هل يعيد «البيلت» تشكيل خريطة صناعة الحديد في مصر؟

تتحرك الحكومة منذ بداية العام الجاري لإعادة تنظيم صناعة البيلت عبر التوسع في طرح رخص إنتاج جديدة، بالتوازي مع فرض رسوم حمائية مؤقتة لمكافحة الإغراق، في محاولة لسد فجوة المعروض وتقليص الاعتماد على الاستيراد ودعم استقرار السوق المحلي.

ورغم أهمية هذه الإجراءات في دعم التصنيع المحلي وتعميق سلاسل القيمة المضافة، فإنها تفتح في الوقت نفسه نقاشًا أوسع حول توازن السوق وآليات التسعير، وقدرة مصانع الدرفلة على الاستمرار خلال الفترة الانتقالية، لحين دخول الطاقات الإنتاجية الجديدة حيز التشغيل الفعلي.

وفرضت وزارة الاستثمار والتجارة الخارجية مؤخرًا، رسومًا وقائية مؤقتة بنسبة 16.2% على واردات البيلت من جميع دول العالم لمدة 200 يوم، بهدف ضبط السوق وحماية الصناعة المحلية.

وقال مسئولون، إن حزمة الإجراءات التي اتخذتها الدولة تخلق بيئة مواتية لتوسع الشركات في الإنتاج المحلي، بما يضمن توافر الخامات الأساسية، ويعزز قدرة المصانع على التخطيط طويل الأجل وتلبية احتياجات الأسواق الإقليمية.

العشري: تراخيص جديدة بطاقة إنتاجية ضخمة تعيد تصحيح مسار السوق في 2026

وقال أيمن العشري، رئيس مجموعة العشري للحديد والصلب، إن الحكومة أرسلت لجانًا في جميع مصانع الحديد حاليًا لتسجيل أوضاعها فيما يتعلق بالبيلت، وذلك بهدف الانتقال إلى الخطوات الأخرى في خطتها لحل أزمة البيلت للمصانع وعودة مسار القطاع إلى وضعه الصحيح.

وأضاف لـ «البورصة»، أن الحكومة بدأت في إصدار تراخيص بشكل أكبر للمصانع خلال الفترة الحالية، وهو ما سيتيح للمصانع الفرصة للبدء في إنشاء المصانع لتوفير المنتج بشكل أكبر.

وأوضح أن شركته بجانب شركة عتاقة للصلب حصلت على أكبر رخصتين، بطاقة إنتاجية تبلغ 1.5 مليون طن ومليون طن على التوالي، بقيمة إجمالية بلغت 2.8 مليار جنيه.

وحصلت ثماني شركات مصرية على تراخيص جديدة لإنتاج البليت، في إطار خطة حكومية لتعزيز التصنيع المحلي وتقليل الواردات، بحسب الاتحاد العربي للحديد والصلب.

وتغطي التراخيص طاقات إنتاجية تتراوح بين 200 ألف طن و1.5 مليون طن، ومن المتوقع أن يصل إجمالي الطاقة الإنتاجية الإضافية إلى 3.7 مليون طن.

حنفي: الدولة تمهّد لزيادة إنتاج البيلت وتعميق سلاسل القيمة المضافة

قال محمد حنفي، المدير التنفيذي لغرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات، إن الدولة تهيئ الشركات لزياد إنتاج البليت، وذلك في إطار خطتها لتعزيز التصنيع المحلي وتقليل الاعتماد على الاستيراد، بما يحقق الاكتفاء الذاتي للسوق.

وأضاف لـ «البورصة»، أن زيادة إنتاج البليت ستتيح للشركات المحلية تصنيع منتجات طولية متنوعة، مثل قضبان الحديد والزوايا والكمرات وأجزاء السكك الحديدية.

وأشار إلى أن الأثر الإيجابي لتوسيع الإنتاج يتمثل في تعميق التصنيع المحلي وتمكين المصانع من الحصول على البيلت محليًا بدلًا من استيراده، بينما الجانب السلبي يكمن في احتمال تجاوز كمية البليت المتاحة حجم الطلب على المنتجات النهائية، ما يستلزم فتح أسواق تصديرية جديدة للاستفادة من فائض الإنتاج.

لفت إلى أن عدد مصانع البيلت الحالية في مصر يتراوح بين 5-6 مصانع، كما أن هذه الخطوة ستضمن اكتفاء المصانع بالمواد الخام محليًا لتصنيع منتجاتها المختلفة مثل القضبان والكمرات والزوايا والخوص، بالإضافة إلى المنتجات الثقيلة المستخدمة في المنشآت المعدنية المختلفة، بما في ذلك أجزاء السكك الحديدية والفلنكات الكبيرة.

السيد: “عنتر للصلب” تستهدف إنتاج ألف طن بيلت يوميًا في العام المقبل لتغطية احتياجاتها

وقال حسام السيد، مدير مبيعات وتسويق ومشتريات البيلت في مصنع عنتر للصلب، إن توسع الدولة في طرح رخص إنتاج البيليت خلال 2025 كان خطوة إيجابية لتعميق التصنيع المحلي وتقليل الاعتماد على الاستيراد، مؤكدًا أن مصانع الحديد العاملة تتراجع حاليًا عن استيراد بليت بعد تطبيق الرسوم الوقائية.

وأضاف لـ «البورصة»، أن السوق المصري يمر حاليًا بمرحلة ركود حادة، بسبب تباطؤ حركة البناء على جميع مصانع البليت والحديد، ما أدى إلى بيع المنتج بأسعار أقل من التكلفة الفعلية بسبب ارتفاع أسعار الخردة.

وأشار إلى أن شركة عنتر تخطط إلى تغطية احتياجاتها بالكامل من البليت، بهدف إنتاج البليت وتحويله مباشرة إلى حديد تسليح لتلبية الطلب المحلي ومواكبة المصانع المتكاملة.

وأوضح أن مصنعه يسعى للوصول إلى إنتاج ألف طن بليت يوميًا العام المقبل، مع إنتاج شهري من حديد التسليح يتراوح بين 18 و20 ألف طن، مؤكدًا أن أي توسع إضافي في الطاقة الإنتاجية مرتبط بوفرة المواد الخام.

وذكر أن المصنع حصل على رخصة بطاقة 250 ألف طن بليت سنويًا، ويعمل حاليًا على إنشاء مصنع جديد في مدينة السادات لتغطية احتياجاته وتعزيز قدرته التنافسية في السوق المحلي.

وأشار إلى أن زيادة إنتاج البليت ستساهم بشكل كبير في خفض تكلفة المواد الخام، ما سينعكس إيجابيًا على أسعار المنتجات النهائية للصناعات التحويلية مثل القضبان والكمرات والزوايا، مقارنة بالمنتجات المستوردة.

وأكد أن توسع الإنتاج المحلي للبليت سيحد من الاستيراد بالكامل، ويتيح للشركات المحلية تحسين تنافسيتها، مع الاحتفاظ بإمكانية التصدير عند توافر الفائض، بما يخدم أهداف الدولة في تعميق التصنيع المحلي وتقليل الاعتماد على الواردات.

فرحات: رسوم مكافحة الإغراق تدفع مصانع الدرفلة للاعتماد على الخام المحلي

وقال حسام فرحات، العضو المنتدب لشركة ميدي ستيل للصناعات الحديدية، إن المصنع يعتمد بنسبة 100% على البيلت المحلي كخام أساسي للإنتاج، مؤكدًا أن أي نقص في يؤثر مباشرة على الطاقة الإنتاجية للمصانع.

وأضاف لـ «البورصة»، أن مصانع الدرفلة المحلية تتراجع تدريجيًا عن استيراد البيلت حاليًا بسبب تطبيق رسوم مكافحة الإغراق على الواردات لمدة 200 يوم، مشيرًا إلى أن توفر الرخص لإنتاج البيلت محليًا يعد عاملًا أساسيًا لتقليل الاعتماد على الاستيراد.

وأوضح أن توسع الدولة في طرح رخص إنتاج البيلت قد يسهم في توفير المادة الخام، لكنه أشار إلى أن ليست كل الرخص مستخدمة، وبالتالي ليست كل الطاقة المطلوبة متاحة.

وأكد أن العلاقة بين منتجي البيلت ومصانع الدرفلة لا تخضع لتنظيم رسمي، وإنما تحكمها مصالح تجارية متبادلة، حيث يسعى منتجو البيلت لتحقيق أرباح، فيما تبحث مصانع الدرفلة عن أسعار تنافسية لتتمكن من الاستمرار في الإنتاج.

وأشار إلى أن منع الاستيراد أو فرض رسوم على الواردات أثر بشكل مباشر على السوق المحلي، حيث أن سعر البيلت المحلي يرتفع نتيجة انعدام المنافسة مع البيلت المستورد، مؤكدًا أن هذا الأمر يؤثر على تكلفة الإنتاج ويزيد الضغوط على المصانع.

القط: تشغيل الطاقات المحلية أولوية.. والتنظيم السعري مفتاح نجاح الحماية

وقال خالد القط، رئيس مجلس إدارة شركة كايروميتال للصناعات المتعددة، إن توجه الدولة للتوسع في إنتاج البيلت محليًا يتكامل مع قرارات فرض رسوم الإغراق على الواردات، ويستهدف بالأساس تقليل الفاتورة الاستيرادية، في ظل توافر طاقات إنتاجية محلية قادرة على تلبية احتياجات السوق.

وأضاف لـ «البورصة»، أن الدولة انطلقت من رؤية مفادها أن الاعتماد على المنتج المحلي أولى من الاستيراد، خاصة مع وجود مصانع تنتج البيلت والصاج الساخن والبارد بكميات كافية، لكنها لم تكن تعمل بكامل طاقتها، ما دفع الحكومة إلى حماية الإنتاج المحلي وتحفيز تشغيل هذه الطاقات المعطلة.

وأشار إلى أن التحدي الحقيقي لا يكمن في القدرة الإنتاجية أو جودة المنتج المحلي، مؤكدًا أن الصناعة المصرية قادرة على تلبية المواصفات العالمية، وإنما يتمثل في غياب آليات تنظيم السوق، ما أتاح لبعض المنتجين تسعير البيلت محليًا بأسعار أعلى من السعر العالمي.

وشدد على أن نجاح استراتيجية الدولة في التوسع بإنتاج البيلت يتطلب دورًا أكثر فاعلية للرقابة الحكومية، يضمن تحقيق توازن عادل بين منتجي البيليت ومصانع الدرفلة، ومنع تحميل الصناعات التحويلية والمستهلك النهائي أعباء إضافية.

وأكد أن التوسع في إنتاج البيلت يمثل فرصة حقيقية لتعميق التصنيع المحلي وتقليل الاستيراد، بشرط أن يصاحبه تنظيم واضح للسوق يحقق العدالة السعرية ويمنع استغلال الحماية الجمركية.

الصياد: توافر الخام يدعم توسعات الصناعات الهندسية ويعمق الصناعة

من جانبه، قال شريف الصياد، رئيس مجلس إدارة مجموعة تريدكو الصياد للصناعات الهندسية، إن الخطوات التي اتخذتها الدولة مؤخرًا لدعم صناعة الحديد والصاج يستهدف تعزيز الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الاستيراد، وهو ما يتماشى مع مطالب الصناعات الهندسية منذ سنوات بضرورة امتلاك قاعدة إنتاج قوية.

وقال الصياد لـ «البورصة»، إن توافر خامات الحديد والصاج محليًا، وفي مقدمتها البليت، يمثل عنصرًا محوريًا لضمان استقرار الصناعة وتوفير مدخلات إنتاج رئيسية للصناعات الهندسية.

وأشار إلى أن السوق المصري لديه قدرة كبيرة على استيعاب توسعات إنتاج البليت والصاج بأنواعه المختلفة، خاصة في ظل زيادة الطلب على هذه الخامات داخل السوق المحلي.

ولفت إلى أن صناعة الحديد والصاج تعد صناعة استراتيجية لا غنى عنها، وأن توفير منتجات مثل الصاج المدرفل والمجلفن وسابق الدهان بجودة عالية وأسعار تنافسية وفترات توريد مناسبة سيعزز من قدرة الصناعة الوطنية على المنافسة.

وأوضح الصياد أن التحديات الأساسية التي واجهت الصناعة في السنوات الماضية تمثلت في فجوة بين العرض والطلب، وفترات توريد طويلة وصلت في بعض الأحيان إلى أربعة أو خمسة أشهر، وهو ما دفع العديد من المصانع للاعتماد على الاستيراد.

وأضاف أن السوق بحاجة إلى دخول لاعبين جدد، خاصة في الصاج سابق الدهان، نظرًا للطلب المتزايد عليه واعتماد عدد كبير من المصانع عليه كمكون رئيسي في العمليات الإنتاجية.

وأكد أن تهيئة بيئة الاستثمار وتوفير الحماية المؤقتة للصناعة الوطنية سيسهمان في تعظيم الطاقة الإنتاجية ورفع نسب الاكتفاء المحلي، ما يدعم الصناعات الهندسية ويقلل الضغط على العملة الأجنبية، ويمنح القطاع فرصة حقيقية للنمو بما يتماشى مع خطط الدولة لتعميق التصنيع المحلي.

عياد: التوسع الإنتاجي يحتاج 3–4 سنوات.. والحصص المؤقتة حل لتوازن السوق

وقال شريف عياد، المدير التنفيذي لشركة عياد للصلب، إن الإجراءات الحكومية الأخيرة الهادفة إلى تعزيز إنتاج البليت محليًا، من طرح رخص جديدة وفرض رسوم حمائية، تمثل خطوة إيجابية في مسار تعميق الصناعة.

وأشار إلى أن تأثيرها الفعلي على السوق لن يتحقق قبل مرور 3–4 سنوات على الأقل، وهي المدة اللازمة لبدء تشغيل الرخص الجديدة والوصول إلى طاقات إنتاجية قادرة على سد احتياجات السوق المحلى.

وأوضح عياد لـ «البورصة»، أن السوق سيظل يعاني فجوة في توافر البليت خلال تلك الفترة الانتقالية، مشيرًا إلى أن القرار جاء في توقيته المناسب من حيث التوجه الاستراتيجي، إلا أن الواقع الحالي لا يزال يشهد نقصًا واضحًا في المعروض، مما يضغط على مصانع الدرفلة بصورة كبيرة.

وأكد أن الحل المؤقت لتقليل آثار الفجوة على المصانع يتمثل في رفع الرسوم الجمركية على واردات البليت لفترة محدودة أو وضع حصص استيراد “كوتة” لكل مصنع وفق طاقته الإنتاجية وميزانياته، بحيث لا يتم فتح الباب على مصراعيه أمام الاستيراد ولا يتم إغلاقه تمامًا، بما يسمح بتوازن معقول بين الحفاظ على الإنتاج المحلي وعدم تعطيل المصانع الصغيرة ومتوسطة الحجم.

وشدد على أن دعم الصناعة المحلية من خلال سياسات مدروسة ومرنة خلال الفترة الانتقالية سيكون عاملًا حاسمًا في تجاوز التحديات الحالية، وتحقيق مستهدفات الدولة في تعميق صناعة البليت وزيادة الاعتماد على المنتج المحلي خلال السنوات المقبلة.

وبحسب غرفة الصناعات المعدنية، بلغ حجم واردات مصر من البيليت نحو 900 ألف طن خلال أول 5 أشهر من العام الجاري، بينما وصلت الواردات خلال 2024 بالكامل إلى مليونَي طن.

في المقابل، سجل الإنتاج المحلي من البليت العام الماضي 7.7 مليون طن، فيما تراوح استهلاك السوق بين 9.7 و9.8 مليون طن، ما يعكس فجوة تستدعي تنظيم السوق وضمان استقرار الإمدادات.

الزيني: مصر تتحول من مستورد إلى منتج استراتيجي للبيلت على غرار تجربة الأسمنت

وقال أحمد الزيني، رئيس شعبة مواد البناء باتحاد الغرف التجارية، إنه من الضروري زيادة عدد تراخيص إنتاج البليت بهدف التحول من دولة مستوردة إلى دولة منتجة، على غرار ما حدث في قطاع الأسمنت خلال السنوات الماضية.

وأضاف أن تحقيق التوازن بين مصانع الدرفلة والمصانع المتكاملة يعد أمرًا ضروريًا لضمان استقرار السوق وتوفير خامات كافية للصناعة.

وأكد أن التطورات الجارية في سوق البليت لن تؤثر بشكل مباشر على أسعار الحديد خلال الفترة الحالية، وتراجعت صادرات الحديد والصلب خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الحالي مسجلة 1.6 مليار دولار، مقابل 1.9 مليار دولار خلال الفترة المقابلة من العام الماضي، بحسب وثيقة حكومية أطلعت عليها «البورصة».