بقلم: مايكل ليفي
يعد تسويق اتفاقات التجارة الحرة صعباً فى الداخل الأمريكي، خاصة فى ظل شكوك الشعب فى تأثيرها على وظائفهم، وبينما يحاول المؤيدون لاتفاق الشراكة عبر المحيط الهادئ حشد التأييد له، فهم يؤكدون بشكل متزايد على الحُجة الجيوسياسية (الجغرافيا السياسية) عند إبرام اتفاق.
وهؤلاء محقون فى أن الاتفاق التجارى والاستثمارى الجيد سيكون مفيداً جيوسياسياً، وأن انهيار المحادثات سيكون له آثار مدمرة عميقة، ومع ذلك، فهم يبالغون فى تقدير هذه القضية فى أحيان كثيرة، وبالتالى يولدون مخاطر جيوسياسية حقيقية لأنفسهم، ويهددون الاتفاق الذين يسعون وراءه.
وتعتبر القضية الجغرافية السياسية الكامنة وراء الشراكة عبر «الهادئ» بسيطة، فهى قد تساعد حلفاء الولايات المتحدة فى آسيا، وخاصة اليابان، على الإصلاح، ومن ثم تقوية اقتصاداتهم، وجعلهم شركاء جيوسياسين أكثر كفاءة.
ويستطيع الشركاء الآسيويون تنويع علاقاتهم الاقتصادية بعيداً عن الاعتماد على الصين التى لا يمكن التنبؤ بتصرفاتها، ويستطيع الاتفاق الذى يوفر خياراً حقيقياً للصين للانضمام له بالأخير، فى جذب بكين إلى اتجاه أكثر ليبرالية.
وعلى النقيض، إذا انهارت المحادثات بسبب الشجارات الأمريكية الداخلية، فسوف يترسخ الحديث بشأن تراجع نجم الولايات المتحدة، ما سيجعل من الصعب عليها أن تقود، وسيجعل من الأسهل على الصين أن تدفع بترتيباتها التجارية الخاصة التى تستثنى أمريكا.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن تسويق اتفاقيات الشراكة من خلال الصياح بالقضايا «الجيوسياسية» له مخاطر جدية، وإذا لم تكن الولايات المتحدة حذرة، فقد تفسر الصين اتفاق الشراكة على أنه محاولة للسيطرة عليها اقتصادياً.
ويعد وجود ميثاق يعزز العلاقات الاقتصادية الأمريكية مع الأصدقاء والحلفاء، ويسمح للصين بالانضمام إليه بعد إجراء مجموعة معقولة من الإصلاحات – مثلما حدث مع منظمة التجارة العالمية – أمراً، وتقديم الاتفاق بطريقة صدامية باعتباره ثقل لموازنة قوة الصين فى المنطقة أمراً آخر.
وفى مواجهة هذه الاحتمالية، قد تستنتج الصين أن حصتها فى الحفاظ على اقتصاد دولى مفتوح وسليم وقائم على القواعد أقل بكثير مما كانت تعتقد، وتاريخياً عندما تتوصل دولة رائدة لهذا الإدراك، فإنها عادة ما تسعى للأمن الاقتصادى من خلال تدابير دبلوماسية وعسكرية خاصة، لها تداعيات كارثية على الأمن الدولي، (فالعدوان اليابانى فى 1930، كان بلا شك نتيجة المخاوف من أن يتم إقصاؤها عن النظام الاقتصادى العالمي، من بين أسباب أخرى).
ولا تحرص الولايات المتحدة ولا حلفاؤها فى آسيا – ناهيك عن كندا وأمريكا اللاتينية– على أن يكونوا جزءاً من نهج صدامى صريح مع الصين، وعلاوة على ذلك، إذا لم يشعر شركاء أمريكا بالراحة فى هذه الشراكة غير المرحب بها، فهذا سوف يقوض التحالفات الأمريكية فى المنطقة، ويهدد وضع الولايات المتحدة الجيوسياسي.
وعلاوة على ذلك، كلما تخبر الولايات المتحدة شركاءها الآسيويين بأن اتفاق الشراكة عبر الأطلنطى يتعلق بالقضايا الجيوسياسية، فإن الدمار الجيوسياسى الناتج عن فشل الشراكة سيكون أكبر.
كما ينذر التحدث طويلاً عن القضايا الجيوسياسية بمخاطر فى الداخل الأمريكي، فمناصرو اتفاقات الشراكة استخدموا هذا التكتيك جزئياً؛ بسبب صعوبة تسويق الاتفاق استناداً إلى مزاياه الاقتصادية وحدها.
ومع ذلك، فإن التركيز الشديد على هذه القضايا سوف يجعل بعض المحايدين أكثر تشككاً، فخلال الحرب الباردة، دخلت الولايات المتحدة عدة مرات فى اتفاقات تجارية غير متوازنة، مقررة أن مساعدة الاقتصادات الحليفة كانت أكثر أهمية من تقوية اقتصادها الخاص، واليوم يشعر الأمريكيون بأنهم أكثر ضعفاً، وأقل ثقة فى التكامل الاقتصادي، وبالتالى أصبح تطعيم اتفاقات الشراكة – والتى تعد مبررة لمزاياها الاقتصادية البحتة – بالمكاسب الجيوسياسية أمراً حتمياً.
وينبغى على الخطاب العام فى أمريكا، أو على الأقل الدبلوماسية الخاصة بها، أن توضح أن اتفاقات الشراكة عبر المحيط الهادى ليست مصممة لتفكيك آسيا، وهذا ما سيضمن أن أى اتفاق سوف يكون نجاحاً جيوسياسياً واقتصادياً كذلك.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: صحيفة فاينانشيال تايمز








