يبدو موكب إحياء الذكرى السبعين لإنتهاء الحرب العالمية الثانية في موسكو، أكبر احتفال بالنصر منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، حيث شارك فيه 16000 جندي، و200 سيارة مصفحة، و150 طائرة ومروحية، ويمرون جميعهم على الميدان الأحمر.
ورغم أن حلفاء روسيا في الحرب العالمية الثانية كانوا من أوروبا وأمريكا الشمالية، لم يحضر أي قائد غربي إحياء الذكرى، مما يعكس عدم موافقة الغرب على اجتياح بوتين لأوكرانيا، وضم إقليم القرم، وبدلا من ذلك، اشتملت قائمة ضيوف بوتين رفيعي المستوى قادة من الصين والهند وكوريا الشمالية، وهذا يسلط الضوء على قلة أصدقاء روسيا اليوم.
وتعكس الطبيعة السيريالية لهذا التجمع الطبيعة الغريبة على نحو متزايد لنظام بوتين، نظرا لعودة الكريملين اليوم إلى الماضي السوفييتي لروسيا للدفاع عن معركته المعاصرة المتعلقة ببقاء روسيا.
وهذه الاستراتيجية تحتاج بشدة إلى الدعاية التي تخلط بين الغرب اليوم والألمان الذين اجتاحوا روسيا في 1941، بالإضافة إلى تصوير المسئولين الحكوميين الأوكرانيين على أنهم “فاشيين” و”نازيين جدد”، واستخدم الكريملين هذه الإدعاءات، بجانب الحاجة إلى الدفاع عن روسيا بالخارج، لتبرير عدوانه على أوكرانيا.
وقال بوتين في خطاب بعد ضم إقليم القرم أن رفض الغرب “للحوار” لم يترك لروسيا خيار، واضاف “نحن باستمرار نقترح التعاون بشأن كل القضايا الرئيسية… وقد أردنا أن نعزز مستوى الثقة خاصتنا وأن تكون علاقاتنا متساوية، وواضحة، وعادلة، ولكن لم نر أي خطوات متبادلة”.
ومن السهل رؤية اوجه الشبه بين نهج بوتين، وذلك الخاص بجوزيف ستالين، الذي أعلن بداية الحرب العالمية الثانية، فكلاهما يرى أن “العدو” يستهدف تدمير “الثقافة الوطنية” لروسيا، وفرض الصبغة “الألمانية” على شعبها، و”تحويلهم إلى عبيد”، والفارق بطبيعة الحال ان الجيش الألماني النازي غزا الاتحاد السوفييتي، في حين أرادت أوكرانيا ببساطة تقرير مصيرها.
وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي، قامت روسيا، التي لم تعد قوة عظمى، بإلغاء المواكب العسكرية، ولكن في عام 2005، ولإحياء الذكرى الستين لنهاية الحرب العالمية الثانية، أقام بوتين موكبا كبيرا، وحضره القادة الغربيون، اعتقادا منهم بأن روسيا لديها مستقبلا أوروبيا.
وكان خطاب بوتين في إحياء ذكرى النصر هذا العام لا يمكن توقعه، فكيف يحتفل المرء بانتهاء حرب بينما يقتل أحفاد من خاضوا تلك الحرب بعضهم بعضا في حربا وحشية في شرق أوكرانيا؟ وما الهدف من عرض الألعاب النارية الضخم وسط إطلاق مدافع الهاوتزر والصواريخ الحقيقية؟
ويعتقد المؤرخ روبرت باكستون أن المرء يمكنه استنتاج الكثير عن دولة ما من مسيراتها العسكرية، وفي كتابه بعنوان “المواكب والسياسة في فرنسا الفيشية”، يصف كيف استخم فيليب بيتان، رئيس الدولة حينها، المواكب المهيبة، والسياسات الرجعية، وبالطبع شراكته مع ادولف هتلر، ليخدع دولته ويجعلها تصدق ان فرنسا لا تزال ذات أهمية في العالم.
واوجه الشبه هنا مع بوتين واضحة، فبوتين يعرض نفسه على أنه القيصر الجديد، وخلفيته في الاستخبارات السوفييتية تملي عليه أسلوبا في القيادة يتضمن منع الانتخابات الحرة والنزيهة، وملاحقة الخصوم قضائيا، وتعزيز التقاليد المحافظة التي يقارنها مع التأثير الفاسد للغرب “غير الأخلاقي” و”المنحط”.
واعتمادا على هذه الاستراتيجية أقام بوتين تحالفات مع أشباه بشار الأسد في سوريا، والحاكم العسكري في مصر عبدالفتاح السيسي، وتعد الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، إضافة مفيدة لمجموعة الدول غير الديموقراطية، التي لدى كل واحدة منهم أوجه خلاف مع الغرب.
ولكن على عكس الصين، لا تعد روسيا قوة صاعدة، وقد يحاول بوتين تصوير أفعاله في أوكرانيا على انها حرب ضد الفاشية، ولكنها في الواقع حرب لإثبات أهمية، وهي حرب لن يستطيع الفوز فيها، فلا يهم إذن حجم الموكب، لأنه لن يخفي حقيقة أن أيام روسيا كقوة عظمى قد ولّت، والوطنية التي يدعيها بوتين، هي مثل تلك الخاصة ببيتان، وطنية مهزومين.
بقلم: نينا إل خروشوفا
المصدر: موقع بروجكت سينديكيت








