بقلم: ويليام بيسيك
فزع المستثمرون من الارتفاع المفاجئ فى عائدات السندات عندما ظهرت احتمالية تضييق برامج التحفيز للبنك الاحتياطى الفيدرالى الأمريكي، ولكن قد يظهر منقذ غير متوقع يحد من هذا التأثير، وهذا المنقذ هو الصين.
وتلك وجهة نظر باحثين من كلية الاقتصاد فى جامعة «أوكسفورد»، الذين يعتقدون أن ثانى أكبر اقتصاد فى العالم بدأ يتجاوز الولايات المتحدة باعتباره اللاعب الأكثر تأثيراً فى تحديد أسعار الاقتراض العالمية.
ونظراً إلى أن الصين أكبر متداول وأكبر حامل للاحتياطيات النقدية، فلطالما كان لها تأثير على النشاط الاقتصادى فى أماكن تبدأ من البرازيل وحتى إندونيسيا، أما الجديد فى الأمر فإن تأثير تلك الدولة على سوق السندات العالمى بدأ يتعدى تأثير الاحتياطى الفيدرالي.
ورغم أن المتداولين سوف يظلون يراقبون القرارات التى تتخذها رئيس الفيدرالي، جانيت يلين، فى واشنطن، فسوف تبدأ التحولات الاقتصادية فى الصين فى حمل أهمية أكبر للاقتصاد العالمي.
وقام الاقتصادي، آدم سلاتر، من جامعة أوكسفورد بحساباته استناداً إلى ثلاثة سيناريوهات مختلفة للنمو فى الصين: تباطؤ النمو، ولكن مع جعل التباطؤ تحت السيطرة، أو هبوطاً صعباً بحيث يتراجع النمو بحدة، أو عودة مفاجئة لمستويات النمو فوق %8.
والسيناريو الأول هو الافتراض الأساسى لأوكسفورد، ويعطيه سلاتر نسبة %55 من الاحتمالات، ويقوم نموذجه على تباطؤ النمو إلى مستوى %6.6 العام الجاري، واتجاهه نحو %5.3 بحلول 2020، وطبقاً لهذا السيناريو، سوف تسهم شيخوخة السكان، وتباطؤ حركة التحضر، وجهود الرئيس شى جين بينج إعطاء أولوية للاستهلاك المحلى فى تباطؤ النمو تدريجياً.
ويقول سلاتر، إنه فى هذه الحالة، لن يتسبب تراجع النمو الصينى بالضرورة فى اضطرابات فى الأسواق العالمية، حتى وإن بدأ الفيدرالى فى رفع أسعار الفائدة فى سبتمبر المقبل، لأن اعتدال معدلات النمو الصينية سوف يحد من الهبوط فى سوق السندات، وفى أفضل الأحوال سوف ترتفع عائدات السندات الأمريكية لأجل 10 سنوات من %2.2 فى الوقت الراهن إلى %2.9 بنهاية 2016، حسبما يتوقع سلاتر.
وتقدر أوكسفورد، أن السيناريو الثانى المتعلق بهبوط حاد فى النمو محتمل الحدوث بنسبة %30، وقد يتسبب فى تراجع عائدات سندات السنوات العشر الأمريكية إلى %1.7 بنهاية العام المقبل.
ويقول سلاتر، إن هذا السيناريو وارد فى حال حدث تصحيح حاد فى قطاع العقارات يصاحبه مشكلة قروض متعثرة ضخمة فى قطاع البنوك، ما سوف يؤثر بالسلب على عرض وطلب القروض، خاصة فى ظل نسب الاستدانة العالية بين الكثير من الشركات الصينية.
وسوف تكون الآثار الناتجة عن ذلك واسعة النطاق وقوية، حيث سينخفض النمو فى قطاع العقارات الصينية بنسبة %10 على الأقل، وسوف يتدهور الوضع المالى للعديد من الحكومات المحلية بقدر أكبر، وبعد ذلك، ينهار الاستثمار الأجنبى المباشر، ويرتفع عدد القروض المتعثرة، كما ستتراجع أسواق الأسهم من نيويورك إلى فرانكفورت إلى سنغافورة.
وفى هذه الحالة، قد يبلغ متوسط الناتج المحلى الإجمالى العالمى %2.1 فقط فى 2015، و2016، بدلاً من المتسوى المتوقع حالياً عند %2.7 و%3، وهذا بدوره سوف يؤثر على حسابات البنوك المركزية، وقد يكون الفيدرالى أقل ميلاً لرفع أسعار الفائدة، وقد يبقى البنك المركزى الأوروبى على أسعار الفائدة الصفرية ربما حتى 2020، وقد تظل عائدات السندات اليابانية عند الصفر حتى 2017.
ومما يثير الدهشة أن سيناريو عودة الصين إلى النمو القوى محتملة أيضاً، وفى هذه الحالة، ستكون الصين قد أصلحت مشكلاتها الهيكلية سريعاً ودون اتخاذ إجراءات مؤلمة، وقال أستاذ أوكسفورد إن نمو الصين بقوة أكبر يعنى تحسن التجارة العالمية، ونمو الناتج المحلى الإجمالي، وصعوداً أسرع فى عائدات السندات العالمية.
وفى الولايات المتحدة قد ترتفع فائدة سندات السنوات العشر بموجب هذا السيناريو إلى حوالى %4.8 بحلول 2020، بينما قد ترتفع عائدات السندات الألمانية من مستواها الحالى عند %0.6 إلى %2.3.
وهناك سبب يجعل جامعة أوكسفورد تجعل هذا السيناريو الأقل احتمالية (حيث يعطيه سلاتر %15)، فالاقتصاد الصينى لم يبد أى علامات على التسارع فى بداية الربع الثاني، بل إن بيانات الإقراض والاستثمار تشير إلى العكس تماماً، وفى الوقت نفسه الاستثمارات فى الأصول الثابتة هى الأدنى منذ حوالى 15عاماً، والأسوأ من ذلك أن مخاطر تعثر الصين فى السداد ترتفع، وهو عرض جانبى للارتفاع بقيمة 20 تريليون دولار فى الائتمان منذ 2009.
والمتداولون فى السندات ليسوا الوحيدين الذين يراقبون الاقتصاد الصينى البالغة قيمته 9.2 تريليون دولار عن كثب، فجانيت يلين تفعل كذلك، وفى فبراير الماضي، أخبرت الكونجرس أنه رغم كل هذا الهوس المتعلق بأسعار الفائدة الأمريكية، فقد تؤثر الأحداث الخارجية سلباً على الآفاق الاقتصادية فى الولايات المتحدة.
وقالت: «فى الصين، قد يتباطأ النمو الاقتصادى أكثر من المتوقع، فى الوقت الذى يتعامل فيه الساسة مع نقاط الضعف، ويديرون تحولاً مرغوباً نحو نمو أقل اعتماداً على الصادرات والاستثمار».
فإذا شعرت بلمحة من القلق فى هذا الاقتباس، فهذا ليس من قبيل الصدفة، فيلين تدرك أنها لم تعد تمتلك سيطرة، كما قد توحى سمعتها، على مصير الاقتصاد الأمريكي، ومستقبل أسواق السندات العالمية.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء «بلومبرج»








