رفع صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو اقتصادات دول الخليج خلال عامي 2025 و2026، مدفوعاً بتعافي إنتاج النفط والزخم المتواصل في القطاعات الاقتصادية غير النفطية، في ظل الطلب المحلي القوي الناتج عن برامج التنويع الاقتصادي، التي تتبناها دول المنطقة.
وبحسب النسخة المحدثة من تقرير “آفاق الاقتصاد الإقليمي” لمنطقة الشرق الأوسط ووسط آسيا، يتوقع الصندوق أن تحقق اقتصادات الخليج توسعاً بنسبة 3.9% في 2025، بزيادة 0.9 نقطة مئوية عن تقديراته السابقة الصادرة في مايو الماضي. كما يُرجّح أن يرتفع النمو إلى 4.3% في 2026، بزيادة 0.2 نقطة مئوية.
إنتاج النفط يعزز التوقعات
تعكس التوقعات الجديدة ارتفاعاً ملموساً في إنتاج النفط بدول الخليج، إذ زاد إجمالي الإنتاج بمقدار 1.13 مليون برميل يومياً خلال ستة أشهر بين فبراير وأغسطس 2025، منها 968 ألف برميل يومياً بين فبراير ويونيو، و158 ألف برميل إضافية بين يونيو وأغسطس.
وجاء ذلك بعد شروع تحالف “أوبك+” –الذي يضم منظمة البلدان المصدّرة للنفط (أوبك) ومنتجين مستقلين، بينهم روسيا– في تخفيف القيود على الإمدادات منذ أبريل الماضي، بهدف استعادة حصته السوقية. ويضخ التحالف نحو نصف الإمدادات العالمية من الخام. ويرى الصندوق أن الدول المصدّرة للنفط في منطقة الشرق الأوسط استفادت من هذه الزيادة، مع تسارع وتيرة تقليص التخفيضات الإنتاجية.
الزخم غير النفطي مستمر
لم تقتصر المراجعة الإيجابية على القطاعات النفطية، إذ رفع الصندوق توقعاته لنمو الناتج المحلي غير النفطي إلى 3.8% في 2025 مقارنة بـ3.4% في تقديرات مايو، على أن يرتفع إلى 3.6% في 2026. ويعكس هذا الارتفاع النشاط المتسارع في قطاعات الصناعة، الخدمات، السياحة، والبنية التحتية، ضمن خطط التنويع الاقتصادي الجارية في عدد من دول الخليج.
كما أشار التقرير إلى أن النمو الاقتصادي خلال النصف الأول من 2025 ظل “قوياً”، مدعوماً بالطلب المحلي المتين وجهود تنويع الاقتصادات إلى جانب انتعاش إنتاج المواد الهيدروكربونية.
يتوقع الصندوق أن يتسارع النمو في المنطقة إلى 4.1% خلال الفترة بين 2026 و2027، قبل أن يعتدل إلى 3.4% نتيجة تراجع إنتاج النفط. ومع ذلك، يُرجَّح أن يحافظ القطاع غير النفطي على وتيرة نمو قوية.
تقلّص الفوائض وتضخم مستقر
رغم النظرة الإيجابية، يرى الصندوق أن فوائض الحساب الجاري لدول الخليج ستتراجع على المدى المتوسط، من 7.1% من الناتج المحلي الإجمالي في 2024 إلى 4.9% في 2025، و4.3% في 2026، وصولاً إلى نحو 3.7% بحلول 2030. ويُعزى ذلك إلى انخفاض عوائد تصدير النفط وارتفاع الواردات المرتبطة ببرامج التنويع الاقتصادي.
كما حذر التقرير من مؤشرات على ارتفاع سريع في أسعار العقارات ببعض دول الخليج، مدفوعاً بنمو الائتمان وارتفاع التقييمات السوقية، وهو ما قد يشكّل مصدر قلق محتمل.
يتوقع الصندوق أن يظل التضخم في دول الخليج مستقراً عند متوسط يقارب 2% حتى عام 2030. وتستفيد دول المنطقة من ربط العملات الخليجية بالدولار الأميركي، ما يخفف أثر تقلبات أسعار السلع العالمية.
وبحسب المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، بلغ متوسط معدل التضخم 1.7% في 2024، مقارنة بـ2.2% في 2023، ما يعكس قدرة السياسات النقدية والمالية على احتواء الضغوط التضخمية، ويشير إلى حالة الاستقرار النسبي في المنطقة مقارنة بالتقلبات العالمية، وفق موقع “أرقام”.
كما أشار الصندوق إلى أن اقتصادات الخليج لم تتأثر بتصاعد التوترات الجيوسياسية أو النزاعات التجارية. فرغم تراجع قيمة الصادرات بسبب انخفاض أسعار النفط مقارنة بالعام الماضي، فإن الصادرات غير النفطية واصلت إظهار متانة.
أسعار النفط بين الاستقرار والمخاطر الجيوسياسية
يتوقع الصندوق أن يبلغ متوسط سعر النفط 69 دولاراً للبرميل في 2025، ثم يتراجع إلى 66 دولاراً اعتباراً من 2026 ليستقر حول هذا المستوى حتى 2030. ويشكل ذلك انخفاضاً من متوسط الأسعار البالغ 79 دولاراً في العام الماضي. ويرى الصندوق أن الانتعاش الأسرع من المتوقع في إنتاج “أوبك+”، إلى جانب ضعف الطلب العالمي، قد يؤدي إلى فائض في المعروض يضغط على الأسعار. واستقرت الأسعار بين 60 و70 دولاراً للبرميل منذ منتصف العام.
يأتي ذلك بينما أبقت منظمة “أوبك” في وقت سابق من الشهر الجاري على نظرتها المستقرة تجاه سوق النفط العالمية، محافظةً على تقديراتها لنمو الطلب خلال العامين الجاري والمقبل دون تغيير، في وقت تواجه فيه الأسواق تقلبات حادة بسبب التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين.
ومن ناحية أخرى، فإن تصاعد التوترات الجيوسياسية -بما في ذلك احتمال فرض عقوبات إضافية على صادرات روسيا وإيران من الخام- قد يرفع الأسعار مجدداً، مما يشكّل دعماً محتملاً لاقتصادات الخليج.








