حذرت هالة السعيد، مستشار رئيس الجمهورية للشئون الاقتصادية، من أن تكلفة خدمة الدين باتت تزاحم الإنفاق التنموي بشكل غير مسبوق، إذ أصبحت التدفقات المالية الصافية إلى الدول النامية سالبة.
ولفتت خلال مشاركتها في أعمال منتدى البركة للاقتصاد الإسلامي، إلى أن تقارير دولية من بينها تقارير «الأونكتاد» والبنك الدولي، كشفت عن وصول الدين العام العالمي إلى مستويات قياسية تجاوزت 315 تريليون دولار، منها نحو 29 تريليون دولار ديونًا على الدول النامية.
أوضحت السعيد، أن الدول العربية تواجه تحديات تنموية وضغوطًا إضافية، إذ بلغت المديونية الخارجية نحو تريليون دولار، وفق بيانات «الإسكوا»، نتيجة توسع الحكومات في الاقتراض لمواجهة تراجع الإيرادات وارتفاع تكاليف الواردات، واضطراب السياحة والنقل البحري، إلى جانب تباطؤ الصادرات.
وأكدت أن التعامل مع هذه التحديات المركبة يتطلب إعادة النظر في نماذج التنمية وقنوات التمويل، مشددة على أهمية تحسين بيئة الاستثمار ورفع كفاءة الاقتصاد، وتعبئة الموارد المحلية، وتحديث النظم الضريبية، ودمج الاقتصاد غير الرسمي، باعتبارها أدوات أساسية لتقليل الاعتماد على التمويل الخارجي.
كما شددت على أن الأزمة كشفت محدودية نماذج التمويل التقليدية، ما يستدعي تنويع مصادر التمويل، وتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص، وتطوير أطر الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وهو النهج الذي تتبناه الدولة المصرية من خلال وثيقة سياسة ملكية الدولة، وتعديل القوانين المنظمة لمشروعات البنية الأساسية، وإنشاء صندوق مصر السيادي.
وأبرزت السعيد أهمية التمويل الأخلاقي والتمويل الأخضر كمدخل رئيسي لتحقيق التنمية المستدامة، لافتة إلى أن مصر كانت سباقة في إصدار أدوات تمويل خضراء ومستدامة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بما يدعم التحول نحو الاقتصاد الأخضر ومواجهة آثار التغير المناخي.
كما أكدت أن التمويل الإسلامي يمثل أحد الحلول الفعالة لمعالجة أزمات الديون، لما يتمتع به من ربط وثيق بين التمويل والنشاط الاقتصادي الحقيقي، بما يعزز الاستقرار المالي ويحد من الاختلالات بين القطاعين المالي والحقيقي.
قالت مستشار رئيس الجمهورية، إن المرحلة الراهنة تتطلب إصلاحات هيكلية ومؤسسية عميقة، وتعزيز الحوكمة والشفافية، والتعاون الإقليمي والدولي، والتحول من «الديون من أجل الاستهلاك» إلى «الاستثمار من أجل الإنتاج والتشغيل والتصدير»، لبناء نظام تمويلي أكثر عدالة واستدامة، يضع الإنسان والتنمية في قلب السياسات الاقتصادية.
وأشارت إلى أن أزمة المديونية العالمية لم تعد أزمة مالية فنية، بل تحولت إلى قضية تنموية شاملة تمس قدرة الدول على تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وتوفير الخدمات الأساسية لمواطنيها.
أوضحت السعيد، أن تراجع المدخرات المحلية، واتساع فجوة التمويل، دفع العديد من الدول إلى الاعتماد المتزايد على الاستدانة كمصدر رئيسي لتمويل برامج التنمية، في ظل تراجع دور الدول المتقدمة والمانحة.
ولفتت إلى أن العالم شهد خلال السنوات الأخيرة سلسلة من الأزمات المتداخلة، بدأت بجائحة كوفيد-19، مرورًا بالأزمات الجيوسياسية، وارتفاع معدلات التضخم، وزيادة أسعار الطاقة والغذاء، وصولًا إلى تداعيات التغير المناخي، وهو ما أدى إلى تآكل الحيز المالي للدول، سواء المتقدمة أو متوسطة ومنخفضة الدخل، وتفاقم أعباء الديون، وتراجع الإنفاق على قطاعات حيوية مثل التعليم والصحة والبنية التحتية.
أشارت مستشار رئيس الجمهورية، إلى أن فجوة التمويل السنوية للدول النامية تتراوح حاليًا بين 2.5 و4 تريليونات دولار، مقارنة بمستويات مرتفعة بالفعل قبل عام 2020، لكنها اتسعت بفعل الصدمات الخارجية المتلاحقة، إضافة إلى تشديد السياسات النقدية العالمية وارتفاع أسعار الفائدة، ما أدى إلى خروج رؤوس الأموال من الأسواق الناشئة، وزيادة تكلفة التمويل وخدمة الدين.








