وضعت الحكومة بقرارها الأخير إعلان جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، مدير تسويق مصر وقناص الاستثمارات، أسامة صالح، وزير الاستثمار فى ورطة، فكيف لوزير أن يروج للاستثمار فى بلاد تحارب جماعة إرهابية، وتموج بها القلاقل التى لا تهدأ منذ عزل الرئيس السابق محمد مرسى، وربما لن تنتهى إلا بتنفيذ جميع الاستحقاقات الانتخابية بناء على خارطة الطريق السياسية.
ورغم هذا التحدى الكبير الذى يواجه خطة الحكومة جذب ما بين 4 مليارات دولار استثمارات أجنبية العام المالى الجارى، فإن وعود أسامة صالح للمستثمرين، سواء المحليين أو الخارجيين، ستكون على المحك خلال العام الجارى 2014، خاصة فيما يتعلق بانجاز تعديلات تشريعية، تؤكد احترام الدولة لتعاقداتها، وتوفر مزيداً من الضمانات وحوافز الاستثمار، ووضع حد لسيل الدعاوى القضائية ضد عقود الاستثمار، وفى الوقت نفسه تنفيذ أحكام استرداد شركات الخصخصة، وتنفيذ مبدأ سيادة القانون.
فبينما يعمل الوزير حالياً على إعداد تعديلات تشريعية تضمن حقوق المستثمرين وتطمئنهم على مشروعاتهم القائمة والمنتظرة، يسعى الوزير لطمأنة مجتمع الأعمال الدولى والمحلى على الأوضاع فى مصر لتسهيل تدفق استثمارات تسعف الاقتصاد المنهك، كما أن عليه أن يشكل لجنة تتابع تنفيذ جميع التعهدات الخارجية والداخلية بالاستثمار.
ولم يعد أمام الرجل ما يدافع به عن البلاد وما يبشر به من فرص قوية فى السوق المحلى سوى التأكيد على عزم النظام السياسى والحكومة على استكمال خارطة الطريق بعد انتهاء كتابة الدستور والدعوة للتصويت عليه خلال الأيام القليلة المقبلة.
«متفائل بتحقيق 5 مليارات دولار استثمارات أجنبية مباشرة خلال العام المالى الجارى».. هكذا يتمنى وزير الاستثمار فى الوقت الذى لم تحقق فيه البلاد سوى 2.1 مليار دولار خلال العام المالى 2010-2011 ونفس القيمة خلال 2011-2012، ونحو 1.6 مليار دولار فى 2012-2013، منها 300 مليون دولار فقط خلال النصف الأول من العام المالى.
يسابق وزير الاستثمار الزمن لإنجاز تعديلات تشريعية يقول إن الحكومة تعدها من تلقاء نفسها لتهيئة مناخ الاستثمار، ويعلم الجميع أنها مطلوبة بشكل أساسى من مستثمرى الخليج الذين أبرزوا حضوراً طاغياً فى الساحة الاقتصادية المصرية خلال الشهور الماضية دعماً للنظام السياسى الحالى.
نجح أسامة صالح، بالتعاون مع وزير الدولة الإماراتى الدكتور سلطان الأحمد الجابر، فى جذب أكثر من 500 مستثمر خليجى خلال منتدى الاستثمار الخليجى الذى عقد مطلع الشهر الماضى ليعرض عليهم فرص الاستثمار فى مصر و60 مشروعاً أعدتها الحكومة وطرحت إمكانية مشاركتهم فيها.
أعقب صالح المنتدى بزيارة إلى دولة الكويت، ضمن خطة أعلنها للقيام بجولة خليجية للترويج للاستثمار فى مصر على اعتبار أنه فرصة حقيقية لرجال الأعمال لتحقيق عوائد مجزية، وليس فقط لدعم «الأخوة المصريين» كما جاء على لسان رجل الأعمال الكويتى قتيبة الغانم فى مؤتمر صحفى بوزارة الاستثمار.
ورغم الاهتمام الخليجى بالاستثمار فى مصر خاصة فى الفترة الصعبة التى تمر بها حالياً، لكن وزير الاستثمار أسامة صالح بات مطالباً باثبات جدية الدولة فيما طرحته من مشروعات، وقدرتها على اتخاذ القرار من قبل المسئولين الحكوميين وتجاوز البيروقراطية.
لم تخل تصريحات المستثمرين الخليجيين الذين زاروا مصر خلال الفترة الأخيرة، سواء فى منتدى الاستثمار الخليجى أو لتدشين الجمعية السعودية المصرية لرجال الأعمال، من التأكيد على أهمية حماية عقود الاستثمار وإنفاذها، خشية التعرض لأحداث مماثلة لما جرى بعد ثورة يناير من بطلان لعقود الخصخصة والأراضى والتى أصابت فى معظمها شركات خليجية.
تساءل عبدالحميد أبوموسى، رئيس الجانب المصرى لمجلس الأعمال السعودى المصرى، أمام الوزير، عن كيفية مطالبة المستثمرين بإقامة مشروعات جديدة وضخ استثمارات كبيرة فى مصر وهم يواجهون مشكلات وأحكام جنائية تخص مشروعاتهم القائمة.
إذا نجح أسامة صالح خلال العام الجديد باستصدار التعديلات التشريعية التى أعلن عنها خلال الفترة الأخيرة فربما تشهد مصر تحول فرص الاستثمار المطروحة إلى مشروعات حقيقية.
غير أن الوزير محاصر أيضاً بتعقد للمشهد السياسى والتوترات المستمرة فى الشارع بالإضافة إلى ما يعرف بالأيدى المرتعشية فى صفوف المسئولين الحكوميين الذين يفضلون عدم توقيع أى قرار قد يسير بهم إلى مصير مسئولين سابقين انتهى بهم الحال فى السجون وساحات المحاكم، فضلاً عن مشكلات تنفيذ أحكام القضاء باسترداد الشركات التى سبق خصخصتها، وما يترتب على هذه الإجراءات من توفير مخصصات من جانب الحكومة لتشغيل هذه المنشآت والتعويضات التى سيطالب بها المستثمرون الذين صدرت ضدهم هذه الأحكام.
على الرغم من الرفض الإعلامى والشعبى لما طرحته الحكومة من دراسة استصدار قانون لتحصين كبار المسئولين، لكن الوزير والحكومة يعملان على إصدار القوانين واللوائح التى تمكن المسئول من اتخاذ القرار الذى يراه مناسباً دون ملاحقته فى وقت لاحق طالما لم تثبت عليه سوء النية أو الانتفاع.
وهذه القيود وغيرها، دفعت الدكتور هانى سرى الدين، الاقتصادى المعروف رئيس مكتب سرى الدين للاستشارات القانونية، للمطالبة بضرورة تعيين أسامة صالح نائبا لرئيس الوزراء لملف الاستثمار رئيساً لهيئة الاستثمار وإلغاء الوزارة، حتى يمكنه العمل بشكل أفضل خاصة لطبيعة عمله المتداخلة مع جميع الوزارات الأخرى.
كما يحمل الوزير على كتفيه أزمات شركات القطاع العام وإضرابات عمالها المتواصلة، وهو ما دعا أحد خبراء الاقتصاد، حسن هيكل الرئيس التنفيذى السابق للمجموعة المالية هيرميس، باقتراح إنشاء صندوق سيادى يضم كل أصول الدولة وشركاتها، وإداراته عن طريق فريق محترف ومتخصص بما يضمن تحقيق أفضل العوائد منها.
وأسامة صالح ليس بغريب على العمل الحكومى، الذى دخله عام 2005 برئاسة هيئة التمويل العقاري، والتى استمر فيها لأربع سنوات، ثم رئيساً لهيئة الاستثمار، قبل أن يعين وزيراً للاستثمار فى حكومة الدكتور هشام قنديل فى الفترة من 30 يونيو 2012 وحتى مايو 2013 ليحل مكانه الوزير الإخوانى يحيى حامد، قبل أن يعود بعدها لنفس المنصب فى حكومة الدكتور حازم الببلاوى عقب الاطاحة بحكومة هشام قنديل.
