بقلم : عماد الدين حسين – الشروق
المعارضة تسيطر على المنطقة المحيطة بالقصر الجمهورى فى الاتحادية بمصر الجديد، وأنصار الإخوان يسيطرون على ميدان رابعة العدوية فى مدينة نصر، والسلفيون يسيطرون على المنطقة المحيطة بمدينة الإنتاج الإعلامى فى أكتوبر، ومتظاهرو التحرير أعلنوا نجاحهم فى السيطرة على «مجمع التحرير» وانهم لن يتركوه إلا بعد ان يفك أنصار التيار الإسلامى حصارهم للمحكمة الدستورية العليا فى طريق الكورنيش بالمعادى.
لم يكن المرء يتخيل ان يعيش ويسمع مثل هذه المصطلحات فى مصر التى يحلو لنا دائما القول انها بلد النسيج الواحد ثم استيقظا على كابوس انها صارت أنسجة متعددة.
الذى تابع وقائع الحرب الأهلية فى لبنان التى بدأت فى أبريل 1975 يتذكر كيف كانت كل ميليشيا أو فصيل أو طائفة تتمترس فى منطقة أو حى أو شارع، وتضع لجانها الشعبية على المداخل، وما زالت اتذكر صورة صحفية لشاب لبنانى بشارب كث وقميص مشجر مفتوح وفى فمه سيجارة وفى يده كلاشينكوف وهو يفحص هوية أحد الداخلين للشارع.
هذه المشاهد رأينا بعضها أيضا فى الصراع الشامل الذى عاشه العراق الشقيق ولا يزال منذ الغزو الأمريكى الهمجى فى مارس 2003، وكيف حولت الحواجز الأسمنتية شوارع بغداد إلى منطقة خضراء للسفارات والوزارات وإلى تقسيمات ذات طبيعة طائفية أو عرقية.
فى مصر كنا نعتقد أن الحواجز الأسمنتية التى تحيط بوزارة الداخلية ومجلس الشعب فى قصر العينى هى أمر مؤقت، لكننا اكتشفنا أن هذا الشىء المؤقت صار دائما، بل ويتمدد فى أماكن أخرى، حيث رأينا إقامة جدار جديد قرب قصر الاتحادية.
الكارثة ان سلطة الدولة وهيبتها تتراجع وتتقزم مقابل تزايد سلطة الفصائل والأحزاب.. هل رأى أحدكم صورة بعض المنتمين للإخوان المسلمين وهم يستجوبون بعض «أسرى المعارضة» ويهددونه بالقتل إذا لم يعترف لمصلحة من يعمل ومن دفع له الأموال؟!.
ونشرت صحف الخميس والجمعة صورا لهؤلاء الأسرى وكأنهم أسرى إسرائيليون. ويزعم البعض ان الشرطة تسلمت هؤلاء الأسرى من الاخوان، دون حتى أن تسألهم بأى صفة فعلوا ذلك؟!.
بجانب المتاريس والأسرى، رأينا قبل فترة مجهولون يعتدون على النائب السابق حمدى الفخرانى، فى المحلة، ثم على النائب أبوالعز الحريرى فى الإسكندرية، وأخيرا اعتدى مجهولون على المحامى الإخوانى صبحى صالح وحاولوا وضعه أمام القطار فى الإسكندرية.
سيقول البعض إن هذه حوادث فردية ولا تعبر عن ظاهرة فى المجتمع، ولسوء الحظ فإن الأمر ليس كذلك، لأن من يتابع سلوكيات كثير من المصريين والالفاظ التى يتحدثون بها، يدرك أن ثمة تغيرا حقيقيا قد حدث.
مرة أخرى وليست أخيرة، لو ترك الرئيس محمد مرسى وحكومة الدكتور هشام قنديل هذه الظواهر تمر من دون عقاب حاسم وحازم وفورى، فإنهم سوف يكتشفون قريبا أنهم قاموا بتربية وتسمين «وحش كاسر» سيقوم بالتهامهم إن آجلا أو عاجلا.
فى لبنان كان المرور من الحواجز على أساس هويتك السياسية اولا وهل انت مع الفلسطينيين والقوى التقدمية أم مع الموارنة وانصار اسرائيل، ثم صار دينيا وهل انت مسلم أم مسيحى، ثم تطور الآن إلى هل انت شيعى أم سنى، وهو الأمر الذى تكرر كثيرا فى العراق.
ترى لو ــ لا قدر الله ــ ترسخت هذه الكارثة عندنا، فكيف سيكون التصنيف: ثوار ضد فلول ام إسلاميون ضد ليبراليون، أم إخوان وسلفيون ضد الجميع، أم ضد بعضهما البعض لاحقا، أم صعايدة ضد بحاروة.
يا كل من بيدكم الأمر: انتبهوا.. الوحش بدأ الخروج من القفص.








