بقلم: أندريه زوبوف
تحتل روسيا حالياً إقليم القرم، مخالفةً بذلك كل قواعد القانون الدولى والمعاهدات التى وقعت عليها موسكو بنفسها، وأصبحت الآن كدولة مارقة يتبرأ منها الجميع حتى حلفاؤها التقليديون.
ولكن لماذا يقوم الرئيس بوتين بهذه الأفعال التى تعد غير محتملة طبقا للممارسة السياسية الحديثة؟ وماذا يريد بالفعل الرئيس الروسى وزملاؤه؟ هل هو القرم؟ غالبا لا.
بالطبع، القرم بمثابة قطعة جميلة من التاريخ الروسى، وهى منطقة تتمتع بأفضل المنتجعات والمناظر الطبيعية الخلابة والقواعد العسكرية ذات الأهمية الاستراتيجية، ومن يسيطر على القرم يسيطر على البحر الأسود.
ولكن الروسيين لم يشعروا يوماً ما بأى عوائق فى القرم الأوكراني، كما أن القاعدة البحرية الروسية هناك لم تصل أبداً إلى حد التشغيل الكامل، ولم تكن القيادة الروسية يوما مهتمة بالسيطرة على البحر الأسود، لأنها كانت منشغلة بحشو جيوبها على حساب الشعب.
كما أن غزو القرم لا يمكن تفسيره على أنه بسبب القلق على المدافعين عن روسيا فى الإقليم لأن حكام روسيا لا يهتمون حتى بشعبوهم ويسرقونهم فكيف يتأتى لهم أن يهتموا فجأة بذوى قربتهم فى القرم؟ خاصة أن لا أحد اضطهد الروسيين فى القرم، بل إن الروسيين مواطنون من الدرجة الأولى هناك، واللغة الرسمية فى القرم هى الروسية.
وبالتأكيد يوجد روسيون فقراء فى القرم، ولكن عبر أوكرانيا بأكملها يعيش معظم الشعب فى فقر مدقع.
وأعتقد أن أهداف بوتين تتخطى بكثير شبه جزيرة القرم، أولاً لأن الحكام فى روسيا مرعوبون من أن تتكرر حركة الاحتجاجات فى الميادين الأوكرانية فى روسيا، كما أن مصير الرئيس الأوكرانى المطاح، فيكتور يانوكوفيتش، يخيفهم، كما أنهم مذعورون من روح الميدان المناهضة للشيوعية بقوة.
وقد قامت الثورة فى أوكرانيا وسط تحطيم تماثيل القادة السوفيتيين السابقين مثل لينين وكيروف ودزيرجينسكي، أما فى الجارة الروسية، وبعد 25 عاما من حظر الحزب الشيوعى فمازال ضريح لينين فى الساحة الحمراء وتماثيله قائمة، ففى روسيا، لدينا مسخ للنظام الشيوعي، أما فى أوكرانيا فنجد تحولاً حاسماً عنه.
وهذا يخيف ضباط الاستخبارات السوفييتية الذين يحكمون روسيا اليوم، كما أن ذلك سبب وصف وسائل الإعلام الروسية للمشاركين فى الميدان بأنهم «فاشيون»، وهو منطق مألوف للكثيرين من المسنين الروسيين: «إذا كنت تعارض الاتحاد السوفييتي، فأنت فاشي».
وهذا المبدأ الذى نشأ فى العصر الاستالينى ولد من جديد، وبتشويه المحتجين الأوكرانيين وتحويلهم إلى أعداء كل شيء مقدس لدى الرجل الروسى السوفييتى سيتحول الرأى العام ضد الميدان.
ثانيا، بوتين على دراية جيدة بعقيدة بريجنيف، وهى مبدأ السيادة المحدودة للحلفاء غير الطوعيين للاتحاد السوفييتى سابقاً، وقد أبقى الاتحاد سيطرته على تابعيه، والآن يريد بوتين تضييق الخناق على كييف بحيث يعطيها الحرية للقيام بأشياء دون الأخرى وبحيث تكون موسكو هى العامل الحاسم فى جميع القرارات.
وبالطبع فإن المصالح الكبيرة لحكام روسيا فى أوكرانيا هى المصالح الاقتصادية الشخصية، ولكن الأهم هو الاعتقاد بأنه حينما يتعلق الأمر بدول الاتحاد السوفييتى السابق، ينبغى أن تحدد موسكو قواعد اللعب.
وأخيراً، فى سياق الأزمة الاقتصادية المتنامية فى روسيا وخسارة شعبيته على المدى الطويل، لجأ بوتين إلى طريقة تعتبر عادة غير أخلاقية، ولكن فعالة وهى إطلاق العنان للشوفينية الوطنية «أى المغالاة فى التعصب الوطنى».
ففى دولة واجهت مؤخراً تدهوراً وتفككاً، يمكن أن تؤدى الدعوة للتوحد فى ظل وجود مجموعة مضطهدة مستبعدة عن الدولة الأم إلى تحريك الكثيرين.
وقد علَّمنا التاريخ أن هذه الخطوة تسرق سريعاً حرية الشعوب، وتؤدى إلى فقر عميق وتحطم روحى وكارثة سياسية، ولكن السياسيين يهتمون باليوم أكثر من الغد، خاصة أن الغد قد لا يأتى عليهم. لذا فإن احتلال القرم ليس سوى وسيلة للنظام السياسى الحالى فى روسيا، وسيلة نحو أهداف خطيرة للغاية لأوروبا وأوكرانيا والروسيين أنفسهم.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: الفاينانشيال تايمز








