كان عدد البنوك العاملة فى مصر عند تولى الدكتور فاروق العقدة المحافظ المستقيل 62 بنكا بخلاف المصرف العربى الدولى وناصر الاجتماعى، عدد كبير منها كان فاشلاً أو مفلساً من الناحية العملية، وأدت عملية إصلاح الجهاز المصرفى التى بدأت فى عهد المحافظ السابق للعقدة محمود أبوالعيون إلى تقليل عددها بشكل كبير.
وقاد العقدة السوق لعمليات دمج واستحواذ واسعة النطاق حتى تستطيع البنوك الوفاء بشروط رأس المال التى وضعت فى قانون البنوك الذى أعده أبوالعيون وصدر فى عهده ولم يسعفه الوقت لتطبيقه.
والآن يغادر العقدة منصبه وقد انخفض عدد البنوك إلى 40 فقط بخلاف بنك ناصر الاجتماعى، وفى فترة من الفترات جرى الحديث عن مزيد من تقليل عدد البنوك بشكل أكبر، وكان ذلك فى العام 2007، إلا أن حقيقة أن عدداً كبيراً من البنوك التى يمكن تقليلها هى حكومية ومتخصصة وتحتاج ضخ رؤوس أموال ضخمة لإصلاحها منعت من تنفيذ تلك الطموحات.
الإصلاح المصرفي
خاض العقدة عملية معقدة لإصلاح الجهاز المصرفى، تضمنت تحسين جودة أصول القطاع المتردية، ودعم المراكز المالية للبنوك، وتقليل هيمنة الدولة على القطاع.
ورفعت البنوك رؤوس أموالها لتتوافق مع الشروط الجديدة الواردة فى قانون البنوك وهى 500 مليون جنيه حدا أدنى للبنك و50 مليون دولار حدا أدنى لرأسمال فروع البنوك الأجنبية، إضافة إلى متطلبات القاعدة الرأسمالية التى جرى ربطها بالتوسع فى الإقراض والتوسع الجغرافى وهو ما أدى فى النهاية لتعزيز رؤوس الأموال بشكل كبير.
وبدأت عملية الإصلاح الجهاز المصرفى الفعلية فى عهد سلفه محمود أبوالعيون الذى جرى استقدام كوادر لبنوك القطاع العام من خارجها فى عهده، وكان مجيء العقدة نفسه رئيسا للبنك الأهلى جزءاً من هذه العملية.
وأبرز الملاحظات فى عملية الاصلاح المصرفى هو قوة البنك المركزى فى مواجهة مساهمى البنوك الخاصة التى وصلت إلى حد شطب مساهماتهم، مقابل تراخيه مع الحكومة التى كانت تهيمن على أكثر من 50 % من القطاع المصرفى. وانعكست هذه السياسة على القطاع المصرفى الذى صار منقسما بشكل رأسى واضح بين بنوك خاصة تتميز بالكفاءة غالباً وأخرى حكومية معظمها متعثر.
ومنح المركزى فى عهد العقدة وقتا أطول من اللازم للحكومة كمساهم رئيسى لإصلاح بنوكها، واضطرت إدارات بنكى الأهلى ومصر إلى الاعتماد على أساليب محاسبية صرفه فى إغلاق فجوات المخصصات الضخمة لديها عبر إعادة تقييم أصولها ونقلها إلى ملكية غير مباشرة.
بينما لا تزال البنوك الأخرى الأقل حجما تعانى من مشاكلها الكبيرة قياسا إلى حجم أصولها وتحتاج لضخ مليارات من الجنيهات لوضعها على الطريق السليم.
وتقلصت فى فترة العقدة مساهمات الحكومة المباشرة وغير المباشرة فى القطاع المصرفى، وباعت بنوك القطاع العام معظم مساهماتها فى البنوك الخاصة والمشتركة فى واحدة من أهم محطات الاصلاح، كما شهدت عشريته محاولتين لبيع بنكين حكوميين الأولى كانت ناجحة تبناها العقدة جرى فيها إصلاح بنك الاسكندرية وبيعه لبنك أنتيسا سان باولو الإيطالى، والثانية فاشلة تبرأ منها نتيجة الهجوم الإعلامى الكاسح وهى المتعلقة بمحاولة خصخصة بنك القاهرة.
وشهدت فترته أيضاً إعداد الجهاز المصرفى لتطبيق معايير بازل 2 فيما يتعلق بسياسات المخاطر والحوكمة.
سوق الصرف والاحتياطى
تسلم العقدة سوق صرف مهلهلة مليئة بالعيوب نتيجة السياسات الحكومية الخاطئة وتدخلاتها المتتالية فى عمل الجهاز المصرفى، وقيام رئيس الوزراء عاطف عبيد بتعويم الجنيه بدون اتخاذ التدابير اللازمة.
وعند تسلمه منصبه كانت هناك اختناقات فى السيولة الدولارية وسوق صرف موازية. واستطاع العقدة بناء سوق صرف فعالة بالاستعانة بعدد من الخبراء الذين كان أحدهم آنذاك هشام رامز المحافظ الجديد للبنك المركزى، واعتمدت السوق منذ ذلك الحين على آلية جديدة هى آلية الانتربنك الدولارى التى أتاحت السيولة فى السوق بمرور الوقت وقضت على السوق السوداء وخفضت سعر الدولار، ويعد هذا الإصلاح الأبرز فى مسيرة العقدة كمحافظ للبنك المركزى.
وبلغت احتياطيات النقد الأجنبى لدى البنك المركزى فى ديسمبر 2003 حوالى 14.7 مليار دولار نصفها كان مملوكا للبنوك فى الحقيقة، ونتيجة للفوائض فى ميزان المدفوعات والسياسات المتبعة فى سوق الصرف وعمليات استثمار الاحتياطى نفسه ارتفع ليصل إلى 36 مليار دولار قبل الثورة مباشرة كلها مملوكة للبنك المركزى ولا تخص البنوك، وصمد فى وجه الأزمة المالية فى العام 2008، كما جرى تكوين احتياطى غير رسمى بقيمة 7 مليارات دولار إضافية.
إلا أن السياسات التى اتبعها البنك المركزى فى فترة ما بعد الثورة والتى اعتمدت بشكل أساسى على دعم العملة المحلية أدت إلى محو تلك الانجازات، وانهار الاحتياطى الرسمى إلى 15 مليار دولار منها 6 مليارات ودائع مساندة من دول إقليمية وتلاشت الاحتياطيات غير الرسمية تقريباً.
وأدت هذه السياسات إلى القضاء على الإنجازات الشخصية للعقدة فى سوق الصرف خلال السنوات السابقة على الثورة، وفقد الجنيه 10% من قيمته، كما فقد البنك المركزى المرونة فى الدفاع عن العملة، كما تعددت أسعار الصرف فى السوق، وظهرت اختناقات فى السيولة، وأدى ذلك إلى ارتفاع أسعار السلع المستوردة وهى النتيجة التى حارب المركزى لعدم الوصول لها على مدار العامين الماضيين، ولا يزال التدهور مستمراً.
حجم الجهاز المصرفي
فى عهد الدكتور فاروق العقدة تضاعف حجم الجهاز المصرفى، لكن تمويله للشركات صار أقل بالقياس إلى حجم الودائع فيه، وخلال عشرية العقدة نمت ودائع البنوك بمعدل 139% لتتجاوز التريليون جنيه، وأصبحت تريليوناً و47 مليار جنيه فى سبتمبر الماضى، مقابل 438 مليار جنيه فى ديسمبر 2003 وقت تعيينه محافظا للبنك المركزى لأول مرة.
فى المقابل نمت القروض بمعدل 73% لتصل إلى 508 مليارات جنيه مقابل 292 مليار جنيه، ما يعنى أن معدلات نمو القروض كانت أقل كثيراً من نمو الودائع، وأن سوق التمويل لم تستفد كثيراً من حشد البنوك للمدخرات خلال العشرية التى سيطرت فيها أفكار محافظة على السياسة النقدية تعلى من شأن سلامة الجهاز المصرفى على حساب قدرته على العمل.
وتكشف بيانات البنك المركزى عن تراجع معدلات تشغيل القروض للودائع لتصل إلى 48% فقط فى سبتمبر وهو أحد أدنى معدلات توظيف القروض للودائع فى العالم، بينما كان هذا المعدل يبلغ 66.6% عند تولى الدكتور العقدة منصبه نهاية 2003.
ورغم أن معدلات توظيف الودائع فى القروض بدأت تراجعاتها قبل تولى العقدة منصبه بفترة كبيرة، إلا أن سياسات العقدة ساهمت بدرجة كبيرة فى استمرار هذا التراجع خلال الفترة المشار إليها، نتيجة الرغبة فى تحسين جودة أصول الجهاز المصرفى والذى كانت أكثر من ثلث قروضه متعثرة فى 2003، إضافة إلى تبنى المركزى لسياسة نقدية قائمة على احتواء التضخم بالدرجة الأولى وهو ما ساهم فى تعقيم السوق.
خاص البورصة








