هل يمكنه إنقاذ الكوكب؟ ميثاق أخضر بين أوروبا والصين

اقتصاديون أوروبيون يقترحون مقايضة تجارية جديدة لتفادي احتكاكات السوق والطاقة

مطلع عام 2021، علق الاتحاد الأوروبي “اتفاقية الاستثمار الشاملة” التي تفاوض بشأنها مع الصين، بعدما أبدت الولايات المتحدة رفضها لها.

في ذلك الوقت، بدا الرضوخ للإدارة الأمريكية الجديدة حكيماً، إذ كانت أوروبا حريصة على إعادة بناء وحدة العلاقات عبر الأطلسي بعد الولاية الأولى للرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

ولبرهة، بدا القرار صائباً، إذ سرعان ما عاد الرئيس السابق جو بايدن إلى اتفاق باريس للمناخ وأعلن أن “أمريكا عادت”.

من المؤكد أن العلاقة بين أوروبا وإدارة بايدن لم تخلُ من التوتر، لا سيما بعد إقرار “قانون الحد من التضخم” الذي خصّص عشرات المليارات من الدولارات لدعم الصناعات الأمريكية.

لكن الخلافات العابرة للأطلسي بقيت ضمن حدود يمكن السيطرة عليها، فيما بدا أن الدعم الأمريكي الثابت لأوكرانيا عزز متانة العلاقات بين الجانبين.

غير أن عودة ترامب إلى البيت الأبيض حولت التضامن الأطلسي مجدداً إلى مصدر هشاشة إستراتيجية، بحسب ما ذكره موقع “بروجكت سنديكيت”.

فقد أضرت الرسوم الجمركية الأمريكية الواسعة بالصديق والخصم على السواء، وبينما يخشى الأوروبيون انسحاباً كاملاً للدعم العسكري الأمريكي لأوكرانيا (أو ما هو أسوأ)، اضطرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إلى قبول اتفاق تجاري أحادي الجانب مع ترامب في اسكتلندا.

في الوقت نفسه، واصلت الولايات المتحدة تفكيك النظام الدولي الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية، إذ بات يُنظر إليه، كما وصفه وزير الخارجية ماركو روبيو، على أنه “سلاح يُستخدم ضدنا”.

بعد انسحاب ترامب مجدداً من اتفاق باريس، شرع في تقويض الطاقة المتجددة وجهود مكافحة تغير المناخ بوجه عام.

ففي منتصف أكتوبر، عرقلت واشنطن من طرف واحد الاتفاق الذي أُبرم حديثاً في المنظمة البحرية الدولية لخفض الانبعاثات الناتجة عن الشحن البحري، ومن المتوقع هذا الشهر أن تسعى لإفشال اتفاق طموح في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ “كوب 30” المقرر عقده في البرازيل.

ومع تضييع العالم فرصاً حقيقية للإبقاء على درجات الحرارة ضمن أهداف اتفاق باريس، بات خطر الانهيار أعمق.

وهذا قد يخدم المصالح الأمريكية قصيرة المدى وجماعات الضغط المرتبطة بالوقود الأحفوري، لكنه ينذر بكارثة على الكوكب، ولا سيما على البلدان النامية الأكثر هشاشة.

النقطة الوحيدة التي يتفق عليها الحزبان الجمهوري والديمقراطي، هي ضرورة منع الصين من أن تحل محل الولايات المتحدة بوصفها القائد الفعلي للنظام الدولي.

ومع أن التقارب الأخير بين ترامب والرئيس الصيني شي جين بينج قد يخفف حدة التوتر الثنائي مؤقتاً، فإنه لا يغير طبيعة التنافس الذي سيشكل العلاقات الدولية لسنوات وربما لعقود قادمة.

في مواجهة النزعة القومية الأمريكية والاندفاع الصيني، لم يعد بإمكان أوروبا تحمل كلفة السلبية الإستراتيجية.

فرغم ثقلها الاقتصادي، لم تكن لاعباً فاعلاً في هذه المواجهة، ناهيك عن المنافسة على الزعامة العالمية.

بما أن أوروبا تدعم نظاماً دولياً قائماً على القواعد، فلا يمكنها أن تصطف بسهولة إلى جانب الصين أو أمريكا في عهد ترامب.

غير أنها، في عالم يتجه نحو التعددية القطبية، تمتلك من النفوذ ما يكفي لترجيح الكفة في هذا الاتجاه أو ذاك.

وحتى الآن، مالت أوروبا إلى جانب الولايات المتحدة، لكن نزعة ترامب العدوانية وعدم القدرة على التنبؤ بسياساته يمنحانها سبباً وجيهاً للتفكير في خيارات بديلة.
صحيح أن لدى الاتحاد الأوروبي شكاوى خاصة به تجاه الصين، لكن هناك أرضية مشتركة واسعة بين الطرفين، خصوصاً في ما يتعلق بتغير المناخ والتحول في قطاع الطاقة.

فالصين، بصفتها أكبر مصدر لانبعاثات الغازات الدفيئة وأكبر منتج للتقنيات النظيفة في العالم، يعتمد مستقبلها الصناعي على نجاح التحول الأخضر العالمي.
ومن ثمّ، تتقاطع مصالح الصين وأوروبا في تسريع التحول المناخي داخل الأسواق الناشئة والدول منخفضة الدخل.

فمصير المناخ والبيئة الطبيعية أصبح مرتبطاً أكثر فأكثر بالاقتصادات النامية، التي تمثل بالفعل الجزء الأكبر من الانبعاثات الحالية والمستقبلية.

وإذا استمر نموها معتمداً على الوقود الأحفوري، فإن الأضرار المناخية المترتبة ستكبد الجميع تكاليف متصاعدة.

وكما برز في ورقة سياسات حديثة، فإن دعم نمو هذه الاقتصادات عبر الطاقة المتجددة أقل كلفة بكثير من تحمل التكاليف المتزايدة الناتجة عن تغير المناخ.

لهذا، يمكن لشراكة عملية بين أوروبا والصين أن تخدم ليس مصالحهما فحسب، بل مصالح الأجيال الحالية والقادمة أيضاً.

غير أن تحقيق ذلك يتطلب توافر جملة من الشروط في ظل ضعف الثقة المتبادلة.
أولاً، يجب ألا تتحول الاحتكاكات التجارية إلى عقبة، خصوصاً مع ارتفاع الصادرات الصافية الصينية نتيجة ضعف الطلب المحلي، وتحول مسارات التجارة بعيداً عن الولايات المتحدة نحو أوروبا.

ولتجنب زيادة التوترات، على الجانبين التحلي بالنضج والاتفاق على مقايضة واضحة.
كما اقترح اقتصاديون فرنسيون وألمان في مذكرة مشتركة للحكومتين، ينبغي أن يكون دخول الصين إلى السوق الأوروبية غير مشروط في بعض السلع مثل الألواح الشمسية، لكنه مشروط بالاستثمار المباشر الصيني ونقل التكنولوجيا إلى أوروبا في سلع أخرى كالسيارات الكهربائية.

في الوقت نفسه، يجب أن تبقى الواردات مقيدة بشدة في الصناعات التي تُعد حساسة للأمن القومي.

أما الشرط الثاني والأصعب فهو الجيوسياسي، فمعظم المحللين الصينيين يرون في أوروبا مجرد تابع للولايات المتحدة، ويعتبرون الحرب في أوكرانيا صراعاً بين الأخيرة وروسيا على مناطق النفوذ.

لكن الأوروبيين يقرأون المشهد بشكل مغاير، إذ يرون في روسيا قوةً إمبريالية جديدة تسعى للهيمنة على أوروبا متى تمكنت من تحييد أوكرانيا.

وفي وقت تركز فيه الولايات المتحدة أكثر على آسيا وصراعها مع الصين، يكشف الهجوم الهجين الذي يشنه الكرملين على أوروبا الغربية عن نواياه بوضوح.

ومن شأن شراكة تجارية ومناخية أن تخدم المصالح المشتركة لكل من الصين وأوروبا، لكنها لن تكون ممكنة إلا إذا أنهت بكين دعمها للعدوان الروسي وتبنت موقفاً أكثر حياداً.

في المقابل، يكون على أوروبا أن تثبت استقلالها الاستراتيجي الحقيقي عن الولايات المتحدة.

إذا تمكنت أوروبا والصين من استيفاء هذه الشروط، فبوسعهما أن يرسيا أسس شراكة خضراء قائمة على القواعد، لا تكون موجهة ضد أمريكا، بل دفاعاً عن المصالح المشتركة للكوكب وعن مستقبلهما معاً.