وحان الوقت للتوقف عن اعتبار الاحتياطيات الضخمة قوة مالية، بل هى فخ يزيد تعقيد صناعة السياسة الاقتصادية
وينبغى على آسيا التوقف عن زيادة اصولها من الدولار وتفكر فى طرق لاستعادة المزيد من أموالها إلى الوطن
بقلم: ويليام بيسيك
أصبحت كلمة وزير الخزانة الامريكية الأسبق جون كوناللى «الدولار عملتنا، ولكنه سيصبح مشكلتكم» فى عهد ريتشارد نيكسون لمجموعة من وزراء المالية الأوروبيين القلقين من انتقال التضخم الأمريكى لهم عبر احتياطيات الدولار ، ذات أهمية فى الوقت الذى يشهد فيه البيت الأبيض معارك بشأن رفع سقف الديون الأمريكي.
وبعد 42 عاماً أصبحت آسيا تجلس على احتياطيات بقيمة 7 تريليونات دولار معظمها من الدولار، ودخلت البنوك المركزية الآسيوية فى سباق للتسليح المالى بعد أزمة عام 1997، وأصبح تكدس الدولارات كأداة دفاعية ضد التقلبات، وتغيرت الخارطة المالية بطريقتين: الاولى أن آسيا أصبحت لديها الأسلحة لمواجهة تقلبات السوق ولكن لا تعرف كيفية استخدامها، والثانية أن آسيا أصبحت فى جوهرها مصرفاً للولايات المتحدة خصوصا الصين واليابان.
وقد تبدو مشكلة التضخم أقل إشكالية لولا المشاجرات غير المجدية بشأن رفع سقف الدين وتستعد آسيا الآن لأشهر من القلاقل عندما تبدأ تلك المجادلات نظرا لأنها تتسبب فى تخفيض قيمة الدولار أمام العملات الآسيوية مما يضر باقتصاداتها المعتمدة على انخفاض العملات المحلية، وفى أحسن السيناريوهات سوف يهدد المصرفيون فى واشنطن بالمطالبة بقروضهم، أما الدول الآسيوية فسوف تضغط على البيت الأبيض وقادة الكونجرس للجلوس سويا والتوصل لحل.
وحان الوقت للتوقف عن اعتبار الاحتياطيات الضخمة قوة مالية، بل هى فخ يزيد تعقيد صناعة السياسة الاقتصادية، كما حان الوقت لآسيا حتى تبحث عن مخرج.
وتعد الصين مستثمراً كبيراً فى سندات الخزانة الأمريكية، لذا لا عجب أن تكون اول زيارة خارجية لوزير الخزانة الجديد جاكوب لو فى مارس الماضى إلى الصين لمقابلة الرئيس الصينى شى جين بينج، وربما أرسل «لو» إشارة لـ«شي» هذا الأسبوع من خلال حث الكونجرس على التصرف بطريقة لا تتسبب فى مشكلات مالية.
ومع ذلك فقد أصبح التعرض للسندات الأمريكية محدودا حيث ينشغل شى ورئيس الوزراء لى كيه تشيانج فى عملية إعادة توازن خطيرة، محاولين فطام الاقتصاد الصينى عن الصادرات دون إثارة اضطرابات اجتماعية.
وقد تؤدى أى خلافات أخرى بشأن سقف الديون إلى تقلبات فى الأسواق وانخفاض قيمة الدولار أمام اليوان مما ينتج عنه خسارة عشرات المليارات من الدولارات فى محفظة الصين للاستثمار فى سندات الخزانة.
كما يواجه شينزو آبى فى طوكيو معضلة مشابهة حيث يعتمد رئيس الوزراء على بقاء قيمة الين ضئيلة للقضاء على الانكماش واستعادة النمو المنتعش.
وكلما ترفع آسيا من ممتلكاتها من الديون الأمريكية، يصبح من الأصعب بيعها، وإذا تسرب إلى المتداولين أدنى شعور بأن الصين تبيع كميات كبيرة من ممتلكاتها البالغة قيمتها 1.3 تريليون دولار، سوف تصاب الأسواق بهزة كبيرة، وينطبق الأمر ذاته على ممتلكات اليابات البالغة 1.1 تريليون دولار.
وينبغى على آسيا التوقف عن زيادة اصولها من الدولار وتفكر فى طرق لاستعادة المزيد من أموالها إلى الوطن، واستخدامها فى البنية التحتية والتعليم والبحث والتطوير وغير ذلك، ولكن السؤال، كيف ذلك؟
لا يشكل الأمر مشكلة للدول الآسيوية ذات احتياطيات الدولار الأصغر مثل كوريا الجنوبية أو الفلبين، أما بالنسبة للدول الأكبر، فيمكن لواشنطن مساعدتها من خلال تجنب قتال آخر بشأن رفع سقف الدين، كما ينبغى على وزارة الخزانة التشارك مع نظرائها الآسيويين فى عملية تعاونية وشفافة لتخفيض احتياطياتها دون تدمير الأسواق.
ومن مصلحة الولايات المتحدة أن تبقى معظم ديونها محلية على غرار اليابان من خلال إغراء الشركات المحلية الغنية بشراء المزيد من السندات، وهذا يجعلها أقل عرضة لهروب رؤوس الأموال فى المستقبل.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء بلومبرج








