فيما تتجه أوروبا إلى التخلي عن الغاز الروسي إلى الأبد، تسعى بولندا إلى التحول إلى النقطة الرئيسية لدخول شحنات الغاز المُسال العالمية إلى وسط وشرق أوروبا، في تحول قد يغير معالم مسار تدفقات الوقود إلى المنطقة، ويوفر للدول المجاورة بدائل أكثر استقراراً للواردات المنقولة عبر خطوط الأنابيب.
تعمل بولندا على الاستفادة من الزخم الذي اكتسبته بعد وقف “غازبروم” للإمدادات في 2022، عندما مكنها تنويع مصادر الإمدادات مبكراً من الاستعداد بشكل أفضل مقارنةً بالعديد من نظيراتها، ومع اعتزام أوروبا التخلي عن تدفقات الغاز الروسي تماماً في 2027، تدرس وارسو حالياً إنشاء بنية تحتية جديدة للغاز المُسال لتحول نفسها من دولة استثنائية في الاكتفاء الذاتي، إلى بوابة إقليمية.
وستحسم “غاز سيستم” (Gaz-System)، مُشغلة شبكة خطوط الأنابيب في بولندا، قرار تشييد محطة عائمة أخرى لاستيراد الغاز المُسال على بحر البلطيق خلال النصف الأول من العام المقبل، بحسب ما صرّح به المدير التنفيذي للشركة، سوافومير هينك في مقابلة في الآونة الأخيرة، مشيراً إلى “التزايد الملموس في الاهتمام بالغاز المُسال، سواء في بولندا أو دول أخرى في المنطقة”.
بولندا تسعى لجذب مشتري الغاز
تشغّل الدولة الواقعة في شرق أوروبا محطة بسعة 8.3 مليار متر مكعب في مدينة شفينوأويتشه الساحلية على بحر البلطيق، كما تشيد محطة عائمة بسعة 6.1 مليار متر مكعب، يُتوقع أن تكون جاهزة للتشغيل في 2028. وقد حجزت “أورلين” (Orlen)، شركة النفط والغاز التي تسيطر عليها الحكومة المحطتين بالكامل، بينما يهدف تشييد المحطة الأخرى، وهو أمر قيد الدراسة، إلى جذب المشترين من داخل البلاد أو خارجها.
رغم أن كرواتيا، واليونان، وليتوانيا بدأت ترسخ مكانتها في سوق الغاز المُسال في المنطقة، فإن موقع بولندا المركزي في شبكة نقل الغاز في أوروبا من شأنه أن يربط بين العديد من المسارات الرئيسية للإمدادات؛ فعلى سبيل المثال، سيُتيح تخزين تدفقات الوقود المستوردة من الولايات المتحدة في مواقع تخزين ضخمة تحت الأرض في أوكرانيا، أو وصوله إلى الدول الحبيسة المجاورة، مثل جمهورية التشيك، أو سلوفاكيا، أو المجر.
قال ميخايلو سيفشتشو، المحلل لدى “إكس برو كونسلتينغ” (ExPro Consulting) في كييف: “لدى بولندا عدد من المزايا الأساسية، وأهمها هو الوصول إلى البحر”، و”اعتمدت كل دول المنطقة تقريباً لعقود على الغاز الروسي المنقول عبر الأنابيب، وبذلت جهوداً محدودة لتنويع مصادر الإمدادات. في المقابل، واصلت بولندا تطوير بنيتها التحتية، وباتت في وضع أكثر قوة بفضل هذه البداية المبكرة”.
بديل لتدفقات الغاز الروسي
تنقل البلد الغاز المُسال الأميركي إلى أوكرانيا بالفعل، وأبدت “أورلين” استعدادها لزيادة حجم التدفقات المنقولة إلى أكثر من مليار متر مكعب في العام المقبل، مقابل 600 مليون متر مكعب في 2025. كما تستورد أوكرانيا الغاز المُسال عبر ليتوانيا، مع عبور الوقود الأراضي البولندية، وهو مسار أطول وأعلى كلفة يمكن تسهيله حال توافر سعة استيراد إضافية في مكان أقرب جغرافياً.
كما أن هناك محادثات جارية مع سلوفاكيا، التي تبحث عن بدائل للغاز الروسي.
وفي دراسة للجدوى الشهر الماضي، أشارت “غاز سيستم” إلى أنها سجلت طلباً من 14 كياناً لاستخدام المحطة الجديدة المحتمل تشييدها، مع تجاوز ذروة الطلب للطاقة الاستيعابية المقررة بنحو أربعة أضعاف. كما أظهرت الدراسة إمكانية تصدير نحو نصف الغاز، وأنه يجب بدء تشغيل المحطة في 2029 أو 2030 لتلبية الطلب.
كذلك، تجري “غاز سيستم” حالياً محادثات مع مستخدمين محتملين لوضع صيغة تعزز جاذبية محطة الاستيراد.
معوقات أمام طموح بولندا
قد يمثل ذلك خطوة حاسمة في تحقيق طموحات بولندا في مجال الغاز المُسال، حيث يرى مات درينكووتر، مدير قسم الغاز الأوروبي في “إنرجي أسبكتس” (Energy Aspects)، أنه بينما يُعد تحول بولندا إلى جزء رئيسي من مسار عبور الغاز في أوروبا أمراً يدعم أمن الطاقة في البلد، فإن الأمر ينطوي على منافع أقل للتجار في الفترة الحالية.
وأضاف: “التعامل في السوق البولندية شاق”، مشيراً إلى طول الفترات اللازمة للتسجيل، واللوائح الصارمة لضمان استمرار الإمدادات. واختتم بقوله: “يجب إجراء الكثير من العمل على الجانب التنظيمي لتصبح بولندا مركز جذب للتجار”.







