بقلم: هانز فيرنر سين
مرت أزمة منطقة اليورو بست مراحل حتى الآن، يجدر التذكير بها، لأنها توضح كيف تعثر صناع السياسة فى محاولاتهم لإخماد النيران دون الانتباه إلى أين يقودهم الطريق، وحاليا تتسم الأسواق بالهدوء، وهذا لا يزيد على كونه بداية لمرحلة سابعة من الأزمة ستصبح خلالها أوروبا غارقة فى الديون.
وكان تسلسل الأحداث حتى الآن على النحو التالي: انهيار فقاعة الائتمان التضخمية فى 2007 بسبب استحداث اليورو، ثم اعتماد دول الجنوب الأوروبى على طباعة الأموال لاستبدال التمويل الدولى الخاص، وبعد ذلك اشترى البنك المركزى الاوروبى الديون العامة من خلال برنامج أسواق الأوراق المالية.
ثم آليات الانقاذ المالية لمساعدة الدول المنكوبة والبنك المركزى الأوروبي، ثم تعهد البنك المركزى الأوروبى بشراء كميات غير محدودة من الديون الحكومية فى إطار برنامج التعاملات النقدية المباشرة، والذى كان من المفترض أن يشجع التدفقات الداخلة الخاصة للجنوب الأوروبي، ثم أخيرا تخفيض نسبة استدانة الدائنين والمستثمرين على حد سواء إلى %8 فقط من إجمالى ميزانيات البنوك فى سياق الاتحاد المصرفى الجديد.
أما المرحلة السابعة من الأزمة فهى فى جوهرها أخلاقية وتنبع من التهافت على الديون، وفى ظل التحكم فى المخاطر الاستثمارية بشكل كبير من خلال إجراءات الإنقاذ التى وضعها البنك المركزى الأوروبى وحكومات منطقة اليورو، عاد المستثمرون مرة أخرى لقبول العائدات المنخفضة، وعاد المقترضون إلى اقتناص الفرص الجديدة.
وفى عام 2011، تم الاتفاق على ميثاق مالى لتجنب هذه النتيجة تحديدا، ويجبر هذا الميثاق، الذى وقعته كل الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى باستثناء بريطانيا والتشيك، الحكومات على تقليل النسبة السنوية للدين إلى الناتج المحلى الإجمالى بمقدار واحد على عشرين من الفرق بين النسبة الحقيقية للدين إلى الناتج المحلى الإجمالي، ومع ذلك فإن الاستثناءات الموجودة فى هذا الميثاق أزالت بفاعلية هذه العوائق.
ولو طُبق هذا الميثاق، لاضطرت إيطاليا إلى تقليص نسبة الدين للناتج المحلى الإجمالى من %121 فى 2011 إلى %112 فى 2014، وبدلا من ذلك، قفزت نسبة الدين الإيطالى بشدة، وتتوقع المفوضية الأوروبية أن تصل إلى %134 بنهاية هذا العام.
وبالمثل، كانت نسبة الدين إلى الناتج المحلى فى أسبانيا لتنخفض من %71 إلى %69، ولكنها على الأرجح سترتفع إلى %99 هذا العام، ونسبة ديون اليونان سوف تصعد من %170 إلى %177، رغم مخطط تخفيض الديون بنسبة %58 فى 2012.
أما دين البرتغال فسوف يصعد من %108 إلى %127، وفرنسا من %86 إلى %96، وبدلا من اعتراف الحكومات بفشلها، فإنها تواصل عنادها وترفض التقشف بشكل قاطع.
وبالفعل تؤدى زيادة الديون العامة إلى ارتفاع قصير المدى فى الطلب مما يساعد على زيادة درجة الاستفادة من الامكانات وتبقى البطالة تحت السيطرة، ولكن الديون الجديدة ليست إلا شكل من أشكال المخدرات تقلل ألم اتخاذ تدابير مؤلمة من شأنها تحسين التنافسية ونمو الامكانات.
ولا يحتاج المرء إلا لينظر إلى الولايات المتحدة حتى يرى مدى خطورة وعدم استدامة الطريق الذى اتخذته منطقة اليورو، فعندما ترتفع مديونية ولاية من الولايات الأمريكية، يصبح المستثمرون مترددين ويتم تطبيق تدابير تقشفية لعكس مخاطر الإفلاس، كما حدث فى السنوات القليلة الماضية فى كاليفورنيا وإلينوى ومينيسوتا.
ومع ذلك، يحدث كل ذلك عندما لاتزال نسبة الدين للناتج المحلى ضئيلة عند %10، وهذا لأن المقرضين يعلمون أن لا أحد سيأتى لمساعدتهم، ولن يشترى الاحتياطى الفيدرالى سنداتهم الحكومية، وأن السلطات الفيدرالية لن تصدر أى ضمانات.
أما على النقيض فى أوروبا، فإن الوصول السهل للأموال المحلية المطبوعة – قبل وبعد تأسيس البنك المركزى الأوروبى بالإضافة إلى وجود آليات الإنقاذ المالى حاليا – يضمن أن المستثمرين لن يقلقوا قبل أن تتضاعف نسبة الديون لعشرة أو عشرين ضعفاً، ونتيجة لذلك، ترتفع مستويات الديون حتى تخرج عن السيطرة.
وارتفع سقف الحد الحرج الذى يبدأ بعده المقرضون فى القلق بشكل كبير بسبب هيكل الانقاذ الذى تم وضعه خلال العامين الماضيين، وهذا سوف يجلب أعواما قليلة من الهدوء إلى أن ترتفع مستويات الديون بشكل مطرد حتى هذا الحد، ثم ستأتى العاصفة لتطيح بالمواطنين العاديين، ويبقى القادة وغير متضررين يتلقون معاشاتهم.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: موقع بروجكت سينديكيت








