بقلم: حسن طارق الحسن
لم تكن ضعف حماسة عمان لاتحاد دول التعاون الخليجى مفاجأة للحضور فى حوار المنامة، إلا أن الصراحة التى عبر بها وزير الخارجية العمانى يوسف بن العلوى عن موقف بلاده لم تكن معتادة، وجاء كلامه كالنسيم البارد بعد النقاش الذى ساده التوتر والخوف الجيوسياسي.
وعندما أطلق الملك عبدالله للمرة الأولى دعوته لاتحاد خليجى رسمى فى ديسمبر 2011، قامت ثورات الربيع العربى فى تونس ومصر وليبيا وأطاحت بحليفها القديم حسنى مبارك، ثم اقتربت بشكل مخيف للباحة الخلفية للمملكة فى البحرين وفى المنطقة الشرقية أيضاً.
وبعد عامين من الثورات ونجاة دول الخليج منها، عاد الحلفاء الأمريكيون والبريطانيون – رغم ترددهم قليلا – لتأكيد التزامهم بضمان الأمن فى الخليج.
وهذا يقودنا إلى العرض العمانى بشأن مشروع الاتحاد الخليجي، والذى لا يسعنى سوى التعاطف معه فبدلاً من الاستسلام للمخاوف القائمة بشأن التهديدات الجيوسياسية أو الداخلية – سواء إيران أو الربيع العربى – والتركيز على إعلان اتحاد سياسى إشكالي، يجدر على دول مجلس التعاون الخليجى تحويل انتباههم نحو تكامل اقتصادى وتنمية موضوعيين.
وأضيف على ذلك تقوية العمل العسكرى الميدانى المشترك، ونوعا ما، نحن نواجه وضعاً ساخراً قد يعوق وحدة فعالة من خلال حديث غير مجد عن اتحاد رسمي.
وكان لدى العمانيين الحق فى التأكيد على التكامل الاقتصادى الذى يعد مكوناً جوهرياً لمجلس التعاون الخليجى ولكنه غير مكتمل، وكما حاولت أن أثبت بشكل موسع سابقاً فى مقال سابق لي، فإن دول المجلس لطالما تجنبت معالجة بعض أكثر القضايا إلحاحاً بعد اتفاق اتحاد الجمارك فى 2003.
ومن بين تلك القضايا، قضية تنقل العمالة داخل الدول الأعضاء فى المجلس أى قدرة مواطنى أحد دول المجلس على العمل فى الأخرى دون قيود، وقضية التطبيق الفعلى للاتفاقية القومية لمستثمرى دول المجلس، وتنسيق القوانين التنظيمية فيما بينهم.
وتعد تلك الخطوات رئيسية لتحطيم الحواجز وتأسيس سوق واحد بإمكانه معالجة الكثير من فجوات المهارات لدى العمالة الخليجية ومشكلات البطالة.
ومما يدعو للتفاؤل، أن قادة دول مجلس التعاون الخليجى بدأوا يبدون علامات الالتزام بتقوية مجهودات الدفاع المشركة، بعد عقود من عدم تزعزعهم عن تفضيل للاتفاقات ثنائية الجانب مع القوى الغربية، وما شجعهم على ذلك، هو أن الولايات المتحدة المثقلة بالديون والمرهقة من الحرب سوف ترغب فى رؤيتهم يتحملون عبئاً أكبر لحماية أمنهم الخاص.
وفى البيان الختامى لقمة دول المجلس، أعلنوا بتفاؤل تأسيس قيادة دفاع مشتركة من شأنها المساعدة على تجميع الدول الأعضاء تحت نظام دفاعى صاروخى واحد وأنظمة تحذير مبكر مشتركة، وآمل أن يستغل دول المجلس أموالهم ليفعلوا ما يقولون.
وعلى النقيض،لا تتفق الدول الأعضاء بشأن قضايا السيادة السياسية القومية والسياسة الخارجية، ومما يثير السخرية أن كلتيهما ركنان أساسيان فى المسعى إلى اتحاد خليجى رسمي.
وأوضح وزير الدولة للشئون الخارجية السعودي، نظير بن عبيد المدني، فى خطابه فى حوار المنامة أن دول مجلس التعاون الخليجى سيكون عليها فى النهاية التخلى عن الأفكار التقليدية المتعلقة “بالسيادة” لكى تتقدم نحو اتحاد سياسى رسمي، ولم تفعل تعليقاته سوى إثارة مخاوف الدول الأصغر مثل عمان والإمارات والكويت وقطر القلقين من تسليم سيادتهم القومية للسعودية.
والتوتر بين دول مجلس التعاون الخليجى بشأن السيادة والسياسة الخارجية – محور أى نقاش بشأن اتحاد سياسى رسمى – قائم ولكنه صحي، وهذا خلافا لتصريحات الأمير السعودى تركى الفيصل الذى دعا لـ «اتحاد خليجى مع عمان أو بدونها».
وانا أعتقد أن دول مجلس التعاون الخليجى ستكون أفضل حالا إذا حافظت على تماسكها وركزت على الموضوعات القابلة للتحقيق وذات الأهمية، وبذلك أعنى التكامل الاقتصاد العميق والعمل العسكرى المشترك الذى لطالما أهملته.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: موقع جولف نيوز








