خفض مجلس الاحتياطى الفيدرالى الأمريكي أسعار الفائدة مجدداً، ليعيد فتح النقاش حول تأثير ذلك على الاقتصادات الناشئة، وعلى رأسها مصر.
قال خبراء فى حديثهم لـ “البورصة” إن هذا القرار فرصة لدعم الجنيه المصري وخفض تكلفة الاقتراض الخارجي، لكن الاستفادة الكاملة مشروطة بسرعة تنفيذ الإصلاحات الهيكلية المحلية واستقرار سوق الصرف وقدرة الدولة على إدارة الدين بكفاءة.
وأعلن مجلس الاحتياطى الفيدرالى الأميركى، قبل أيام، خفض أسعار الفائدة بواقع 25 نقطة أساس، في ثالث خفض متتالٍ خلال عام 2025.
واستجابةً لتوقعات “خفض متشدد”، خفضت لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية التابعة للبنك المركزي سعر الفائدة الرئيسي على الاقتراض لليلة واحدة بمقدار ربع نقطة مئوية، ليصبح ضمن نطاق 3.5% إلى 3.75%.
أبو الفتوح: خفض الفيدرالي فرصة لدعم الجنيه وتخفيف أعباء الدين
قال هانى أبو الفتوح، الخبير المصرفى، إن خفض الفيدرالى للفائدة ثلاث مرات متتالية يمنح مصر فرصة حقيقية لتخفيف أعباء الدين وتحسين التنافسية، مشيراً إلى أن تحويل هذه الفرصة إلى تدفقات استثمارية مستدامة يتطلب إصلاحات هيكلية عاجلة تتجاوز الاعتماد فقط على ضعف الدولار.
وأضاف لـ «البورصة» أن قرار الفيدرالى بخفض الفائدة للمرة الثالثة إلى نطاق يتراوح بين 3.5% و3.75% جاء استجابة لتباطؤ سوق العمل الأمريكي، ومن المتوقع أن يكون له انعكاسات إيجابية على الاقتصادات الناشئة، وفى مقدمتها مصر، وإن كانت هذه الانعكاسات مشروطة بعوامل داخلية.
وأوضح أن خفض الفائدة الأمريكية يؤدي إلى تراجع العائد على الدولار، بما يقلل من جاذبيته كملاذ استثماري آمن، وهو ما ينعكس على انخفاض قيمته عالمياً، ما يمثل دعماً مهماً للجنيه المصري.
وأشار إلى أن تداول سعر الصرف عند مستويات أقل من 47.50 جنيه للدولار في بعض البنوك يترجم إلى تخفيف مباشر في أعباء خدمة الدين الخارجى، خاصة مع كون جزء كبير منه مقوماً بالدولار، ما يقلل فعلياً تكلفة السداد بالعملة المحلية ويفتح المجال لإعادة هيكلة الدين عبر إصدارات أقل تكلفة.
وأكد أبو الفتوح أن تراجع الدولار، رغم أهميته، لا يعد عاملاً كافياً بمفرده لدعم الجنيه على المدى المتوسط، موضحاً أن خفض الفيدرالى يعزز شهية المخاطرة عالمياً، لكنه لا يضمن تدفقات قوية للأموال الساخنة إلى السوق المصرية، حيث يركز المستثمر الأجنبي بالأساس على العائد الحقيقي.
وأشار إلى أن نتائج مزادات أذون الخزانة في 11 ديسمبر 2025 أظهرت متوسط عائد مرجح بلغ نحو 25.4% لأجل عام، و26.3% لأجل 182 يوماً، وهي مستويات مرتفعة اسمياً، إلا أن استمرار معدلات التضخم المرتفعة قد يحد من جاذبية العائد الحقيقي ويدفع المستثمرين للمقارنة مع بدائل أقل تعقيداً أو أكثر استقراراً.
وأوضح أن التحسن الحالي في سوق الصرف يعد سريعاً ومؤقتاً بطبيعته، إذ يظل مرتبطاً بشكل وثيق بالإجراءات المحلية، مشدداً على أن استدامة قوة الجنيه تتطلب تسريع الإصلاحات الهيكلية، وعلى رأسها تحسين مناخ الأعمال، وتعزيز دور القطاع الخاص عبر برامج التخارج الحكومي، إلى جانب تطوير البنية التحتية.
وأكد أن البنك المركزي المصري يمكنه لعب دور محوري في توجيه السيولة الأجنبية عبر تطوير سوق الدين المحلي، وطرح أدوات استثمارية مقومة بالجنيه، لافتاً إلى أن الانقسام اللافت في اجتماع الفيدرالى الأخير، بوجود ثلاثة معارضين، يعكس توجهًا نحو خفض متشدد ويزيد من ضبابية التوقعات للاقتصاد الأمريكي خلال 2026.
وقال أبو الفتوح: «خفض الفيدرالى يمثل فرصة ذهبية لدعم الجنيه المصري وتقليص تكاليف الاقتراض، إلا أن الاستفادة الكاملة منها تتطلب المضي قدماً في معالجة التحديات الهيكلية الداخلية، مع توظيف مرن للسياسة النقدية يحقق التوازن بين جذب الاستثمارات الأجنبية والحد من الضغوط التضخمية، لضمان أن يكون التحسن طويل الأجل ومستداماً».
نجلة: إمكانية إعادة تمويل الدين الخارجي مرتبطة بالإصلاحات الداخلية
قال محمود نجلة، المدير التنفيذي لأسواق النقد والدخل الثابت بشركة الأهلي لإدارة الاستثمارات، إن خفض الفيدرالى قد ينعكس إيجابياً على نظرة الجهات الدولية لمصر بصورة غير مباشرة، من خلال تخفيف الضغوط التمويلية، خاصة مع ارتفاع حجم الدين الخارجي.
وأضاف لـ «البورصة» أن الفترات الماضية اتسمت بصعوبة شديدة في الوصول إلى أسواق الدين الدولية نتيجة الارتفاع غير المسبوق في أسعار الفائدة، بينما المرحلة الحالية قد توفر مساحة أوسع للتحرك، بشرط إدارة الملف التمويلي بكفاءة.
ونوه أن مصر باعتبارها من الدول ذات المديونية الخارجية المرتفعة، تستفيد من أي تراجع في أسعار الفائدة العالمية، إذ يتيح ذلك إعادة تمويل الديون القائمة أو طرح إصدارات جديدة من السندات الدولية بتكلفة أقل، بعد أن كانت الفوائد المرتفعة تمثل عبئاً على قدرة الدولة على الاقتراض.
وأشار إلى أن تراجع الدولار لا يعنى بالضرورة تدفق أموال أجنبية للاستثمار في أدوات الدين المحلية المقومة بالجنيه، موضحاً أن المؤسسات المالية العالمية تخصص استثماراتها وفق نسب محددة بين الأسواق المتقدمة والناشئة، ولا تعيد توجيه الأموال تلقائياً من الدولار إلى الأسواق الناشئة مثل مصر.
وأكد أن خفض الفائدة الأمريكية قد يؤدي إلى تحركات للأموال داخل نطاق الدول المتقدمة، من خلال استراتيجيات تنقل الاستثمارات بين الدولار وعملات كبرى أخرى مثل الين الياباني أو الجنيه الإسترليني، بينما لا يحدث انتقال مباشر للأموال من الولايات المتحدة إلى الأسواق الناشئة.
وأشار إلى أن تحركات رؤوس الأموال داخل الأسواق الناشئة تكون عادة بين دول ذات خلفيات مخاطر متقاربة، مثل مصر وتركيا أو جنوب أفريقيا والبرازيل، وليس نتيجة مباشرة لقرارات السياسة النقدية الأمريكية.
وشدد نجلة على عدم وجود علاقة مباشرة بين خفض الفائدة وتدفقات الأموال الساخنة، موضحاً أن الاستثمار في أدوات الدين المحلية بالجنيه يعتمد على عوامل أخرى، أبرزها استقرار سعر الصرف، والعائد الحقيقي، والظروف الاقتصادية المحلية، وليس فقط على مسار الفائدة في الولايات المتحدة.
وأوضح أن ضعف الدولار الناتج عن خفض الفيدرالى الأمريكي قد ينعكس إيجابياً على الاقتصاد المصري، لكن بشكل غير مباشر، حيث يتمثل التأثير الأساسي في تراجع تكلفة الاقتراض الخارجي وسهولة الوصول إلى أسواق الدين الدولية.
زهير: ضعف الدولار عالمياً يخفف الضغوط التمويلية لكن التأثير على الجنيه غير مباشر
قالت آية زهير، رئيس قسم البحوث بشركة زيلا كابيتال، إن خفض الفيدرالى لسعر الفائدة سيكون تأثيره عادة غير مباشر، إذ قد يقلص قوة الدولار عالمياً ويحسن شهية المستثمرين تجاه الأسواق الناشئة، إلا أن انعكاسه على السوق المصرية يظل مرهونا بحجم الاحتياجات التمويلية، ومسار التضخم المحلي، وتوقيتات استحقاقات الدين، وتدفقات العملة الأجنبية.
وأضافت أن ضعف الدولار على المستوى العالمي قد يسهم في تخفيف جزء من الضغوط على العملات بوجه عام، كما يدعم شهية المخاطرة في الأسواق الناشئة، إلا أن انعكاس ذلك على الجنيه المصري لا يتم بصورة مباشرة.
وأوضحت أن الأثر الفعلي لتراجع الدولار يمر عبر قنوات عدة، من بينها تدفقات الاستثمار الأجنبي، وتكلفة التمويل الخارجي، ومدى تحسن السيولة الدولارية داخل الاقتصاد، مؤكدة أن هذه العوامل هي المحدد الرئيس لأي تحسن مستدام في سوق الصرف.
وشددت على أن الأثر النهائي يعتمد على هيكل الدين نفسه، خاصة نسبة الفائدة المتغيرة إلى الثابتة، وآجال الاستحقاق، وقدرة الدولة على إعادة التمويل بشروط أفضل.
وأكدت أن المستثمرين لا ينظرون إلى خفض الفيدرالى كعامل منفرد، بل كـ«رياح مواتية» تدعم المشهد إذا كانت العوامل المحلية مواتية، وأن خفض الفيدرالى يمثل فرصة لإعادة ترتيب ملف الدين الخارجي، عبر تحسين شروط التمويل، وإطالة آجال الاستحقاق، وتخفيف الضغوط قصيرة الأجل، مع ضرورة وجود استراتيجية واضحة لإدارة الدين واستغلال التوقيت المناسب.








