بقلم: جوزيف إس ناي
شاركتُ فى اجتماع مع قادة دفاع لمناقشة مستقبل الجيوش ، وكانت القضية التى تناولناها بالغةَ الأهمية، وهو ما نوع الحروب التى يجب أن تستعد جيوش اليوم لخوضها؟
ولدى الحكومات سجل سيئ للغاية، عندما يتعلق الأمر بالإجابة عن هذا السؤال، فعلى سبيل المثال، قمعت الولايات المتحدة ما تعلمته فى فيتنام عن مكافحة التمرد، ثم تعلمته مرة أخرى بالطريقة الصعبة فى العراق وأفغانستان.
وقال وزير الدفاع الأمريكى تشاك هيجل، فى مقابلة معه مؤخراً، إن فى الحرب يمكن أن تخرج الأمور عن السيطرة، وتنحرف بطرق تجعل الجيش يستخدم القوة بقدر أكبر مما كان متوقعاً فى السابق، وبناءً على ذلك، تعد فكرة أن القوة وحدها يمكن أن تحول المجتمعات المتصارعة فى الشرق الأوسط وغيره هى فكرة خاطئة بشكل خطير.
ويتضمن الجيل الأول من الحروب الحديثة معارك، اعتمدت على قوة الرجال واستخدام تشكيلات الصفوف والطابور، وظهر الجيل الثانى فى الحرب العالمية الأولى، واعتمد على قوة القصف النارى الهائل، ثم طوّرت ألمانيا الجيل الثالث فى الحرب العالمية الثانية، حيث ركزت على المناورة أكثر من القوة، واستخدام استراتيجية التسلل لتجاوز العدو وهزيمة قوته من الخلف بدلاً من مهاجمته من الأمام.
وأخذ الجيل الرابع هذا التكتيك غير المركزى خطوةً أخرى للأمام، حيث لا يوجد أى جبهة معلومة على الإطلاق، وبدلاً من ذلك، تركز حروب هذا الجيل على مجتمع العدو، وتصل عميقاً إلى مناطقه لتدمير إرادته السياسية.
وربما نضيف أيضاً الجيل الخامس الذى تفصل فيه التكنولوجيات، مثل الطائرات بدون طيار والتكتيكات السيبرانية الدفاعية، الجنود عن أهدافهم المدنية بقارات.
ورغم أن تحديد أجيال الحروب لا يتبع منطقاً، فإنه يعكس اتجاهاً مهماً، وهو تداخل الجبهة العسكرية مع العمق المدني، وترسخ هذا الاتجاه أكثر مع ظهور الصراعات المسلحة التى تتضمن لاعبين من غير الدول مثل الجماعات المسلحة، والشبكات الإرهابية، والميليشيات، والمنظمات الإجرامية، وحلولها محل الحرب التقليدية بين الدول.
ونتيجة ما سبق، ينشأ ما يُطلق عليه سير روبرت سميث، قائد بريطانى سابق فى أيرلندا الشمالية والبلقان، «حرب بين الشعب»، وهو نوع من النضال يختلف عما تقوم به الجيوش التقليدية فى الميادين.
وهذه الحروب الهجينة يتم خوضها باستخدام مجموعة مختلفة من الأسلحة، ليست جميعها لديها القوة النارية، ففى ظل وجود كاميرا فى كل جهاز محمول، وبرنامج لتحرير الصور فى كل جهاز حاسوب، ناهيك عن هيمنة شبكات التواصل الاجتماعي، أصبح التنافس فى مجال المعلومات جانباً ضرورياً للحرب الحديثة، وهو ما يظهر فى الحروب الحالية فى سوريا وأوكرانيا.
وفى تلك الحروب، تتشابك تماماً القوى التقليدية وغير التقليدية، والمقاتلون والمدنيون، والتدمير المادى والتلاعب بالمعلومات، ففى عام 2006، فى لبنان، حارب حزب الله إسرائيل من خلال خلايا مدربة جيداً جمعت بين الدعاية، والتكتيكات العسكرية التقليدية، وإطلاق الصواريخ من مناطق مدنية مكتظة بالسكان، وحقق ما يعتبره الكثيرون فى المنطقة انتصاراً سياسياً، ومؤخراً خاضت حماس وإسرائيل عمليات جوية وأرضية فى قطاع غزة شديد الكثافة السكانية.
وتدرك الجماعات الإرهابية أنها لا تستطيع هزيمة جيش تقليدى بطريقة مباشرة، ولذا تحاول استخدام قوى الحكومات ضدها، فمن خلال مسرحية عنيفة، أغضب أسامة بن لادن الولايات المتحدة، ودفعها للمبالغة فى الرد، ما دمر مصداقيتها، وأضعف تحالفاتها فى العالم الإسلامي، وفى الأخير أنهك جيشها، وبشكل من الأشكال، مجتمعها أيضاً.
وتوظف «الدولة الإسلامية» الآن استراتيجية مشابهة من خلال الخلط بين عمليات عسكرية قاسية، وحملة محرضة على مواقع التواصل الاجتماعي، ونشر الصور والفيديوهات لعمليات الإعدام المتوحشة، بما فى ذلك قطع رؤوس مواطنين أمريكيين وغيرهم من الغربيين.
وهذا التطور غير المتوقع فى طرق الحروب يشكل تحدياً خطيراً لقادة الدفاع، وينبغى على الولايات المتحدة من جانبها أن توازن بين مواصلة الدعم لقواتها العسكرية التقليدية، وفى الوقت نفسه الاستثمار فى القدرات البديلة التى تتطلبها الصراعات فى الشرق الأوسط.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: موقع بروجكت سينديكيت








