منذ أن بدأت أسعار البترول الخام فى الانخفاض العام الماضى، ازدادت التوقعات بأن يشهد القطاع تكراراً لموجة من عمليات الاندماج والاستحواذ التى أعادت تشكيل ملامح القطاع فى أواخر تسعينيات القرن الماضى – وهى فترة أخرى من انخفاض أسعار البترول – ونتج عن ذلك ظهور عمالقة قطاع الطاقة الحاليين، وجاءت صفقة استحواذ «شل» على مجموعة «بى جى» لتفتح الباب على مصراعيه أمام عمليات الاندماج والاستحواذ فى القطاع وتكون أكبر صفقة اندماج فى عام 2015 على مستوى العالم، لكن الصفقة ليست نهاية المطاف فى وقت يبدو فيه ان القطاع فى انتظار صفقات مشابهة للسيطرة على صدارة السوق فى ظل وجود منافسين شرسين مثل “أكسون موبيل” الأمريكية و”بى بى” البريطانية و”توتال” الفرنسية، وغيرها فى حرب عبر المحيطات تعيد رسم خريطة النفوذ لهذا القطاع لعقود مقبلة.
صفقة “بى جى” تحول شل لعملاق جديد فى صناعة الغاز
45 مليون طن مبيعات سنوية فى 2018.. و16% من حجم السوق
بعد استحواذ “شل” على “بى جى” ستصبح الشركة الهولندية أكبر شركة بترول أجنبية فى البرازيل، كما أن أسطول ناقلاتها الضخمة سيعزز من مكانة «شل» فى سوق الغاز العالمى.
وتعد البرازيل الجائزة الكبرى لـ«شل» فى صفقة «بى جى»، إذ قال فان بيردين الرئيس التنفيذى للشركة، إن إنتاج المجموعة من البرازيل قد يبلغ 550 ألف برميل يومياً نهاية العقد الحالى، وهو ما يعد أربعة أضعاف إنتاجها الحالى.
وسترفع الصفقة احتياطيات الغاز والبترول لشركة «شل» بنحو الربع وإنتاجها بنسبة 20%، كما ستتمكن «شل» من الوصول إلى استكشافات الغاز الكبرى لمجموعة «بى جى» قبالة ساحل تنزانيا، فضلاً عن المشروع الضخم للغاز الطبيعى المسال فى «كوينزلاند كورتيس» فى أستراليا.
ويقول المحللون لدى «جيفيريس»، إن «شل» قد تضخ مطلع عام 2018 غازاً وبترولاً أكثر من «إكسون موبيل»، وهو ما يجعلها أكبر شركة بترول غير مملوكة للدولة من حيث الإنتاج فى العالم، وتقدر شركة «وود ماكينزى» لاستشارات الطاقة أن البرازيل ستصبح أكبر دولة فى محفظة شل- بى جى بحلول عام 2025.
بالإضافة إلى ذلك، سترسخ هذه الصفقة هيمنة شركة «شل» على تجارة إنتاج وتصدير وتداول الغاز الطبيعى المسال، فمع بداية عام 2018، ستتحكم “شل- بى جى” فى مبيعات 45 مليون طن سنوياً من الغاز الطبيعى، مما يجعلها بسهولة أكبر بائع للوقود.
وأوضحت مجلة “الأيكينوميست” فى تقرير لها، أن تلك الصفقة تسلط الضوء على الطريقة التى يتم بها استثمار الأموال فى قطاع الطاقة، وأكد مديرو شركة «شل» على ازدياد جاذبية أنشطة النقل والتكرير والتوزيع، التى تحمل مخاطر أقل وتزيد هوامش الربح أكثر من استكشاف وتطوير حقول بترول وغاز جديدة، ومن إحدى نقاط القوة التى تتمتع بها مجموعة «بى جي» هى إسالة ونقل وتخزين الغاز.
وتؤكد تلك الصفقة أيضاً أن الغاز هو التجارة الواعدة على نحو أكبر من البترول، وفى الواقع أصبحت «شل» الآن عملاق الغاز أكثر من كونها شركة بترول كبرى، ولكن هذا الأمر لا يجعل «شل» تجنى الأموال بسهولة، إذ تعانى صناعة الغاز العالمية ارتفاع تكاليف التنقيب، حيث توجد كمية كبيرة من الغاز فى أماكن يصعب الوصول إليها مثل القطب الشمالى والمحيطات العميقة، كما تعانى انخفاض الأسعار، نتيجة منافسة أنواع الوقود الأخرى للغاز، وتخمة إمدادات البترول الصخرى الأمريكى، ولكن السوق آخذاً فى النمو والإمدادات باتت وفيرة والتطلعات البيئية أصبحت أكثر انجذاباً للغاز عن البترول.
ويرى المحللون عدداً من الثمار التى ستجنيها «شل» من هذه الصفقة، كما أنها أثارت تفاؤلهم بحدوث جولة جديدة من صفقات الاندماج والاستحواذ فى القطاع فى أعقاب انهيار أسعار البترول، وفيما يلى مجموعة من تعليقات المحللين حول الصفقة.
نيل مورتون، لدى «إنفيستيك»:
«تثبت محاولة شل للاستحواذ على مجموعة “جى بى” أن تكرار الشائعة لفترة طويلة، قد تصبح فى نهاية المطاف حقيقة، فالاستحواذ كان موضع نقاش منذ نحو 20 عاماً، وحصل مستثمرو “بى جى” على ما نراه عرضاً مغرياً، أما بالنسبة لحاملى أسهم “شل”، فلسنا مقتنعون تماماً بالمزايا، فالصفقة قائمة على التعافى القوى لأسعار البترول».
بيراج بورخاتاريا، لدى «آر بى سى كابيتال ماركيتس»:
«عوامل الجذب الرئيسية بالنسبة لـ”شل” هى أصول المياه العميقة لمجموعة “بى جى” فى البرازيل ومحفظة الغاز الطبيعى المسال، فاندماج محفظة “بى جى” مع محفظة شل يمثل حوالى 40 مليون طن سنوياً أو ما يقرب من 16% من سوق الغاز الطبيعى المسال العالمى على أقل تقدير، مما يعزز من وضع “شل” كشركة رائدة فى هذا المجال».
ستيفن فوكاود، لدى «فيرست إنيرجى»:
«تعد قيمة الصفقة كبيرة جداً، وهو ما يسلط الضوء على قيمة صناعة الغاز الطبيعى المسال داخل قطاع الطاقة، ولن أتفاجأ إذ حذت الشركات العملاقة الأخرى حذو “شل” وأن تسعى لإبرام صفقات استحواذ، فهذا ما كان يحدث عادة فى الماضى، فبمجرد أن يسلك أحد اللاعبين الكبار فى القطاع مساراً جديداً، يسير الآخرين (بى بى، توتال، شيفرون، إكسون موبيل) على خطاه».
فيليب باركر، شريك فى «كافينديش كوربوريت فاينانس»:
«قد تكون هذه الصفقة مؤشراً على بداية موجة من الصفقات العملاقة وإعادة ترتيب ساحقة لصناعة البترول والغاز العالمية، فبعد سلسلة من الصفقات المدفوعة على نحو كبير من الضرائب العام الماضى، من الجيد أن نشهد أن أكبر صفقة استحواذ هذا العام حتى الآن تتمتع بمنطق تجارى مقنع، فوضع “بى جى” القوى فى تسويق وشحن الغاز الطبيعى المسال يتماشى جيداً مع الحجم والقوة المالية لشركة شل».