الجميع يُدرك أن الأستراليين يدفعون اليوم مبالغ أعلى بكثير للكهرباء مقارنة بما كانت عليه قبل عدة أعوام.
فقد كانت البلاد تملك في السابق واحدة من أرخص منظومات الطاقة في العالم، لكن يبدو أنهم أضاعوا هذه الميزة، ويُلقى باللوم على التحول نحو الطاقة المتجددة في هذا التراجع.
كثيرون يعتقدون أن هذه الأمور جميعها صحيحة، لكن هل هي كذلك فعلاً؟
الإجابة، كما يقال، قد تفاجئكم.. استعدوا، فالأمر على وشك أن يصبح معقداً.
الإجابة المختصرة هي: “لا”.
فأسعار الكهرباء في أستراليا ليست الأعلى مقارنة بمعظم الدول، بل هي تقريباً في منتصف القائمة، وتنخفض أكثر عند احتساب ارتفاع مستويات الدخل هناك.
بلغ متوسط سعر الكهرباء للمنازل الأسترالية 39 سنتاً لكل كيلووات / الساعة بين عامي 2023 و2025، وفقاً لمجلس الطاقة الأسترالي.
وهذا المعدل يزيد قليلاً فقط على متوسط دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية البالغ 38 سنتاً للكيلووات /الساعة، وهو ما يجعل أسعار الكهرباء السكنية في أستراليا في المرتبة 15 من بين 38 دولة.
لكن المقارنة بين الدول وفق السعر نفسه قد تعطي انطباعاً مضللاً حول القدرة على تحمل تكاليف الطاقة، كما توضح كارول تران، المحللة في المجلس، في تقرير صدر أوائل هذا العام.
فعلى سبيل المثال، لا يمكن مقارنة أسرة أسترالية تدفع 39 سنتاً لكل كيلووات /الساعة بأسرة إسبانية أو تشيكية أو كولومبية تدفع المبلغ نفسه.
وبعد تعديل الأسعار وفق تكاليف المعيشة، وجدت تران أن ترتيب أستراليا ينخفض في المقارنات الدولية، بحسب ما نقلته صحيفة “الجارديان” البريطانية.
فبدلاً من احتلال المرتبة 15 بين أعلى الأسعار، تنتقل أستراليا إلى المرتبة 24، وبفارق كبير عن متوسط منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
بالتالي، عندما يتعلق الأمر بقدرة المنازل الأسترالية على تحمل تكلفة الكهرباء مقارنة بمعايير دولية، فالوضع جيد.
ترددت مزاعم كثيرة حول فقدان أستراليا ميزتها التاريخية في انخفاض تكلفة الطاقة مقارنة بالعالم، لكن هل حدث ذلك بالفعل؟
بالعودة إلى تحليل مجلس الطاقة الأسترالي، الذي أجرى في عام 2016 مقارنة دولية مشابهة لبحثه الأخير، كانت الأسعار المنزلية في ذلك الوقت تخص عام 2014، وجرت مقارنتها باستخدام “أسعار الصرف المعتمدة على القوة الشرائية”، وهي ليست الطريقة نفسها تماماً، لكنها تعتمد أيضاً على فروقات تكاليف المعيشة.
جاء ترتيب أستراليا قبل عقد من الزمن قريباً من ترتيبها الحالي، فقد كانت حينها أقل قليلاً من متوسط دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وفي المرتبة 21 بين 32 دولة.
بمعنى آخر، رغم ارتفاع أسعار الكهرباء خلال العقد الماضي بشكل ملحوظ، إلا أن دولاً أخرى شهدت ارتفاعات كبيرة أيضاً.
ليست هناك طريقة مثالية لمقارنة أسعار الكهرباء عالمياً، فبيانات وكالة الطاقة الدولية الممتدة منذ بداية عام 2018 تظهر النتيجة نفسها فيما يتعلق بأسعار الجملة، وليس التجزئة، التي بقيت ضمن متوسط مجموعة واسعة من الدول الكبرى.
تعكس أسعار الجملة تكلفة توليد الطاقة الأساسية، لكنها تشكل بين 31% و45% من السعر الافتراضي للكهرباء الذي يدفعه المستهلكون.
في المقابل، تمثل تكلفة الشبكات 33% إلى 48% من الفاتورة، بينما تتراوح تكلفة التجزئة بين 11% و16%، والتكاليف البيئية بين 3% و4%.
الجميع يعلم أن فواتير الكهرباء ارتفعت، لكن تقدير حجم الزيادة يختلف بحسب المنطقة، ويصعب الوضع أيضاً وجود دعم حكومي مباشر في بعض الفترات، خصوصاً خلال العامين الماضيين تزامناً مع آثار الحرب الروسية ضد أوكرانيا على أسواق الطاقة.
مع ذلك، هناك بعض المؤشرات على الساحل الشرقي.
في كل عام، يحدد منظم الطاقة الأسترالي الحد الأقصى للأسعار، المعروف بـ”العرض الافتراضي للسوق”، في ولايات كوينزلاند ونيو ساوث ويلز وجنوب أستراليا، بينما يعتمد جهاز مماثل في فيكتوريا سعراً افتراضياً منفصلاً.
يمثل هذا الحد السعر الأقصى الذي يمكن لموردي الكهرباء فرضه على المستهلكين، ويُحسب كمتوسط سنوي لفاتورة منزلية، أي إنه سقف سعري وليس السعر الفعلي.
ارتفع هذا السقف بين 30% و32% في كوينزلاند ونيو ساوث ويلز خلال الأعوام الثلاثة الماضية، وبنسبة 25% في جنوب أستراليا، أما فيكتوريا فسجلت ارتفاعاً أقل بلغ 19% بين عامي 2022-2023 و2025-2026.
لكن المفاجأة هي أن الأستراليين على الساحل الشرقي يدفعون اليوم فواتير كهرباء أقل مما كانوا يدفعونه قبل ثلاث سنوات، فوفق لجنة المنافسة والمستهلك الأسترالية، تشير أحدث البيانات إلى أن متوسط الفاتورة المنزلية في نيو ساوث ويلز وجنوب أستراليا بلغ نحو 330 دولاراً في الربع الثالث من عام 2024، وهو أقل بنسبة تتراوح بين 5% و7% مقارنة قبل ثلاث سنوات.
وفي كوينزلاند، وبفضل الدعم الحكومي الكبير، انخفضت الفاتورة الربع سنوية من 230 دولاراً في الربع الثالث من 2021 إلى رصيد دائن بقيمة 100 دولار على الفاتورة.
أما الأسر الفيكتورية فقد تراجعت فاتورتها الفصلية بنسبة 17% لتصل إلى 256 دولاراً خلال الفترة نفسها، لكن دون الدعم الحكومي، كان الوضع سيكون مختلفاً تماماً، فالفواتير كانت سترتفع بين 19% و22% في نيو ساوث ويلز وجنوب أستراليا، وبنحو 14% في فيكتوريا، و66% في جنوب شرق كوينزلاند، كما يمكن قياس ارتفاع التكلفة من خلال مؤشر أسعار المستهلكين الصادر عن مكتب الإحصاء الأسترالي.
فقد ارتفعت تكلفة الكهرباء وطنياً بنسبة 19% خلال السنوات الثلاث المنتهية في سبتمبر 2025، مقارنة بارتفاع 12% في مؤشر الأسعار، ومرة أخرى، عند استبعاد الدعم، تصبح الزيادة تقارب 35%.
توضح يوهانا باوْيَر، كبيرة محللي الكهرباء الأسترالية في معهد اقتصاديات الطاقة والتحليل المالي، أن الأسباب الرئيسية لارتفاع الفواتير تتمثل في أسعار الجملة، أي تكلفة تقنيات التوليد، وكذلك تكاليف الشبكات، التي تشمل الأبراج وخطوط النقل.
وتقول إن الطاقة المتجددة ليست المسؤولة عن ارتفاع الفواتير، فالارتفاع في أسعار الفحم خلال العقدين الماضيين كان عاملاً مؤثراً، لكن “السعر الحقيقي الذي يدفع أسعار الجملة نحو الارتفاع هو سعر الغاز”.
وأظهر بحث لجامعة جريفيث وجود ارتباط “شبه كامل” بين أسعار الغاز والكهرباء في سوق الكهرباء الوطنية الساحلية خلال العقد المنتهي في 2021.
تزايدت أيضاً تأثيرات الأعطال في محطات الفحم خلال الفترة الأخيرة، فخلال ساعات النهار، ومع سطوع الشمس، تنخفض أسعار الجملة في السوق الفورية إلى مستويات قريبة من الصفر، لكن في المساء، ومع عودة الاستهلاك للارتفاع، تقفز الأسعار لتتوافق مع تكلفة أغلى مصدر للطاقة، ألا وهو الغاز.
تخفيض الاعتماد على الغاز يُعد مفتاحاً لخفض الأسعار
وتقترح باوْير تعزيز الطاقة المتجددة ورفع كفاءة استخدام الطاقة، وهذا مهم خصوصاً للمنازل.
وتقول: “إذا أردت خفض فاتورة الكهرباء، فالطريقة الأساسية هي تركيب أنظمة شمسية على السطح مع التخزين، واستخدام أجهزة كهربائية عالية الكفاءة. هذا يمكن أن يخفض الفاتورة بنسبة 80%-90%”، وتضيف أن أسعار التجزئة لا تتعلق فقط بتكلفة التوليد، بل تشمل أيضاً تكاليف الشبكات.
وبناء البنية التحتية اللازمة لشبكات الطاقة النظيفة، بما في ذلك البطاريات وخطوط النقل، يثبت أنه أكثر تكلفة واستغراقاً للوقت مما كان متوقعاً.
كما كتب توني وود، الزميل البارز في برنامج الطاقة لدى معهد جراتان، فإن “تكلفة توليد الطاقة المتجددة منخفضة جداً، لكننا قللنا من تقدير تكلفة إيصال هذه الطاقة إلى الأسواق وضمان قدرتها على التغطية المستقرة”.
وتؤدي الطاقة الخضراء الرخيصة إلى موازنة ارتفاع تكاليف بناء البنية التحتية الجديدة، لكن الكثير من الأستراليين مازالوا “يتساءلون متى بالضبط ستؤدي الطاقة المتجددة الرخيصة إلى كهرباء رخيصة؟”، كما يكتب وود.
وإجابته المختصرة: “ليس بعد”.








