لم يعد القطاع العقاري وحده اللاعب الأساسي خلف الارتفاعات الأخيرة في البورصة المصرية، فالمعادلة — بحسب المحللين — أصبحت تستند إلى تداخل غير مسبوق بين السياحة والعقار، حيث باتت المشروعات الساحلية الكبرى تصنع موجة ثقة تمتد إلى قطاعات الفنادق والترفيه، بينما تضخ السياحة طلباً جديداً على الأصول العقارية الفاخرة، في حلقة متبادلة عززت الزخم الذي شهدته الأسهم خلال الأسابيع الماضية.
هذه «التوأمة الاقتصادية» ظهرت بوضوح بعد تنفيذ صفقات ضخمة بمنطقة الساحل الشمالي والبحر الأحمر، وعلى رأسها رأس الحكمة و علم الروم ومشروع «مراسي ريد»، التي ساهمت في إعادة تحديد البوصلة الاستثمارية داخل السوق، وجعلت الأسهم المرتبطة بالسياحة والضيافة تحقق أداءً موازياً للصعود العقاري.
بطرس: صفقات الساحل إشارة على عودة الاستثمار الأجنبي المباشر
وقالت سارة بطرس، محلل القطاع العقاري بشركة سي آي كابيتال لتداول الأوراق المالية، إن الصفقات الأخيرة لم تكن مجرد مشروعات جديدة، بل حملت «إشارة سياسية واقتصادية» واضحة على عودة رأس المال الأجنبي إلى واحد من أكثر القطاعات حساسية في السوق. ورغم انتعاش شهية المستثمرين في البورصة، إلا أن تأثير هذه الصفقات فى السوق العقاري جاء مزدوجًا؛ إذ عززت الثقة من جهة، لكنها أحدثت «تأثير التزاحم» على الشركات المحلية بعد تحول اهتمام المشترين نحو المشروعات المدعومة باستثمارات أجنبية كبيرة.
ورغم التوقعات بعودة الطلب تدريجيًا العام المقبل، خصوصًا على المشروعات الساحلية والسياحية. وفي المقابل، استفادت أسهم الشركات القيادية مثل طلعت مصطفى وأوراسكوم للتنمية من موجة التفاؤل، بدعم من نشاط السياحة والفنادق وتوقعات خفض أسعار الفائدة، وفقًا لـ”بطرس”.
شفيع: أسهم عقارية تتداول أقل من قيمتها العادلة والزخم الحقيقي يظهر في نتائج الأعمال
واتفق فى ذلك مصطفى شفيع، رئيس البحوث بشركة عربية أونلاين، مع هذا الطرح، معتبرًا أن صفقة «علم الروم» تحمل تأثيرًا نوعيًا أكبر على الساحل الشمالي مقارنة بمشروعات سابقة، نظرًا لضخامة الاستثمارات وطبيعة المطورين المشاركين.
وأضاف أن بعض الأسهم العقارية ما زالت أقل من قيمتها العادلة، لكن أثر الصفقات على الأسعار لن يكون فوريًا، إذ يحتاج السوق إلى رؤية نتائج تشغيلية واضحة.
ذكر شفيع أن الساحل الشمالي يشهد زخمًا استثماريًا متزايدًا سيعزز قيمة المنطقة تدريجيًا، موضحًا أن الشركات ذات الحضور في تلك المناطق — مثل طلعت مصطفى وسوديك وبالم هيلز — ستكون الأكثر استفادة على المدى المتوسط، مع ارتفاع الطلب على الوحدات السياحية والفندقية. وأكد أن تلك المشروعات تسوق كمقاصد سياحية أكثر من كونها إسكانًا تقليديًا.
ومع صفقات رأس الحكمة وعلم الروم، شهد مؤشر القطاع العقاري في البورصة المصرية صعودًا قويًا؛ إذ ارتفع 57.2% خلال الشهر الذي شهد تنفيذ صفقة رأس الحكمة، بينما صعد 9.3% خلال الأسبوع الأول من نوفمبر بالتزامن مع صفقة علم الروم، في حين تراجع قطاع السياحة والترفيه 1.4%.
ناشي: فجوة في أداء أسهم شركات التطوير العقاري
وقال أحمد ناشي، محلل الاستراتيجيات الفنية بشركة ثاندر، إن تأثير صفقات الساحل الشمالي يختلف باختلاف طبيعة الشركات، موضحًا أن الشركات العاملة في الإسكان الفاخر والمشروعات الساحلية — مثل طلعت مصطفى وبالم هيلز وأوراسكوم للتنمية — كانت الأكثر استفادة، بينما لم تشهد الشركات الموجهة للطبقة المتوسطة مثل مصر الجديدة ومدينة نصر نفس درجة التفاعل.
وأكد أن القطاع لا يمكن التعامل معه كوحدة واحدة، وأن أداء الشركات الساحلية مرشح للاستمرار خلال المدى القريب.
كما توقع ناشي أن ينعكس النمو المتوقع لقطاع السياحة — مع استهداف 30 مليون سائح بحلول 2030 — على الشركات المرتبطة بالضيافة، وإن كان التأثير سيظهر تدريجيًا.
فهمي: المشروعات الجديدة تعزز الثقة لكن أداء الأسهم مرهون بنتائج الشركات
قال هيثم فهمي، خبير سوق المال، إن صفقات رأس الحكمة وعلم الروم تعكس رؤية مستقبلية لدى المستثمرين بشأن استمرار الطلب القوي على العقار، مشيرًا إلى أن دخول المستثمرين الأجانب يعتمد على معادلة العائد مقابل المخاطرة. واعتبر أن الصفقات الأخيرة تعزز ثقة المستثمرين في السوق المصرية، لكن استفادة الشركات ستختلف وفق قدرتها على تقديم منتجات تتناسب مع القوة الشرائية الفعلية.
وأضاف أن أسعار العقارات في مصر ما تزال من بين الأرخص عالميًا، ما يقلل احتمالات تكوين فقاعة سعرية، خاصة مع استمرار الطلب الخارجي. وشدد على أهمية تحقيق المساواة بين المستثمر المحلي والأجنبي لضمان منافسة عادلة ونمو أكثر استدامة.
وأشار فهمي إلى أن تنويع مصادر التدفقات الأجنبية ضروري لضمان استدامة السيولة، مؤكدًا أن الدولة تركز على القطاعات ذات العائد السريع دون إغفال أهمية التنوع الاقتصادي.
الدجوي: الصناديق العقارية تدعم التدفقات الأجنبية وتحد من مخاطر الفقاعة
وقال علي الدجوي، محلل القطاع العقاري بشركة أسطول، إن الصفقات الأخيرة دعمت بوضوح تحركات المؤشر العقاري، وساهم افتتاح المتحف المصري الكبير في إعادة جذب الأنظار إلى السوق المصرية، خصوصًا شركات التطوير ذات الأنشطة الفندقية الفاخرة.
وأضاف أن التوسع في تأسيس صناديق الاستثمار العقاري يعزز ثقة المستثمرين الأجانب الباحثين عن عوائد مستقرة، موضحًا أن هذا النوع من التمويل يوفر للمطورين تكلفة أقل ويحقق للمستثمرين عوائد تصل إلى 10% سنويًا. كما رأى أن مخاطر حدوث فقاعة في الساحل الشمالي ضعيفة بفضل تنوع قاعدة العملاء والأسعار المنافسية إقليميًا.
وأوضح الدجوي أن ارتفاع الأسعار خلال العام الماضي فرض على السوق مرحلة تصحيح ضرورية لإعادة التوازن بين الأسعار والقدرة الشرائية، بالتزامن مع تراجع التضخم وتوقعات خفض الفائدة.
وأشار إلى دخول أدوات تمويل جديدة أقل تكلفة، أبرزها صناديق الاستثمار العقاري، مستشهدًا بإطلاق صندوق مدينة نصر بعائد تمويلي لا يتجاوز 10%.
وأكد أن السوق تمر بإعادة توازن هيكلية لتحسين كفاءة التسعير والتمويل، وأن تحسن الاحتياطي الأجنبي ودعم استقرار العملة يعززان ثقة المستثمرين العالميين، ما يجعل السوق أكثر جاذبية لاستثمارات طويلة الأجل.
وأوضح يمر القطاع العقاري بمرحلة انتقالية تتداخل فيها الصفقات الكبرى، والاستثمارات الأجنبية، وتصحيح الأسعار، وتطور أدوات التمويل. ورغم تباطؤ بعض المبيعات، تبقى الشركات القيادية هي المحرك الأساسي للزخم، بينما يواصل السوق جذب المستثمرين المحليين والأجانب في رحلة نحو استقرار أكثر واستدامة طويلة المدى.








