شهدت تكاليف اقتراض الحكومة الفرنسية ارتفاعا حادا عقب الاستقالة المفاجئة لرئيس الوزراء الجديد سيباستيان لوكورنو، الذي أعلن رحيله بعد ساعات فقط من تشكيل حكومته، في أحدث تطور يُعمّق الأزمة السياسية والمالية التي تعصف بفرنسا.
وقفزت عوائد السندات الفرنسية بشكل كبير، فيما تراجعت مؤشرات الأسهم في بورصة باريس عقب إعلان لوكورنو استقالته من منصبه الذي لم يمض عليه سوى 27 يوما، بعد تعرضه لضغوط وتهديدات من حلفائه ومعارضيه على حد سواء بإسقاط حكومته عبر تصويت بحجب الثقة، بحسب ما نقلته صحيفة “تليجراف” البريطانية.
وتعني تكلفة الاقتراض الحكومي المبلغ الذي تدفعه الحكومة مقابل اقتراض الأموال من الأسواق أو المؤسسات المالية، وتتمثل في شكل نسبة فائدة على السندات أو القروض التي تصدرها الحكومة.
وتأتي هذه الخطوة لتغرق فرنسا في دوامة جديدة من الاضطراب السياسي، إذ تبحث البلاد الآن عن رئيس وزراء رابع في أقل من عام واحد، ما يعكس هشاشة المشهد السياسي داخل أروقة السلطة الفرنسية.
وعقب إعلان الاستقالة، دعا حزب “التجمع الوطني” اليميني المتطرف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى حلّ الجمعية الوطنية وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة، معتبرا أن استمرار الحكومة في وضعها الحالي لم يعد ممكنا.
وكان لوكورنو قد تولى رئاسة الحكومة الشهر الماضي وسط مهمة صعبة تمثلت في محاولة تمرير موازنة تقشفية لعام 2026 في برلمان منقسم بشدة، يعاني انقساما أيديولوجيا وسياسيا جعل إيجاد توافق حول السياسات المالية أمرا شبه مستحيل.
وسبق أن أُطيح بسلفيه فرانسوا بايرو وميشيل بارنييه بعد رفض الجمعية الوطنية خططهما لخفض الإنفاق العام، ما يعكس حجم الأزمة التي تواجهها السلطة التنفيذية في تمرير أي إصلاحات مالية.
وقال الخبير الاقتصادي جاك ألين-رينولدز، من مؤسسة “كابيتال إيكونوميكس” لتحليل الأسواق، إن “الانقسام العميق في البرلمان الفرنسي يجعل من شبه المستحيل تمرير موازنة تُقلّص العجز المالي”، محذرا من أن هذا الشلل السياسي قد يرفع كلفة الدين السيادي الفرنسي إلى مستويات غير مسبوقة.
وتجاوزت تكاليف اقتراض الحكومة الفرنسية نظيراتها في كل من إيطاليا واليونان والبرتغال، في مؤشر على تراجع ثقة المستثمرين في قدرة باريس على ضبط ماليتها العامة، كما اتسع الفارق بين عوائد السندات الفرنسية والألمانية إلى أعلى مستوى له خلال العام الجاري، وهو مقياس رئيسي يعكس زيادة المخاطر المرتبطة بالديون الفرنسية.
من جانبه، قال كريس بوشامب، كبير محللي الأسواق في شركة “آي جي” البريطانية، إن الأسواق “صُدمت” بخروج لوكورنو المفاجئ، مشيرا إلى أن رد الفعل العنيف في السندات والأسهم يعكس قلق المستثمرين من حالة عدم الاستقرار السياسي المتصاعدة في فرنسا.
وأضاف بوشامب: “القلق الحقيقي يتمثل في أن تتابع رؤساء الوزراء العاجزين عن الحكم قد يؤدي في نهاية المطاف إلى استقالة الرئيس إيمانويل ماكرون نفسه، وهو ما من شأنه أن يُفاقم الأزمة بشكل كبير ويُحدث هزة عميقة في مؤسسات الدولة الفرنسية”.
وبينما يترقب المستثمرون الخطوة التالية من قصر الإليزيه، يرى محللون أن فرنسا تدخل مرحلة جديدة من الاضطراب السياسي المصحوب بضعف مالي غير مسبوق، في وقت تواجه فيه البلاد تحديات اقتصادية متزايدة، من بينها تضخم مرتفع، وضغوط على الموازنة، وتراجع ثقة الأسواق في قدرتها على الاستقرار المالي خلال السنوات المقبلة.








