بقلم : نيك باتلر
انخفضت أسعار البترول الخام بأكثر من 6 دولارات الأسبوع الماضي، وبذلك أصبح سعر البرميل 104 دولارات لينخفض عن ذروته التي وصل إليها مؤخراً في ربيع 2012 بنسبة 20%، ولكن لا توجد أحداث بعينها أدت إلي هذا الانخفاض، فلم تتوصل إيران إلي أي اتفاقية من شأنها ان تنهي العقوبات، كما أن مستويات النشاط الاقتصادي بالكاد محفزة ولكنها لم تنهر بشكل مفاجئ، ومن الطبيعي ان تؤدي الشكوك حيال كوريا الشمالية إلي ارتفاع الأسعار.
يبدو أن السبب أكثر عمقا، ويتساءل التجار ما إذا كانت أرضية أسعار البترول قد اختفت، فقد كان البترول علي مدي ثلاثة عقود اكثر سوقا مسيسة حيث كانت تتم السيطرة علي التقلبات من خلال قدرة السعوديين علي رفع وخفض انتاجهم وصادراتهم، وحافظ هذا التحكم علي الأوبك، أحد الاتحادات التجارية الاكثر استدامة في التاريخ الاقتصادي، كما حافظت تلك السيطرة علي قدر من الاستقرار خلال سلسلة من الحروب والازمات الاقتصادية المتوالية.
يكمن السؤال حالياً فيما إذا كان هذا التوازن مازال قابلاً للاستدامة، حيث يرغب غالبية منتجي البترول حول العالم ان تستمر الأسعار في الارتفاع اذ تقوم الموازنات القومية لإيران والعراق ونيجيريا وفنزويلا وغيرها من الدول الاخري بما في ذلك بالطبع الدول خارج منظمة الأوبك مثل روسيا علي أسعار البترول عند 100 دولار للبرميل أو أكثر، ولكن هل مازال بإمكان السعوديين ضبط إنتاجهم للدرجة اللازمة لتحقيق ذلك؟.
قد تغيرت الحسابات عن تلك الأيام التي كانت تتمتع فيها المملكة العربية السعودية بفائض مالي ضخم وكان بامكان السعوديين خفض ملايين البراميل يوميا من انتاجهم كما فعلت في الثمانينيات والتسعينيات لمواجهة تراجع الاسعار.
وقد وضع البحث الذي اعده جلادا لين وبول سيتيفينز من مؤسسة شاتام هاوس للدراسات البحثية البريطانية يده علي المشكلة الرئيسية، فقد ارتفعت الكثافة السكانية في السعودية من اقل من 10 ملايين نسمة في اواخر السبعينيات إلي أكثر من 20 مليون نسمة اليوم، ويعد غالبية السكان غير منتجين حيث يعيش الملايين من الافراد علي حساب اكثر الدول رفاهية في العالم، فهم قد ينتجون القليل ولكنهم يستهلكون الكثير خاصة إذا تعلق الأمر بالطاقة، ويعد قطاع النقل من اكبر القطاعات المستهلكة للطاقة، فالنساء غير مسموح لهن بالقيادة ولكن رجال السعودية المحظوظين بإمكانهم شراء جالون من البنزين مقابل 61 سنتاً امريكياً، ويعد تكييف الهواء مجالاً آخر لنمو الاستهلاك الضخم للطاقة في السعودية.
يحمل هذا النظام مشاكله الخاصة به حيث ارتفع استهلاك السعوديين من البترول لأكثر من 2.2 مليون برميل يوميا وهذا المعدل مستمر في الارتفاع، ما أدي إلي خفض الكمية المتاحة للتصدير حيث انخفضت الصادرات من 7.5 مليون برميل يومياً في 2005 إلي 5.8 مليون برميل يوميا في 2010 وشهدت مزيداً من الانخفاض منذ ذلك الحين، ولكن خفض عائدات التصدير يجعل الأمر اكثر صعوبة من اي وقت مضي لضمان سعادة وانصياع بعض السكان ممن يعدون عرضة لصافرات انذار المتطرفين الشيعة، كما ان ادارة مخاطر الربيع العربي كانت لها اضرارها.
كل ذلك يعني ان خفض 1.5 إلي 2 مليون برميل يومياً من الصادرات – أي الكمية اللازمة للحفاظ علي اسعار البترول عند 110 دولارات للبرميل – أصبح مستحيلاً، لا يستطيع أحد داخل منظمة الأوبك تحمل هذا العبء حيث ينتج تقريبا جميع الدول الاعضاء بالأوبك، ربما ماعدا الامارات والكويت، الحد الاقصي من قدرتها الإنتاجية لأنها في حاجة إلي العائدات.
لقد كنت اعتقد دوما ان السعوديين سيواجهون مثل هذا الاختبار عندما يتوصل الايرانيون التي تسوية بشأن العقوبات ويعود البرنت الايراني إلي الاسواق لكن هذا الاختبار جاء في وقت اقرب مما كان متوقعا.
سوف يشعر الكثيرون بسعادة غامرة إذا حطمت منظمة الأوبك اسعار البترول لتصل إلي مستوي اقل بكثير من 100 دولار للبرميل، فمن المؤكد ان يكون مثل هذا الانخفاض بمثابة دفعة لاقتصادات المناطق التي تقوم باستيراد البترول مثل أوروبا والولايات المتحدة والصين واليابان، ولكن سيكون هناك ايضا خاسرون ممن يشكلون ميزانياتهم القومية واعمالهم التجارية علي كون اسعار البترول تقف عند مائة دولار للبرميل أو اكثر.
المصدر: فاينانشيال تايمز








