمات المصرفية الاستثمارية لدى «نورديا»: «إذا نظرت إلى المستثمر الفردى العادى، ستجد أن نسبة أكبر بكثير من ثروته مستثمرة فى أسواق الأسهم العامة. السويد تبرز بوضوح فى أوروبا».
ويشارك فريق ديشو فى الطروحات المرتقبة لكل من «نوبا» و«فيريشور».
تشير إحصاءات «يوروستات» إلى أن نحو 70% من ثروة الأسر فى السويد تُحتفظ على شكل أسهم، مقارنة بمتوسط الاتحاد الأوروبى البالغ 59%.
كما قدّرت وزارة المالية السويدية أن سبعة من كل عشرة من السكان يمتلكون صناديق استثمارية بشكل مباشر، ويحتفظون فقط بنحو 10% من أصولهم المالية نقداً أو ودائع مصرفية، وهو أدنى مستوى فى أوروبا.
وقال بلينوف: «إذا كنت فى ستوكهولم وتحدثت مع سائق التاكسى، سيخبرك عن أحدث استثماراته. هناك ثقافة، وهناك نظام بيئى بُنى حولها».
وقد تم تحقيق هذا الانفتاح الثقافى على قبول المخاطر النسبية للأسهم مقارنة بالسندات على مدار عقود من السياسات الحكومية.
وقال ديشو من «نورديا»: «أعتقد أن الأمر يبدأ بالتنظيم، ومن ثم يتشكل على أثره ثقافة.. إنه مدفوع بشكل كبير ببيئة تنظيمية داعمة».
ووفقاً لجمعية صناديق الاستثمار السويدية «فونتبولاجينس فورينينج»، فقد أُطلقت أول صناديق استثمارية مشتركة فى السويد عام 1958، لكن لم تبدأ الظاهرة الحالية إلا بعد 20 عاماً مع تقديم صناديق ادخار مشجعة ضريبياً.
وبحلول عام 1990، كان هناك 1.7 مليون حساب ادخار استثمارى فى بلد لم يتجاوز عدد سكانه آنذاك 8.5 مليون نسمة.
وفى السنوات الأخيرة، عزز تقديم «حسابات الادخار الاستثمارية» عام 2012 هذا التحول السلوكى نحو الاستثمار فى الأسهم.
وعلى النقيض، فقد قلصت العديد من صناديق التقاعد فى المملكة المتحدة من تعرضها للأسهم بسبب التنظيمات، وبعضها مثل صندوق «آى تى في» البالغ 2.36 مليار دولار لا يحتفظ بأى أسهم، وفقاً لبيانات «فاكت ست».
وفى السويد، كانت النتيجة لنصف قرن من السياسات هى نشوء نظام استثمارى محلى قوي.
وقال نيكلاس فارم، رئيس أسواق رأس المال فى الأسهم لدى «إس إى بي»: «منذ زمن طويل تحافظ السويد على سوق أسهم نشطة للغاية من منظور أوروبي، مع مشاركة عالية من المستثمرين الأفراد ومكاتب العائلات، إلى جانب رؤوس الأموال المؤسسية التى تدير مدخرات وأصول تقاعدية».
وكان فارم قد قاد الطرح العام لشركة الاستثمار «روكو» فى وقت سابق من هذا العام.
إلى جانب استعداد الجمهور، استفاد مسار الطروحات فى السويد من تدفق صفقات مستمر لسنوات.
فعلى سبيل المثال، كثيراً ما تتضمن الطروحات مستثمرين «رئيسيين»، وهم مؤسسات كبيرة ومرموقة تلتزم برؤوس أموال ضخمة فى وقت مبكر من العملية، وهذا يمنح الشركات شهادة جودة ويمنح السوق ثقة أكبر.
وقال بلينوف من «دى إن بى كارنيجي»: «هذا يعطى الشركة اليقين فى وقت مبكر، ويمنح السوق ارتياحاً بأن بعض الصناديق عالية الجودة قد استثمرت بعد دراسة، وبالتالى تقلل المخاطر مبكراً».
كما سهلت «ناسداك»، التى تدير بورصة ستوكهولم، على الشركات تشغيل إدراج ثانوى فى بورصاتها الأخرى فى كوبنهاغن وهلسنكى وآيسلندا وتالين وريغا وفيلنيوس، ما يتيح لها تنويع قاعدة المستثمرين.
إضافة إلى ذلك، فإن التدفق المستمر للشركات المدعومة من صناديق الأسهم الخاصة ورأس المال المخاطر يغذى خط الطروحات.
وقال جوران سفينسون، رئيس أسواق رأس المال فى الأسهم بالسويد لدى «نورديا»: «الكثير من الطروحات عالية الجودة تنبع من خلفية الأسهم الخاصة».
وأضاف ديشو من «نورديا»: «لقد تعلمت هذه الصناديق أن إدراج شركة فى السوق يتطلب ترك بعض القيمة للمستثمرين الجدد، فلا يمكنهم انتزاع كل دولار».
7 من كل 10 أشخاص يمتلكون صناديق استثمارية
ويرى بير فرانزن، الرئيس التنفيذى لشركة الأسهم الخاصة «إى كيو تي»، أن الاكتتاب العام يمثل «خيار خروج جذاباً»، وتحرص شركته على أن تكون شركات محفظتها «جاهزة للاكتتاب العام» لزيادة خياراتها.
وقد باعت «إى كيو تي» هذا العام أسهماً بقيمة 5.3 مليار فرنك سويسرى (6.65 مليار دولار) من شركة «جالدرما»، إذ ارتفعت أسهم عملاق العناية بالبشرة بأكثر من 125% منذ طرحها فى مارس 2024.
ورغم النشاط الكبير، فإن ازدهار الاكتتابات الحالى فى السويد يُعتبر نسبياً مقارنة بهدوء أوروبا، ولا يزال بعيداً عن الذروة التاريخية. فالمليارا دولار التى جُمعت حتى الآن فى 2025 تتضاءل أمام أكثر من 11.5 مليار دولار جُمعت فى السويد خلال طفرة الاكتتابات العالمية عام 2021.
كما أن صحة السوق تعتمد على أداء أعضائه الجدد، فالمستثمرون، الذين تضرروا من التراجع الذى أعقب ذروة 2021، يتعاملون الآن بحذر.
وقال فارم من «إس إى بي»: «فى هذه المرحلة المبكرة من دورة الطروحات، نرى أن المستثمرين يتوخون الانتقائية ويركزون على السجل السابق وآفاق النمو المربح».
ومع ذلك، لا يزال التفاؤل قائماً.
وقال ديشو من «نورديا»: «نحن واثقون وإيجابيون بشأن خط الطروحات وما سيبدو عليه خلال الاثنى عشر شهراً المقبلة. أعتقد أن 2026 سيكون عاماً كبيراً للاكتتابات، ليس فقط فى السويد، بل عبر دول الشمال، مع كثير من الطروحات الكبرى».








