4200 ضابط عملاء لمافيا المخدرات فضحتهم أجهزة كشف الكذب
4 حالات سرقة سيارات يومياً في مدينة مونتيري الصناعية بدلاً من 45
مشروع قومي لتشكيل وحدات شرطة مدنية خضعت لتدريبات عسكرية
في دولة مثل المكسيك تعاني من ارتفاع مستوي الفقر وانتشار المناطق العشوائية حيث تنبت بذور الجريمة وتترعرع شجرتها يكون من الصعب التعامل مع الفوضي المنتشرة في كل مكان وسط عجز أمني كبير لأجهزة الشرطة رغم التعاون مع الجيش في هذا الصدد.
لكن المكسيك قدمت نموذجاً مختلفاً من التعاون بين القطاع الخاص و رجال الأعمال الأثرياء والدولة بأجهزتها المختلفة في مواجهة أعمال البلطجة ومافيا المخدرات والعنف.
فعلي جانب تل منخفض وسط مدينة مونتيري المكسيكية أكبر المدن الصناعية في البلاد تقع مقاطعة اندبندينيشيا الفقيرة حيث تنتشر عربات تجرها الحمير لنقل البضائع الثقيلة، بينما علي الجانب الآخر من التل تقع مقاطعة سان بيدرو جرازا جرتسيا أكثر مناطق أمريكا اللاتينية ثراء وتضم كبريات الشركات.
كان العنف في المنطقة هو أهم صور التعبير عن الفوارق الاجتماعية بين المقاطعتين حيث كانت تندلع معارك الرصاص بين عصابات تهريب المخدرات لتنطلق من اندبندينيشيا إلي محيط قصور سان بدرو الفاخرة، حتي انتشرت جرائم القتل في الأخيرة نفسها.
وباتت سان بدرو تشبه ولاية تكساس الامريكية التي تعاني يومياً من جرائم التهريب والقتل وخطف السيارات والاغتصاب وهو ما أدي إلي نزوح عائلات غنية من تكساس واطلق لوزانزو زامبرانو، رئيس شركة سيمكس لإنتاج الأسمنت العملاقة في مونتيري علي العائلات الهاربة « الجبناء ».
أدت الصدمة إلي ردود فعل ايجابية شجعت علي اتخاذ خطوات بناءة لمعالجة المشكلة التي ارقت المستثمرين الأثرياء ودفعتهم للهروب حيث كان المجتمع يعاني من السلبية وأحيانا الرضاء عن الجهد المبذول فضلاً عن بدء حالة من التعايش مع الأزمة وسط انقطاع الاتصال بين الحكومة والأجهزة المعنية والمواطنين.
لكن وصف زامبرو للهاربين بـ « الجبناء » كان دعوة للأغنياء للصمود ومواجهة اعمال البلطجة والإجرام بدلاً من ترك أعمالهم والانتقال إلي مكان آخر فيما يشبه الترحيل القسري تحت ضغط تهديدات العنف.
وبدأت بالفعل خطة للتعاون بين المجتمع المدني والحكومة ممثلة في ولاية نيوفو ليون التي ضم مدينة مونتيري وهبط بالفعل معدل جرائم القتل عن المتوسط العام الذي ساد لفترات طويلة بينما هبطت معدلات الجرائم الأخري مثل سرقة السيارات بنسب كبيرة فهبطت من 45 حالة يومياً في يوليو 2011 إلي 4 حالات فقط في ابريل 2013.
وتعقبت الحكومة أكبر عصابات تهريب المخدرات « زيتس » حيث قتل معظم أفرادها أو دخلوا السجن بحسب تقارير الشرطة.
وارتكز دور القطاع الخاص علي تقديم الدعم المالي والتعاقد مع خبراء فنيين لمساعدة الحكومة في وضع الخطط المناسبة لإعادة تأهيل الشرطة لمواجهة الجرائم التي تقوم بها عصابات خطرة وتعتمد علي اساليب متطورة في تنفيذ انشطتها المخالفة للقانون.
وتمثلت الخطوة الأولي في مواجهة اعمال العنف في الشارع المكسيكي في تنقية اجهزة الشرطة من الاختراق الذي تقوم به « المافيا » حيث انتشرت عيون لها داخل الأجهزة الأمنية للتعرف علي الخطط وتسهيل اعمال تهريب المخدرات حيث تم فصل أو سجن 4200 شرطي بعد الفشل في اختبارات كشف الكذب أواختبارات أخري مهنية.
كما تمت الاستعانة بقوات مشاة البحرية التابعة للجيش في تنفيذ عمليات أمنية كبري وحفظ الأمن في المقاطعات الخطرة ثم قامت الحكومة بإنشاء وحدة مسئولة عن بناء جهاز شرطة جديد يعمل علي مستوي البلاد يحمل اسم القوة المدنية لدعم عمل اجهزة الشرطة التقليدية بعد تنقيتها وذلك بناء علي دراسة اعدتها مؤسسة تنمية موارد بشرية هي الأكبر في مونتيري لصالح الحكومة.
وتم تشكيل هذه القوة الشرطية الجديدة من عناصر مدنية لم تعمل من قبل في أي جهة مسئولة عن تنفيذ القانون وتم عمل اختبارات نفسية للمتقدمين بخلاف الحصول علي تدريبات عسكرية.
وتم وضع رواتب مرتفعة لهذه القوات حيث يحصل الفرد مع بداية عمله علي 1175 دولاراً شهرياً وهو ضعف ما يحصل عليه رجل الشرطة التقليدي.
يسكن أفراد جهاز الشرطة الجديدة في معسكرات منتشرة علي طرق تواجد عصابات المخدرات بحيث يكون من الصعب مراوغتهم بسبب كفاءة الانتشار.
ونفذت هذه القوات دوريات في مونتيري وهي ترتدي الزي المصمم بذكاء حيث أعطي مظهرهم للسكان الثقة فيهم وهو ما دفع المواطنين للتعاون معهم.
وقد قامت مؤسسة تجارية بتأسيس نظام مراقبة لهذا الجهد لقياس الفارق في الحالة الأمنية قبل وبعد تواجد هذه القوات في المناطق المحلية التسع لمونتيري.
وساعدت مؤسسات اخري في تمويل شبكة دمج اجتماعي تعمل علي تشجيع الناس علي الابلاغ عن الجرائم حتي التي يرتكبها أفراد من الجيش أو الشرطة وهو ما ساعد الناس علي التخلص من السلبية وانعدام الثقة في أجهزة الدولة.
وقررت الدولة رفع ضريبة الرواتب من 2 إلي 3% حتي 2015 لتمويل الانفاق علي فرق الشرطة المدنية التي تشبه اللجان الشعبية التي عملت ابان الثورة الامريكية في القرن قبل الماضي.
واستهدفت الضريبة دعم خطط الحكومة لزيادة عدد القوات من 3300 إلي 7 آلاف ضابط بحسب رئيس أركان قوات الامن جورج دومين.
لكن رجال الاعمال حذروا من سوء استغلال هذه الأموال لدعم الموازنة العامة التي تعاني من تضخم الدين العام حيث ستوفر هذه الضريبة للموازنة زيادة قدرها 1.6 مليار بيسو مكسيكي سنوياً لترفع مخصصات موازنة قوة الشرطة المدنية البالغة 800 مليون بيسو بنسبة 100% لتصبح 1.6 مليار بيسو بحسب تأكيدات دومين.
وتطالب الحكومة رجال الأعمال بزيادة نفقاتهم لدعم الجهود الأمنية التي تراجعت في العامين الأخيرين إلي 100 مليون بيسو فقط،
قال بيدرو توريز خبير مكافحة الجريمة في مونتيري ان كون المنطقة صناعية وثرية يجعل صوت القطاع الخاص مسموعاً لدي الحكومة، كما أن توفير التمويل ساعد في نجاح الجهود وهما ميزتان غير متوفرتين في مناطق أخري من المكسيك تعاني من انتشار الفوضي والعنف.
ساهمت هذه الجهود في استعادة الامن في مونتيري لترتقي إلي مستوي العاصمة مكسيكو سيتي حيث انخفاض معدل الجريمة بفضل التواجد الأمني الكبير لكن هذا لا يعني وقوع جرائم تهز المجتمع من آن لآخر ترتبط بمافيا المخدرات.
هذه الأحداث الكبيرة تؤكد علي أهمية توجه الانتباه بقدر مناسب نحو جهود الاندماج الاجتماعي للشباب الذي تدفعه ظروفه الصعبة الاقتصادية والاجتماعية إلي التعاون مع المجرمين وتجار المخدرات.
ويجب أن يكون التركيز بحسب مجلة الإيكونوميست البريطانية علي سبل توفير وظائف جيدة وتعليم متميز للشباب في المقاطعات الفقيرة لتجنب مستنقع الجريمة.