تستهدف وزارة النقل المصرية، تنفيذ خطة طموح لتطوير موانئها البحرية، والتحول إلى مركز إقليمى لتجارة الترانزيت والخدمات اللوجستية.
ويُعد المشروع أحد المكونات الرئيسية للممر اللوجستى السخنة ـ الدخيلة، ضمن مشروع إنشاء محور «السخنة – الإسكندرية» للربط بين البحرين الأحمر والمتوسط.
قال الدكتور أحمد الشامى، خبير اقتصاديات النقل البحرى ودراسات الجدوى، إن مشروع تطوير ميناء العين السخنة يمثل إضافة إستراتيجية مهمة، موضحًا أن إنشاء محطة تداول جديدة بالمنطقة تحت إدارة شركة عالمية مثل «هاتشيسون» من شأنه تعزيز حصة مصر من السوق العالمى لتجارة الترانزيت.
أضاف أن وجود محطة حاويات تديرها «هاتشيسون» الصينية وأخرى لموانئ دبى داخل الميناء ذاته، من شأنه رفع مستوى التنافس بين المشغلين، مؤكدًا أن هذه المنافسة تخدم الاقتصاد المصرى عبر تنويع الخدمات وزيادة معدلات النشاط.
وأشار «الشامى» إلى أن ميناء العين السخنة لا يزال بحاجة إلى استكمال أعمال البنية الفوقية بعد الانتهاء من البنية التحتية، معتبرًا أن إنشاء مزيد من الأرصفة بالمواصفات التى أعلنتها وزارة النقل يمثل خطوة مهمة فى مسار التنمية وزيادة حصة مصر من تجارة الترانزيت العالمية.
وأوضح أن وجود ميناءين محوريين مثل العين السخنة وشرق بورسعيد يسهم فى رفع معدلات التداول بالموانئ المصرية ويعزز من تصنيفها عالمياً، متمنيًا أن يحقق ميناء السخنة قفزة فى ترتيبه بعد افتتاح المحطة الجديدة، على غرار ميناء شرق بورسعيد المصنف ضمن أفضل عشرة موانئ عالمياً.
قال «الشامى»، إن التحالف بين الشركات العالمية الكبرى مثل «هاتشيسون» و«كوسكو» و«CMA CGM» فى محطة 1 بالميناء له مزايا وعيوب.
ولفت إلى أن هذه المزايا تكمن فى رفع كفاءة التشغيل وزيادة معدلات الأداء بما ينعكس إيجابيًا على الاقتصاد المصرى، بينما تكمن العيوب فى التأثير على حجم العمالة بنسبة تتراوح بين 15% و20% كحد أقصى.
فعلى سبيل المثال، حال عدم وجود تحالف قد يعمل بالمحطتين 200 عامل (100 بكل شركة)، بينما حال وجود التحالف قد يقل العدد إلى 180 عاملاً فقط.
وأوضح أن التحالفات الجديدة بالميناء ستسهم أيضًا فى الترويج والتسويق له عالمياً؛ نظرًا إلى امتلاك هذه الشركات خبرات واسعة فى مجال التسويق، مؤكدًا أن زيادة عدد التحالفات والمشغلين داخل الميناء ترفع مستوى التنافسية وتحسن جودة الخدمات بما يحقق عوائد مباشرة للاقتصاد المصرى.
«على»: ينبغى ألا يصبح التطوير مجرد توسع لمصلحة الشركات العالمية فقط
ويرى الدكتور محمد على، خبير اللوجستيات، مستشار وزير النقل السابق، مؤسس كلية النقل الدولى واللوجستيات بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحرى، أن تولى الخطوط الملاحية العالمية الكبرى إدارة وتشغيل المحطات الجديدة يمثل خطوة إيجابية للاقتصاد المصرى.
وأشار إلى أن نموذج التحالف القائم فى رصيف (1) بميناء العين السخنة، بين شركات «هاتشيسون» و«كوسكو» و«CMA CGM»، يعد مثالًا بارزًا على ذلك.
وأوضح «على» أن هذه التحالفات تحقق تكاملًا مهمًا، إذ إن الخط الملاحى عندما يدير محطة بعينها يكون أكثر حرصًا على جذب حركة السفن إليها، ما يزيد من حجم التجارة العابرة عبر الميناء، وبهذا يستفيد الخط الملاحى من خلال رفع كفاءته التشغيلية وزيادة حصته السوقية، فيما تستفيد الموانئ المصرية عبر رفع معدلات التداول وتعزيز مكانتها فى السوق العالمى.
وشدد على أن التعاقد مع كبرى الخطوط الملاحية يصب فى مصلحة الاقتصاد الوطنى، ولكن الأهم هو صياغة عقود دقيقة تراعى شروط التعاقد مع هذه الشركات، بما يضمن لمصر الاستفادة القصوى من استثماراتها وخبراتها التشغيلية.
كما أوضح أن العقود ينبغى أن تتضمن التزامًا واضحًا بمعدلات أداء محددة، مع النص صراحة على حق الدولة فى فسخ العقد حال عدم التزام الخط الملاحى بالمستويات المتفق عليها.
كما لفت إلى أهمية مراعاة مدة التعاقد، خاصة أن الحكومة المصرية تكفلت بتمويل إنشاء البنية التحتية للموانئ بمليارات الجنيهات، فى حين تتحمل الخطوط الملاحية تكلفة البنية الفوقية من معدات وتجهيزات تشغيلية فقط.
وتابع «على»: «من الضرورى أن تشتمل العقود على بنود واضحة تحدد الجدوى الاقتصادية العائدة على الدولة، بما فى ذلك آليات احتساب العوائد من الشراكة، وتوقيتات تحقيق الأرباح الفعلية من الاستثمار فى البنية التحتية، لضمان تحقيق أقصى استفادة ممكنة من هذه الاستثمارات الإستراتيجية».
قال خبير اللوجستيات ومستشار وزير النقل السابق، إن الهدف من هذه الضوابط هو تحقيق توازن عادل يضمن استفادة جميع الأطراف، سواء الميناء أو المستثمر الأجنبى، مع الحفاظ فى الوقت نفسه على عوائد الدولة من استثماراتها الضخمة فى تطوير الموانئ.
وأوضح أن جوهر عملية التطوير يجب أن يكون فى صالح الاقتصاد الوطنى ككل، لا أن يتحول إلى توسع يصب فى مصلحة الشركات العالمية فقط دون مردود حقيقى على الدولة.
وأشار إلى أن مدة الامتياز الممنوحة للمستثمرين يجب أن تتناسب مع حجم استثماراتهم، مؤكداً ضرورة تحقيق التوازن بين قيمة الاستثمارات المقدمة ومدة الامتياز الممنوحة.
ويرى «على»، أن المواصفات الفنية للأرصفة فى مشروع تطوير ميناء العين السخنة مناسبة تمامًا لاستقبال الأجيال الجديدة من سفن الحاويات.
فالجيل الأخير من هذه السفن يحتاج إلى أعماق تتراوح بين 17 و18 متراً، وهو ما يتوافق مع الأرصفة الجديدة، بما يتيح استقبال هذا النوع من السفن العملاقة.
وحول أبرز الإجراءات اللازمة لتحقيق خطة الدولة الهادفة لزيادة حصة مصر من تجارة الترانزيت العالمية، قال «على»، إنه من الضرورى تقديم تسهيلات لجميع أنواع السفن سواء السفن الأم أو السفن الروافد، مع رفع كفاءة الأداء لتقليل زمن بقاء السفن على الأرصفة.
وأكد أهمية وضع تعريفة ورسوم معتدلة لجذب الخطوط الملاحية للتعامل مع الموانئ المصرية.
كما طالب بالاعتماد على معدات حديثة تتناسب مع الأجيال الجديدة من السفن وتساعد فى تسريع دورة العمل داخل الميناء.
وشدد على ضرورة دراسة أوضاع الموانئ المنافسة ورسومها قبل اتخاذ أى قرار برفع أو خفض التعريفات، لافتاً إلى أن خط «كوسكو» انسحب سابقًا من ميناء شرق بورسعيد بسبب ارتفاع رسوم التعريفة واتجه إلى ميناء باليونان، وهو ما يبرز أهمية مراجعة الرسوم بصورة دقيقة ومدروسة.
كامل: فرص حقيقية لتفعيل تجارة الروافد مع الأردن والسعودية والصومال وعدن
ويخالفه الرأى الدكتور محمد كامل، الباحث فى شئون النقل الدولى واللوجستيات والمستشار الاقتصادى لشركة «ماهونى» للملاحة، إذ يرى أن معدلات أداء الميناء ستتأثر خلال المرحلة الأولى من التشغيل بتداعيات أزمة البحر الأحمر واضطراب حركة الملاحة وتوقف بعض الخطوط العالمية عن المرور بالمنطقة، غير أنه أشار إلى أن هذا التأثير سيكون مؤقتًا وليس دائماً.
ويرى «كامل»، أن مشروع تطوير ميناء العين السخنة يعد مشروعًا واعداً، خاصة أنه يقع فى قلب منطقة تجارية إستراتيجية تمنحه أفضلية تنافسية بين الموانئ الإقليمية.
أضاف أن الميناء يمتلك فرصًا حقيقية لتفعيل تجارة الروافد بين مصر والدول المحيطة، وفى مقدمتها الأردن والسعودية والصومال وجيبوتى وعدن.. الأمر الذى يعزز مكانته كمحور لوجستى للتجارة البينية والإقليمية.
أوضح «كامل» أن ميناء العين السخنة مؤهل جغرافياً ليكون محطة ترانزيت قوية، فضلًا عن إمكانية تحوله إلى بوابة رئيسية لتجارة مصر الخارجية مع أسواق الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا.
وأشار إلى أن خصائص الميناء تجعله متكاملاً مع ميناء الإسكندرية، حيث تمر التجارة القادمة من الولايات المتحدة وأوروبا عبر الإسكندرية، بينما تتجه التجارة القادمة من الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا وشرق إفريقيا عبر السخنة، الذى يتميز أيضًا بقربه من إقليم القاهرة الكبرى، ما يعزز قدرته على خدمة السوق المحلى بسرعة وكفاءة.
وشدد على أن تطوير الميناء يتطلب غاطساً لا يقل عن 17 متراً ليستوعب السفن العملاقة، مع ضرورة أن تتكامل مواصفات الغاطس مع طول وعرض الأرصفة والظهير الخلفى للميناء، بما يضمن استغلاله بأقصى طاقة تشغيلية.
أضاف «كامل»، أن مشروع تطوير ميناء العين السخنة يتكامل مع ميناء جبل على فى الإمارات ولا يتنافس معه، إذ يسهمان معًا فى تقليص زمن الرحلات البحرية وخفض تكاليف نوالين الشحن، ما ينعكس إيجابًا على تنافسية المنطقة.
وشدد على أن مسألة اختيار المشغل تمثل تحديًا أساسياً، خصوصًا فى حالة الاعتماد على مستثمر أجنبى.. لذلك طالب «كامل» بصياغة العقود بدقة لتعد الضمانة الأساسية لتحقيق مصلحة الاقتصاد المصري، من خلال وضع بنود واضحة توازن بين حقوق الدولة وحقوق المستثمر، وتلزم المشغلين بمعدلات أداء محددة، بما يحفظ عوائد الدولة من استثماراتها الضخمة.
فتحي: مفاوضات فى مراحل متقدمة مع مشغلين عالميين لإدارة الأرصفة
وقال محمد فتحى، معاون وزير النقل للنقل البحرى، إن الوزارة فى المراحل الأخيرة فى المفاوضات الجارية مع مشغلين عالميين متخصصين فى إدارة الموانئ البحرية لإدارة 14 كيلومتراً من الأرصفة بميناء السخنة التابعة للهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس.
وأضاف أنه تم الانتهاء من أعمال البنية التحتية بالكامل والخاصة بمحطة حاويات هاتشيسون من خلال العديد من الشركات المصرية الوطنية ومنها شركة إيديكس، وأبيكس، ورواد للهندسة، والزاهى، ومصر للتشييد وغيرها من الشركات التى تتطلع للعمل مع النقل فى المشروعات القومية.
وشهدت المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، الثلاثاء الماضى، مراسم تسليم 24 وحدة من معدات مناولة الحاويات الحديثة بمحطة شركة البحر الأحمر للحاويات التابعة لمجموعة هاتشيسون للموانئ، فى ميناء السخنة، بعد اكتمال عمليات التصنيع والتوريد من قبل شركة شنغهاى تشنغخوا للصناعات الثقيلة إحدى شركات مجموعة الصين للاتصالات والإنشاءات المحدودة.
وتشمل المعدات المسلّمة 6 روافع للسفن إلى الشاطئ (STS)، و18 رافعة مطاطية بإطارات (RTG) آلية الحركة، وتتميز بتقنيات متقدمة لتعزيز الكفاءة التشغيلية والسلامة، وتشمل أنظمة لتحديد مواقع الشاحنات وأجهزة مسح لملفات السفن، إلى جانب اعتمادها على حلول طاقة هجينة صديقة للبيئة.
وأشار إلى أنه من المقرر أن يبدأ المشغل العالمى هاتشيسون تشغيل المحطة بشكل نهائى ورسمى نهاية العام الحالى.
وأوضح أن المحطة ستعمل من خلال 24 ونش رصيف عملاقاً وأتوماتيكياً، إذ وصل حتى الآن 3 أوناش رصيف عملاقة و12 ونش ساحة أوتوماتيكياً ضمن الأعمال التى تجرى بأعمال البنية الفوقية لمحطة الحاويات بميناء السخنة.
«خليل»: 129 مليار جنيه لتطوير الموانئ البحرية بتمويل مصرى خالص
وقال اللواء محمد خليل، مدير المشروع، إن وزارة النقل أولت اهتماماً كبيراً بتطوير الموانئ البحرية بتكلفة 129 مليار جنيه، وعلى رأسها ميناء السخنة الذى يقع على مساحة 29 كم، ويتضمن إنشاء 5 أحواض جديدة و18 كيلومتراً من الأرصفة وساحات تداول على مساحة 9 ملايين متر.
أضاف «خليل» أن تكلفة تطوير تلك الموانئ من الجهود الذاتية للإدارة المصرية بتمويل مصرى، بينما قررت وزارة النقل إسناد إدارة وتشغيل تلك المحطات والأرصفة والموانئ للشركات العالمية لما تكتسبه من خبرات عالمية وتحقيق العديد من الأرباح.
وأوضح أن «النقل» تهدف من تطوير ميناء السخنة، جذب أكبر عدد ممكن من السفن العالمية على الموانئ المصرية ومضاعفة طاقة تشغيل الموانئ والتوسع فى تجارة الترانزيت وصولاً إلى تحويل مصر إلى مركز إقليمى للنقل واللوجستيات وتجارة الترانزيت.
