بقلم: هانا ستيوارت
بعد أن صعدت من الطابق السفلي حيث تمضي وقتها مع العائلة في ممارسة لعبة تركيب الصور للاستراحة قليلاً من عناء اتخاذ القرارات في الشركة وبعد أن جلست علي أريكة مريحة أخذت المديرة الإدارية لمحطة « dmtv » القناة التلفزيونية الموجهة للرجال العرب تشرح كيف انتقلت العائلة المهتمة بمجال تصنيع الدهانات المتزعزعة إلي عملية انطلاق جديدة بلمسة نسائية.
توضح الصايغ قائلة: «كان أبي يستثمر في مشروعات عدة لذا كان الأمر في البداية فكرة للاستثمار وحسب» وقد ظهر شغفه الدائم لمشروعات جديدة يتجلي في: مجموعة شركات الصايغ المتنوعة، والتي تشمل «ناشونال سولفنت» و«الصايغ للإعلان»، في «البنك التجاري» الأردن و«الصايغ للإعلان و«قناة رؤيا» و«ناشونال بيتس» التي تعد الأقرب إلي قلب الصايغ إلا أن التحول من مشروع استثماري إلي قناة متطورة بالكامل لم يكن شيئاً سهلاً لديها كما أن وفاة سليم الصايغ في العام الماضي بعد كفاح ضد مرض السرطان جعلت العام 2012 عاماً صعباً علي هذه العائلة ذات الأصول الفلسطينية لكن بعد أن باشرت سمر في إعادة تنظيم المحطة ووضعت رؤية تتمثل في أن تكون الشركة مرجعاً يلجأ إليه الرجال للحصول علي المعلومات بأسهل الطرق وأسرعها باتت « dmtv » تسير علي الدرب الصحيح لإحراز التقدم.
كان عمر سمر الصايغ 24 عاماً فقط، وفي المراحل النهائية لنيل درجة الماجستير من الجامعة الأمريكية في باريس، عندما انضمت في العام 2008 إلي قناة « dmtv » التي كانت تدعي سابقاً بـ«صناع القرار» وفي البداية لم تكن القناة تحرز النجاح المنشود حين تسلمت سمر زمام الإدارة من أخيها الأكبر سامر الذي يترأس الآن شركة «دهانات ناشونال» تقول سمر موضحة: «عرفت أن هناك خطأ ما يتعلق بعمل القناة فالبرامج التي بثتها لم تكن تعكس اسم القناة وكانت تلك مشكلة واضحة» ونظراً لوجود برامج موجهة لرجال الأعمال والعائلات إلي جانب البرامج الصباحية المخصصة للمرأة فقد شاب هوية « dmtv » الكثير من الغموض غير أن إيجاد الحل لم يكن هيناً إذ تؤكد سيدة الأعمال الأنيقة قائلة: «لم يكن بوسعي إصلاح القناة دون البدء بإصلاح البرامج المطروحة» وعبر الاستعانة بوكالة «انتغرال للدعاية والإعلان صممت الصايغ علي أن تسلط تركيزها علي شئ محدد وأن تدخل مجال القنوات التلفزيونية المخصصة للرجال.
كما أنها عملت علي زيادة استثمارات الشركة البالغة حتي الآن إلي 19.3 مليون دولار بالإضافة إلي تجديد هذه العلامة التجارية بـ6 ملايين دولار اليوم أصبحت رؤيا المدير الإداري حقيقة حيث وصلت قيمة الأصول الملموسة للشركة إلي 5.037 مليون دولار بما فيها المعدات والاستديوهات أما الأصول غير الملموسة فقد وصلت إلي 5.5 مليون دولار.
ولدي شروعها في عملية الإصلاح الكامل بدأت المديرة الإدارية في الاستعانة بمصادر خارجية لإنتاج البرامج إذ توضح قائلة: «كان من الصعب الوصول إلي مستوي الإنتاج الذي اردته فمن يرغب في إعادة إطلاق شركته بحلة جديدة عليه أن يقدم طرحاً مختلفاً» ووفقاً لـ رنا بوخير مديرة التشغيل في dmtv لم يكن فعل ذلك سهلاً لاسيما مع وجود فريق يزيد عن 100 موظف ممن لم يكونوا منفتحين علي التغيير فتوضح قائلة: «لقد كانت سمر تسعي إلي تغيير الصورة بأكملها وقد حاولنا البدء بذلك مع الفريق القائم لكن الأمر لم ينجح وقتها».
وحسب بوخير كان قرار تسريح الفريق الأصلي من العمل والبحث عن مصادر خارجية من أصعب القرارات المهنية التي اتخذتها الصايغ لكن البدء من جديد مع 25 شخصا معظمهم نساء ممن يشاركون سمر شغفها كان هو المفتاح لتغيير القناة تقول بوخير: «ما يعرض علي قناة dm الآن يعكس رؤيتها بالضبط كما يعكس حلمها وتوجهها تماماً».
ونظراً لأن الصايغ تقف وحيدة في مجال صعب للغاية حيث تحظي معظم الشركات الإعلامية بدعم شخصيات حكومية كبري يشاطر أنطونيو شدراوي الرئيس المالي التنفيذي في شركة «كارات carat» بوخير إعجابها بقائدة «dm» فيقول: «ما أنجزته سمر وهي في أواخر العشرينات من عمرها يجد معظم الناس في سن الأربعين صعوبة بالغة في تحقيقه» وربما توجد هناك قنوات أخري تعني بأسلوب حياة الرجل لكن بالنسبة لشدراوي الذي قدم للشركة نصائح تتعلق بالاستراتيجية أثناء تحولها المضطرب فإن « dmtv » هي القناة الوحيدة التي تغطي طبقاً كاملاً من الموضوعات الساخنة للمشاهدين الرجال في المنطقة.
اليوم وكجزء من تعدها بتقديم محتوي ذا جودة عالية عبر برامج متنوعة في مجالات الأعمال وأسلوب الحياة والصحة واللياقة والأجهزة الالكترونية والتقنية تعتزم الصايغ طرح نماذج من البرامج المنتجة محلياً كي تخاطب المشاهدين العرب وبينما تواصل قناة « dmtv » استيراد البرامج من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة واستراليا إلا أنها تسعي كذلك إلي الاستفادة من الكفاءات الأكثر قرباً إلي الوطن بالتعامل مع شركات الإنتاج في لبنان والإمارات إذ تؤكد المديرة الإدارية بالقول: «أنا أؤيد وبقوة ألا نكتفي دائماً بالبرامج المستوردة من الغرب فقط».
أما بشأن الانتشار الجغرافي فإن القناة الفضائية المجانية تغطي دول مجلس التعاون الخليجي وبلاد الشام وشمال افريقيا مع وجود نسبة مشاهدة مرتفعة في مصر لكن التركيز ينصب بشكل أساسي علي دولة الإمارات العربية المتحدة إذ أسهمت كل من «دو du» و«إي فيجن e vision» في تسهيل الوصول إليها والآن تخطط سمر الصايغ للتوسع في المملكة العربية السعودية.
وبالإضافة إلي أن خطط التوسع ذات كلفة عالية وفوق ذلك تظل إيرادات الإعلانات متقطعة بسبب عملية إعادة التنظيم التي أجريت العام الماضي، والأمر ذاته ينطبق علي المشاهدين إذ تقول الصايغ: «لا يمكنني أن أحدد لك رقماً ثابتاً لأننا بدأنا للتو في حلة جديدة، علي الرغم من أن عدد المشاهدين بقدر ما تهتم بعددهم ويدل علي ذلك قولها: «أخشي دوماً من أن تضر مشاهدة النساء للقناة بتعهدنا في أن تكون موجهة إلي الرجال فقط لذا أقول لصديقاتي أن يحرصن علي المشاهدة برفقة أزواجهن».
ربما أن « dmtv » لاتزال تشق طريقها بعد مرور عام علي إعادة الإطلاق لكن الانجازات التي حققتها فيها صانعة القرارات الشابة مثيرة للإعجاب إذ نظراً لتوليها زمام الأمور دون امتلاك خبرة تلفزيونية أو مهنية مسبقة في هذا الشأن ما عدا فترة تدريبية في صحيفة نيويورك تايمز وقضاء العطلات المدرسية في مساعدة والدها يعد إجراء التحول في قناة تلفزيونية عملاً فذاً حتي لدي أعظم الشخصيات الإعلامية المتمرسة.
وبعد أن تعمقت في العمل منذ فترة مبكرة من مسيرتها المهنية ـ باتت الصايغ تدرك كلاً من الضغوط والتصورات الناشئة عن العمل لدي العائلة فتقول: «أري أن أكبر التصورات خطأ هو الاعتقاد بإمكانية الراحة فالأشخاص المتواجدون في شركات عائلاتهم لا يكفون عن العمل» كما أن صناعة الإعلام لا تكف عن التقدم فهي تري أنه: «لا يمكنك الاعتذار عن أداء واجبك مهما كانت الظروف» لذا فإن الصايغ ملتزمة بالقيام بعملها علي أتم وجه وهي تؤكد علي أنها وعائلتها محظوظون لأنهم يحبون عملهم.
في البداية رغبت سمر بكسب الخبرة من أي مكان آخر قبل الانتقال للعمل في شركة العائلة لكن والدها كانت لديه خطط أخري تتبسم سمر قائلة: «لقد التزم الصمت أول الأمر، لكن ما إن بدأت أخوض المقابلات الوظيفية حتي قال لي: «كلا لن تعملي في أي مكان آخر».
وتري سمر أنه من الصعب عليها أن تتحدث عن أثر فقدان الرجل الذي تعده مثلها الأعلي، فهي تقول: «سيستغرق ذلك شرحاً طويلاً» كما أن الوقت الثمين الذي أمضته مع والدها في أواخر فترة مرضه منحها الفرصة لطرح الأسئلة الصحيحة لكنها تتحسر قائلة: «بالطبع لم يكن ذلك كافياً فأنا أسأل نفسي دائماً: ماذا كان سيقول لو سألته عن هذا الأمر أو ذاك؟»
وبالنسبة لمديرة « dmtv » فإن الطريقة التي تلقي فيها المجتمع خبر وفاة والدها يشي بالكثير مما فعله في حياته لأن: «الكثير من الناس يتذكرون أفعاله الخيرة» وهذه الأفعال هي الإرث الذي تأمل الصايغ في أن تحمله معها خلال مشوارها المهني ومثلما تري أبواب منزل الصايغ مفتوحة علي مصراعيها اليوم فهي علي الحال نفسه مع مكتب سليم الصايغ تهتف الابنة المتعلقة بأبيها قائلة: «لا أعرف كيف استطاع فعل ذلك فأنا أقول لنفسي دائماً: سأصبح مثله يوماً ما لكني لم أنجح في هذا بعد.
وبالرغم من تمتعها بالكفاءة والاقتدار كسيدة أعمال تعترف الصايغ أن الرغبة تراودها أحياناً في الابتعاد عن المكالمات الهاتفية المتواصلة والقضايا الملحة التي تستدعي اهتمامها.
وفي حين أن سمر تحتاج إلي بعض الوقت كي تتقن قدرة أبيها علي الجمع بين إدارة الأعمال وإيجاد متسع من الوقت لكل شخص يطرق بابه تجد أن إعادة تنظيم قناة « dmtv » قد أتاحت مجالاً واسعاً للنمو مع ذلك تري السيدة الطموحة التي ولدت وترعرعت في دبي أن هناك فسحة إضافية لإدخال التحسينات فتقول: «هناك المزيد مما يمكن للمرء فعله دائماً لكنه لا يشعر بالرضا الكامل مطلقاً».
ويعد التواصل مع المشاهدين من بين الجوانب التي تقتضي التحسين دائماً ففي ظل المنافسة المشتعلة بين التلفاز ووسائل الإعلام المرتكزة علي شبكة الانترنت تعمل المديرة الإدارية علي إقامة صلاة أقوي مع المشاهدين من خلال تقديم محتوي حديث قد يتضمن الانتقال إلي الفضاء الرقمي أو حتي الإعلام المطبوع في المستقبل كما تخطط الصايغ أيضاً إلي استعادة حركة الإنتاج إذ تقول: «أنوي الآن التوسع في المجموعة.. لذا سنقوم بمعاودة إنتاج محتوياتنا الخاصة من جديد».
ولدي استفساري حول إمكانية افتتاح قناة « dmtv » أخري للمرأة أجابت سمر بكلمة «لا» مدوية مبررة ذلك بوجود العديد من القنوات التي تلبي احتياجات المشاهدات من النساء وفيما يعد تقديم البرامج التي تناسب أذواق المرأة أمراً مستبعداً حالياً تبقي الصايغ المجال مفتوحاً أمام طرح مقترحات أخري وتقول: «من مزايا إدارة هذه القناة الصغيرة والحديثة أني منفتحة دائماً علي الأفكار الجديدة».
استطاعت سمر الصايغ وهي في الـ28 من عمرها وبدعم من عائلتها المترابطة أن تقوم قناة « dmtv » نحو النجاح، بل وأعادت صياغة ملامحها فملأت فراغاً مهماً في مجال القنوات التلفزيونية الموجهة للرجل ومع انتقال سمر السريع من الدراسة الأكاديمية إلي إدارة شركة مكتملة التطور قد يتساءل البعض ما إذا كانت تشعر بأنها أضاعت علي نفسها بعض الفرص بسبب لذلك لكن ـ سيدة الأعمال الوفية لأفراد عائلتها وللمشروعات التي أنشؤوها ـ لا تجد حلماً أجمل من السير بشركة العائلة نحو النجاح فهل لديها ما تندم عليه؟ تجيب: « كلا.. ليس بعد».








