عاد السوق المصرى إلى واجهة صفقات الدمج والاستحواذ، خلال النصف الأول من العام الجارى، بعد فترة من الهدوء النسبى امتدت لأكثر من عامين، لتسجل واحدة من أعلى نسب النمو فى المنطقة، مدفوعة بعودة شهية المستثمرين الإقليميين، وتوسع الصناديق السيادية فى اقتناص الأصول التشغيلية فى السوق المحلى.
وبحسب تقرير «2025 TransAct Middle East – Mid-year Update» الصادر عن شركة برايس ووتر هاوس الشرق الأوسط، سجلت مصر تنفيذ 86 صفقة دمج واستحواذ فى النصف الأول من 2025، مقابل 48 صفقة خلال الفترة نفسها من 2024، بما يعادل نمواً يقارب 79%، لتحتل موقعاً متقدماً ضمن الأسواق الأكثر نشاطاً على مستوى المنطقة.
وأشار التقرير إلى أن مصر جاءت ضمن المراكز الثلاثة الأولى فى نشاط الصفقات إلى جانب السعودية والإمارات، مستحوذة معهما على نحو 89% من إجمالى الصفقات المنفذة فى الشرق الأوسط خلال الفترة محل الدراسة.
ويعد هذا التطور مؤشراً واضحاً على عودة الثقة فى السوق المصرى، بعد سلسلة من الإجراءات الاقتصادية والتنظيمية التى أعادت ضبط قواعد الاستثمار، وأطلقت مساراً عملياً لإعادة هيكلة عدد من القطاعات الإنتاجية والخدمية.
وأوضح التقرير أن النشاط الأكبر فى السوق المصرى تركز فى قطاعات التصنيع الصناعى والخدمات المالية والأسواق الاستهلاكية، والتى ترتبط بالطلب المحلى الحقيقى، وتشكل عناصر جذب للمستثمرين الباحثين عن أصول قادرة على توليد تدفقات نقدية مستقرة، بعيداً عن الاستثمارات طويلة الأجل.
وقد عكس هذا التوجه إعادة توجيه بوصلة المستثمرين نحو القطاعات الأكثر قدرة على النمو، فى ظل التحديات التى تواجه الاقتصاد العالمى، وتراجع الإقبال على الصفقات عالية المخاطر.
وعلى المستوى الإقليمى، سجلت 271 صفقة دمج واستحواذ فى الشرق الأوسط، خلال النصف الأول من 2025، مقارنة بنحو 228 صفقة خلال الفترة نفسها من 2024، بنمو يقارب 19%، بينما تراجع عدد الصفقات عالمياً بنحو 9%.
ورغم تباطؤ الأسواق الدولية نتيجة ارتفاع تكلفة التمويل، وتشديد السياسات النقدية، حافظت المنطقة على وتيرة متصاعدة من النشاط، مستفيدة من متانة الموازنات الحكومية، وتوسع رؤوس الأموال السيادية فى تنفيذ الصفقات، سواء منفردة أو عبر تحالفات مع مستثمرين إستراتيجيين.
وأشار التقرير إلى أن جزءاً من الزخم الحالى يعود إلى اتساع قاعدة الصفقات المتوسطة الحجم، التى أصبحت خياراً رئيسياً للمستثمرين لما تتمتع به من مرونة وسرعة فى التنفيذ مقارنة بالصفقات الكبرى، فضلاً عن انخفاض مخاطرها وقدرتها على تحقيق أهداف تشغيلية واستثمارية واضحة فى مدد زمنية أقصر.
كما سلط التقرير الضوء على دور التعديلات التنظيمية الأخيرة فى بعض دول المنطقة، وفى مقدمتها الإمارات، التى أدخلت نظاماً جديداً لمراقبة عمليات الدمج والاستحواذ منذ مارس 2025، ما أسهم فى تبسيط الإجراءات وتقليل المخاطر القانونية، ورفع ثقة المستثمرين بجدوى الدخول إلى الأسواق الإقليمية دون القلق من طول فترات الفحص والموافقات.
وفيما يتعلق بالسوق المصرى، رأى التقرير أن التفوق فى نشاط الصفقات لم يأتِ بمعزل عن الإصلاحات الاقتصادية، التى بدأت تؤتى ثمارها فى إعادة هيكلة عدد من القطاعات، وإتاحة فرص أكبر أمام القطاع الخاص لتنفيذ توسعات إستراتيجية، بالتوازى مع عودة المستثمرين الإقليميين للبحث عن فرص استحواذ جاذبة فى قطاعات محورية ضمن الاقتصاد المحلى.
وأضاف التقرير، أن مصر تمتلك ميزات تنافسية مهمة، يأتى على رأسها حجم السوق، وقدرته الاستهلاكية، ما يمنح الصفقات المنفذة قاعدة تشغيلية واسعة قادرة على تعويض مخاطر التمويل وتقلبات العملة.
وأشار التقرير إلى استمرار بعض التحديات، أبرزها ارتفاع تكلفة التمويل، وعدم توافر بيانات تفصيلية حول قيمة عدد كبير من الصفقات، ما يجعل قياس أثرها المباشر على الناتج والوظائف عملية تحتاج إلى وقت.
كما أكد أن استكمال الإصلاحات الهيكلية المتعلقة بتحسين مناخ الأعمال وتبسيط إجراءات الدخول والخروج إلى السوق سيكون عاملاً حاسماً للحفاظ على الزخم خلال الفترة المقبلة.
وتوقع التقرير استمرار نشاط الصفقات فى النصف الثانى من العام، مدفوعاً بزيادة الإقبال على القطاعات المرتبطة بالتكنولوجيا المالية والبنية التحتية الرقمية والرعاية الصحية والتعليم، والتى تشهد تنافساً متزايداً بين رؤوس الأموال السيادية والشركات الإقليمية الطامحة لتوسيع نطاق أعمالها داخل مصر.








