وضعت لجنة الزراعة والرى بمجلس الشورى فى مقدمة أولوياتها التشريعية الفترة القادمة تعديل قانون التعاونيات والإشراف البيطرى والقانون الموحد لأراضى الدولة، وهو ما سيشهد معه القطاع الزراعى نقلة نوعية كبيرة، خاصة فى ظل مواد الدستور الجديد، الذى أولى أهمية خاصة للقطاعين الزراعى والحيوانى، وحماية الأراضى من أعمال التجريف والبناء، علاوة على الاهتمام بالبحث العلمى للوصول إلى أعلى معدلات الإنتاج.
فى حواره مع «البورصة» قال المهندس السيد حزين، رئيس لجنة الزراعة والرى بمجلس الشوري، إن المادة (15) من الدستور المصرى تعد أحد أهم مميزات هذا الدستور، لكونها مادة جامعة مانعة تسلط الضوء على أهمية القطاعين الزراعى والحيوانى بشكل عام، وتشدد على ضرورة حماية الرقعة الزراعية بعد ما شهدته الفترة السابقة من تعديات بالبناء والتجريف، فضلا عن أنها وضعت الأسس، التى سيتم الاعتماد عليها فى الفترة القادمة لاستصلاح أراض جديدة تضاف إلى الرقعة الزراعية بمعدلات تفوق معدلات النمو السكاني.
وأضاف أن هذه المادة الدستورية ربطت البحث العلمى بالزراعة كمقوم أساسي، وهذا ما يعنى التزام الدولة بتنمية مراكز البحوث وتمويلها، بالاضافة إلى أن هذه المادة حملت الدولة مسئولية أزمة الأسمدة والمبيدات، وأوجبت على الحكومة ضرورة العمل على توفيرها، وعهد الدستور إليها فى هذه المادة العمل على تحقيق الأمن الغذائي، والتدخل فى السياسات الزراعية للتغلب على الأزمات الموجودة فى بعض السلع الاستراتيجية، وتحديد الكميات التى يجب زراعتها، وهذا ما سيضمن تغطية جزء كبير من الفجوة الموجودة بين كمية المنتج المحلي، التى يتم زراعتها واحتياج الدولة الذى يتم استيرداه.
وأكد حزين أنه لا بد أن يكون هناك سياسة تسويقية لبعض المحاصيل للتغلب على المشاكل التى تتعرض لها وانشاء مصانع بجوار الاراضى للعمل على تلبية الاحتياجات التصنيعية للمنتج الذى يخرج من الارض، هذا فضلا عن أن المادة الخاصة بالزراعة سدت الطريق امام الشركات الكبرى للاستحواذ على مساحات كبيرة من الاراضى الزراعية، حيث ضمنت عدالة التوزيع وحق الاجيال القادمة فى أراضى الدولة، وأنه يمكن سن نحو 20 قانونا لتنمية الزراعة تفعيلا لهذا النص الدستوري.
– وهل ترى أن مصر بحاجة إلى مشروع للاصلاح الزراعى كما فعل الرئيس الراحل جمال عبدالناصر عندما قام بتمليك صغار الفلاحين للأراضى الزراعية؟
فى الحقيقة إن ما يصلح أيام الرئيس عبدالناصر قد لا يصلح حاليا، لأن الظروف تغيرت، وأنه عندما قامت الثورة كان 5% فقط من سكان مصر هم من يملكون الأراضى الزراعية، وبالتالى كان القرار حكيما فى ذلك الوقت، لكن حاليا لا يجوز العودة الى نظام الاصلاح الزراعي، وذلك لان كل أرض زراعية تقوم الدولة باستصلاحها حاليا توزعها على المواطنين، إلا أنها تراعى فيها اعتبارات أخرى بجانب اعتبارات العدالة، حيث تقسم هذه الأراضى على 3 فئات، وهى، الشركات الاستمثارية، وصغار الفلاحين، وشباب الخريجين، وغالبا ما تكون هذه الأراضى فى مكان واحد، لكى تتولى الشركات الاستثمارية مساعدة صغار الفلاحين بالخبرات والآلات والمساعدة فى عمليات التسويق.
– كيف ترى حلم تحقيق مصر الاكتفاء الذاتى من بعض المحاصيل الاستراتيجية مثل القمح؟
دعنا نفرق بين أمرين، وهما تحقيق الاكتفاء الذاتى والاقتراب من الاكتفاء الذاتي، فمن الممكن خلال السنوات القادمة تحقيق الأمر الثاني، وذلك فى ظل زيادة المساحات المزروعة بالقمح، التى قاربت على الوصول إلى 3.2 مليون فدان، بالإضافة إلى ترشيد عمليات الحصاد والتخزين والاستهلاك الآدمي.
– وماذا عن آلية تخصيص الأراضى فى مصر؟
الفلاح لن يشعر بالأرض ويعمل على خدمتها إلا عندما يشعر أنها ملكه، وبالتالى من الممكن فى حالة صغار الفلاحين وشباب الخريجين ان يتم تملكيهم مساحات صغيرة من الاراضى تتراوح بين 5 و10 أفدنة، أما الشركات الكبيرة فلابد أن تحصل على الأراضى بنظام حق الانتفاع، وذلك بقصد الزراعة، على أن يعطى القانون ميزة للشركة التى نجحت فى استزراع كامل المساحة التى حصل عليها فى مدة الانتفاع –نحو 49 سنة- لا مانع من تجديد حق الانتفاع مدة أخرى، حتى يحصد الأبناء والأحفاء جزءاً من ثمار ما زرعه الآباء والأجداد.
– برأيك كيف يمكن مواجهة أزمة التعديات على الأراضى الزراعية؟
عقدت لجنة الزراعة والرى بمجلس الشورى اجتماعاً مهماً منذ أيام بمشاركة وزارة الزارعة والشرطة والتنمية المحلية، وانتهى إلى تصور توافقى يمكن من خلال تطبيقه تحقيق الوقف الفورى للتعدى على الاراضى الزارعية، وذلك من خلال تشكيل لجنة للاشراف على التعديات مشكلة من الوزارات الثلاثة تتبعها لجان فرعية بجميع المحافظات تتولى العمل على مراقبة الأراضى الزراعية، وتقوم بالتبليغ بدورها عن كل تعد، وما يتم حياله من قبل السلطات، بالاضافة إلى أن اللجنة اوصت بضرورة العمل على إزالة جميع التعديات، التى تمت على الأراضى الزراعية من خلال اللجنة العليا، التى تم تشكيلها.
– لكن الفلاح الذى يتعدى على الأرض يكون فى غالب الأحيان مضطرا لذلك.
ربما يكون الفلاح فى بعض الحالات مضطرا، لذلك لابد من ايجاد حل للفلاح، الذى يقوم بالتعدى على الارض لكى نوفر مسكن له ولأسرته، ويمكن أن يتحقق ذلك من خلال قيام المحليات بتبنى بعض الأمور تتمثل فى ضرورة التوسع فى منح التراخيص لأعمال التوسع الرأسى وليس الافقي، والعمل على إيجاد القرى التوأم فى الظهير الصحراوى مع توفير مساحات اراض للبناء عليها ضمن الاراضي، التى سيتم توفيرها للفلاحين لزراعتها، كذلك يجب تغليظ العقوبة مستقبلا على من يقوم بالتعدى على الأراضى الزراعية، وهذا ما تم الانتهاء منه بالفعل فى صورة مشروع قانون مقدم من وزارة الزراعة الى مجلس الوزراء للموافقة عليه، وهو مشروع قانون حماية الأراضى الزراعية.
هذا وقد أرسلت اللجنة إلى مجلس الوزراء تطالبه بضرورة الإسراع فى اقرار هذا المشروع تمهيدا لإرساله إلى مجلس الشورى لاقراره، خاصة أن بعض مواده تتحدث حول مصادرة المباني، التى تم بناؤها بالمخالفة لصالح الدولة كعقوبة على من يقوم بالتعدى على الأراضى الزراعية، واتخذت اللجنة أيضا قرارا بشأن تغيير المسئول عن حماية الاراضى فى وزارة الزراعة والمحليات والشرطة كل سنتين، وذلك لمواجهة الفساد فى هذا الملف الحيوي.
– تعانى جمعيات التعاون الزراعى مشاكل لا حصر لها الآونة الأخيرة قلصت دورها .. فكيف ترى هذا الدور؟
وضعت اللجنة التعاونيات الزراعية ضمن البنود المهمة، التى سيتم مناقشتها فى الدورة البرلمانية الحالية، حيث طلبت من وزارة الزراعة تقديم قانون التعاونيات للبدء فى دراسة التعديلات، التى سيتم ادخالها عليه، بما يجعل الجمعية الزراعية كيان متكامل يمتلك القدرة على خدمة مختلف قضايا الفلاح، بحيث تساعده على توفير جميع متطلبات الزراعة من اسمدة ومبيدات والقيام بعملية المكافحة، وتسويق المحاصيل الزراعية، فاللجنة بصدد السعى الجاد لإعادة التعاونيات إلى سابق دورها، وذلك تنشيطها فى مجالات توفير المبيدات والأسمدة ورفع الوعى وتسويق الحاصلات.
– وكيف يمكن التغلب على مشكلة نقص السماد على الرغم من زيادة الانتاج المحلى على الاحتياجات؟
بالنسبة لمشكلة الأسمدة، الجميع يعلم أن الانتاج المصرى من شركات قطاع الاعمال والقطاع الاستثمارى يزيد على حاجة السوق المحلي، لأنه فى الوقت الذى يبلغ فيه الانتاج نحو 16 مليون طن مقابل 7 ملايين طن هو إجمالى الاستهلاك المحلي، إلا أن الشركات الاستثمارية تصدر أغلب انتاجها، وبالتالى فإن الحل سيكون بإلزام هذه الشركات على تسليم الحصص المقررة عليها حتى لا يتم تطبيق رسم صادر قدره 600 جنيه للطن.
– ما تقييمك لأداء بنك التنمية والائتمان الزراعى؟
هناك كثير من القضايا الخاصة بالبنك، يجب أن يفتحها مجلس الشورى للنقاش العام مثل السلف الوهمية وسداد السلف الشتوية فى وقت السلف الصيفية، بالإضافة إلى إرتفاع العمولات على بعض السلف إلى نحو 30 %، مما حوله، وفقا لرأى اللجنة، إلى بنك تجاري، وبالتالى عليه أن يؤدى الواجب، الذى فرض عليه منذ انشائه، بحيث يمتنع عن منح اى سلفة الا بعد دراستها وبناء على دراسة جدوى ويمتنع عن تدوير السلف، التى تزيد من الارباح الوهمية لدى البنك على حساب الفلاح، بالاضافة الى ان البنك من الممكن ان يتعاقد مع الفلاح على المحصول كضمانة للحصول على القرض وفى هذة الحالة يستطيع الحصول على امواله عن طريق تسويق المحصول دون اللجوء الى القيود الدوارة.
وقد اضافت اللجنة على جدول اعمالها فى الفصل التشريعى الحالى المشاكل المتعلقة ببنك التنمية والائتمان الزراعى من اجل اعداد منظومة كاملة لتطوير عمل البنك حتى يقوم بالدور الذى كانت تقوم به الجمعية الزراعية فى مساعدة الفلاح ومساعدته على تسويق محصوله حتى يستطيع اداء ما عليه من ديون.
– ما السبيل الأمثل للحد من الإفراط فى استخدام المبيدات، التى يؤدى بعضها إلى الاصابة بالسرطان؟
يسابق مجلس الشورى الزمن لاصدار ما يكفل من تشريعات تلزم الدولة بالاعتماد على طرق المكافحة البيولوجية الحيوية والغاء المبيدات الزراعية تماما، وذلك عن طريق انتاج نوع معين من الحشرات غير الضارة، التى تعمل على القضاء على الآفات الضارة بالمحاصيل الزراعية، لكنه حتى الوصول إلى تطبيق هذه التكنولوجيا، ستغلق اللجنة الباب امام استيراد اى مبيد او تسجيله نهائيا، وحتى تطبيق هذا النظام فان اللجنة ستقوم بزيارات ميدانية كل فترة للمعمل المركزى للمبيدات للتأكد من سلامة ما يتم استيراده من المبيدات، كما أوصت اللجنة بضرورة انشاء معمل محايد لفحص المبيدات عند رفض المعامل المركزية بوزارة الزاعة لشحنة المبيدات لوجود خلل ما بها، وذلك حتى نستطيع ان نفصل بموضوعية فى تظلم اصحاب شركات استيراد المبيدات عند رفض الشحنات الخاصة بها، وقد ابدى مستوردو المبيدات خلال جلسة مشتركة جمعتهم باللجنة منذ اسبوع استعدادهم لاقامة معمل مركزى على نفقتهم الخاصة واهدائه لوزارة الزراعة ليكون بمثابة معمل محايد عند التظلم من نتائج المعامل المركزية بوزارة الزراعة، وحتى يتم انشاء هذا المعمل فان لجنة الزراعة اقترحت ان يتم استخدام المعامل الخاصة بمركز البحوث لتكون حكم بين المعمل المركزى للمبيدات والمستوردين فى الفترة الحالية.
– كيف ترى الحل حتى يعود القطن المصرى لسباق عهده بعد ان فقد قيمته بعد تحرير التجارة؟
مما لاشك فيه ان القطن المصرى كان يعرف عنه انه القطن الاول على مستوى العالم، ولكن الحقيقة ان تغيير المغازل فى مصر الى القطن قصير التيلة افقده قيمته بالاضافة الى ان تحرير تجارته لعب العامل الاكبر فى فقدان قيمته، وإعادة المكانة للقطن المصرى يحتاج أن تقوم الدولة بالتركيز على زراعة القطن مرة أخري، وأن تتوسع فى مساحات زراعته بقرارات سيادية، وذلك على أن تتعهد الدولة بشراء ما يتم زراعته بأسعار محددة له من أول الموسم حتى نهايته، وتحقيق هذا يضمن لمصر القدرة على تصدير غزول طويلة التيلة.
– ما السيناريوهات الواجب اتباعها لإعادة تشغيل بعض المشروعات الزراعية الكبرى مثل توشكى وشرق التفريعة؟
لابد من ادراك ان بعض المشاريع الانتاجية المتوقفة مثل توشكي، لا يوجد حل سهل لاعادة تشغيلها مرة اخري، إلا أنه فى ذات الوقت لابد ألا نبكى على اللبن المسكوب، وأنه لكى نجد حلول مناسبة لمثل هذه المشروعات، يجب أن نفكر بطرق مغايرة، فماذا يمنع الدولة من منح بعض شركات قطاع الأعمال العام الخاسرة، أراض فى هذه المشروعات المتوقفة على ان تعمل بها بطريق حق الانتفاع، وذلك لتشغيل المزيد من العمالة وانقاذ هذه الشركات من التصفية، بالإضافة إلى تشجيع الافراد والمستثمرين على إنشاء شركات مساهمة توزع عليها هذه الأراضى للعمل على استصلاحها وزراعتها.
– هل ترى أن الدعم الحكومى الموجه للفلاح كافيا؟
لقد عانى الفلاح كثيرا خلال الفترة الماضية، ولابد من العمل الجاد لتوفير المزيد من الحماية له فى الفترة القادمة، والسعى لتقرير حق الضمان الاجتماعى له بعد سن الـ60 سنة، وتوفير مستلزمات الزراعة بأسعار اجتماعية والعمل على تسويق المحاصيل، بحيث تتم زيادة الدعم العينى له من خلال هذه المستلزمات، فلا مانع من وضع سعر مناسب لشراء المحاصيل الاستراتيجة من الفلاح بعد حساب تكلفة الزراعة على ان يشتمل الثمن الذى يتم الشراء به من الفلاح جميع هذه النفقات وهامش ربح محترم للفلاح، بالاضافة إلى ضرورة تدخل الدولة فى بعض الزراعات الاستراتيجية مثل القمح، لمساعدة الفلاح على حرث الأرض وتسويتها وتوفير الآلات الزراعية له بدون مقابل.
– وكيف ترى الوضع فى حال اكتمال بناء سد الألفية أو سد النهضة فى أثيوبيا؟
لابد ان نعترف أن مصر قصرت كثيرا تجاه دول حوض النيل، ولكن السياسة الجديدة التى سيتبعها رئيس الجمهورية ومجلس الشورى هى ضرورة وجود ثقة بين مصر وباقى دول حوض النيل قبل النظر الى موضوع الحفاظ على الامن المائى المصري، وذلك من خلال الدخول فى مشروعات استثمارية مشتركة مع هذه الدولة ووجود بعثات تعليمية متبادلة بين بلدان النيل، لكن يجب الا نخشى من إنشاء سد النهضة، لأنه حتى فى حالة اكتمال انشائه فمن الممكن ان نعتمد على جنوب وشمال السودان، فهناك كميات مياه كثيرة ضائعة فى قناة جونجلي، ولو تم التعاون الجاد بين مصر والسودان فى هذا الملف لتم توفير كميات مياه كبيرة للجانبين.
– وماذا عن أهم التشريعات التى تهم الفلاح ويقوم مجلس الشورى على الانتهاء منها خلال الفصل التشريعى الحالي؟
اللجنة تهدف فى هذا هذا الفصل التشريعى إلى اقرار عدد من التشريعات المهمة، أهمها فى المجال الزراعي، القانون الخاص بالتعاونيات الزراعية، وقانون الاشراف البيطري، والقانون الموحد للأراضي، وأخيرا، قانون التعليم المهنى الزراعى الجديد.
حوار : مصطفى صلاح








