نطالب الشركات بتبنى قضايا الطاقة النظيفة وتدوير مخلفاتها
مكاتب المراجعة المصرية تقدم خدمات مراجعة تقارير الاستدامة عبر فروعها الخارجية
تعظيم المنفعة بديلاً لتعظيم الربح وضرورى لاستدامة الشركات والمجتمع
فئات كثيرة من المجتمع وصلت لمرحلة الخلاص الفردى وهناك ضرورة لتغيير الثقافة
مع ازدياد التوجه العالمى لنشر السلام الاجتماعى وتخفيف حدة الاضطرابات عبر تحجيم جموح النظام الرأسمالى المرتكز على تعظيم الربحية سعت العديد من الشركات المصرية للمشاركة فى الاتفاق العالمى للأمم المتحدة لنشر ثقافة الاستدامة، فهل تنجح معايير الاستدامة فى خلق مناخ أفضل للأعمال فى مصر والحفاظ على نمو متزن للمؤشرات الاقتصادية؟.
قال أيمن شحاتة مسئول الاستراتيجية المؤسسية للشركات بشركة «برايس ووتر هاوس كوبرز»، إن تطبيق معايير الاستدامة لن يكون حلاً نهائياً للمشاكل المجتمعية والبيئية عالمياً ولكن ستحد بشكل كبير من طغيان المادة على البيئة ومراعاة البعد الاجتماعى فى طريق نمو الشركات، وتكمن المشكلة الأكبر فى مصر فى غياب عمليات المراجعة للتقارير التى تصدرها الشركات حول الاستدامة.
أوضح أن معظم الدول تعتمد على قياس التنمية بمؤشرات رقمية أهمها الـGDP ومعظم الاقتصاديين يولون أهمية لمدى تطور هذا المؤشر دون النظر لطرق توزيعه، وأن مصر كانت من أفضل المعدلات فى العالم قبل ثورة يناير بنسب نمو تصل 7.1% التى اعتبرها البنك الدولى أحد قصص النجاح، إلا أن ثورة يناير قامت على تلك الأوضاع الجيدة بسبب اعتقاد المجتمع بأن هناك أمراً مريباً مع فقدان الأمل فى التغيير.
كما أن الأمر لم يكن مرتبطاً بمصر وحدها، إلا أن فئات كثيرة فى العالم لم تكن موافقة على ما سيؤول إليه العالم فى ظل المنافسة المحمومة للدول على اقتناص القطعة الأكبر من الاستثمارات دون النظر لآليات أداء الأعمال فبدأت أعمال الشغب فى وول ستريت وثورات الربيع العربى وآسيا، إلا أن الاستدامة دورها هى كسر شوكة الرأسمالية المادية عبر وضع مؤشرات اجتماعية وبيئية يمكن للحكومة بها قياس تأثيرات نمو الأعمال على المجتمع والبيئة المحيطة ولن تكون حلاً فاعلاً.
واعتبر شحاتة أن المشكلة الأكبر هى التأثير الاجتماعى على الفقراء، مشيراً إلى أن الفترات السابقة على الثورة استطاعت معظم شركات الأسمنت والأسمدة تحقيق أرباح تزيد على 40% سنوياً على استثماراتها فى مصر، إلا أن جزءاً كبيراً من هذه الأرباح ناتج عن استخدام طاقة مدعمة ودعم الدولة لنظم التأمين الصحى، ففى الأوقات التى تستفيد فيها الدول من جذب استثمارات جديدة وزيادة معدلات التوظيف وزيادة الصادرات تتحمل الدولة فواتير مرتفعة فى الدعم والعلاج والأضرار البيئية.
أشار إلى أن نسبة حالات الوفاة من التلوث البيئى أعلى من أى سبب فيروسى قاتل آخر، والرقابة على البيئة، والقوانين فى معظم الاقتصاديات المتقدمة التى من بينها أوروبا تضع ضوابط صارمة على الصناعات كثيفة استهلاك الطاقة وكثيفة الضرر بالبيئة.
وطالب شحاته بضرورة نشر ثقافة تعظيم المنفعة بدلاً من تعظيم الربح بين الشركات لتحقيق أفضل منفعة للمجتمع مع الأخذ فى الاعتبار تشكيل النسيج المجتمعى للدولة.
اتجهت معظم الدول الأوروبية لنماذج اقتصادية جديدة مشتقة من النظام الرأسمالى، إلا أنها محسنة بشكل أكبر بما يسمى «نظام الرفاهة» الذى يعتمد على تحصيل ضرائب أعلى من أصحاب الدخول العالية تصل إلى 70% مقابل تقديم خدمات أكبر للمجتمع، إلا أن أدوات النظام الجديد ليست بنفس قوة النظام الرأسمالى فى تحقيق الأرباح والإنتاجية.
وحذر شحاته من وصول فئات كثيرة من المجتمع المصرى لمرحلة «الخلاص الفردى» عبر القياس المادى لكل عملية شراء أو بيع دون النظر لتأثيرها المجتمعى، لتصبح المادة هى الحكم الرئيسى فى طريقة الاختيار على اختلاف مع العديد من الدول الأوروبية التى تعمل على إعلاء قيمة المجتمع عن المصلحة الفردية ما يدفع المنتجين والمستثمرين على احترام رغبات المجتمع فى العيش فى بيئة نظيفة وأكثر سعادة.
وأثبتت التجربة فى دولة مثل فرنسا وأنجلترا مع الاشتراط على المتاجر إيضاح حجم ثانى أكسيد الكربون المنبعث عن كل حبة فاكهة منذ زراعتها وحتى إلى أن وصلت للمتجر بما فيها الكهرباء التى تستهلكها كل وحدة أثناء عرضها، ما يدفع المستهلك للبحث عن أقل وحدة تأثيراً سلبياً فى المجتمع وهو ما يدفع المزارع مثلاً لتبنى تكنولوجية أكثر توفيراً فى استهلاك المياه وبحث شركات الشحن عن طرق أكثر صداقة للبيئة الذى ينعكس فى النهاية على المجتمع ككل.
عالمياً شكل الاستهلاك هو المحدد لآلية الإنتاج.
قال شحاتة: «مازال لرجال الأعمال والمستثمرين اليد فى القرارات البيئية والاقتصادية فبعد أن تأثرت صناعة الأسمنت المصرية بنقص إمدادات الغاز طالبت الشركات بالاعتماد على الفحم كبديل مثل العديد من الدول مع وضع المعايير الأوروبية فى الحسبان، إلا أن المشكلة تكمن أن معظم الدول التى تعتمد على الفحم فى الإنتاج تحاول الخروج منه حالياً، واعتماد الشركات على الفحم كبديل للطاقة سيستمر لمدة لن تقل عن 30 عاماً تمثل العمر الاقتصادى للآلات الجديدة».
وأشاد شحاتة بنجاح التجربة الماليزية والتركية فى تسويق حلم لمحاذاة الدول المتقدمة وتمكن الشعب من رؤية هذا الحلم فى مراحل مختلفة من التطور، اضافة الى دولة سنغافورة التى قال رئيسها: «لدينا خطة سنرى ثمارها بعد ثلاثين عاماً».
ويرى أن المجتمع المصرى بحاجة الى فكرة وحلم يسوق بطريقة صحيحة يمكن تصديقها مع تحديد خطة زمنية محددة واضحة والبدء بها، لافتا الى ان الشعب المنتفض فى ثورة يناير 2011 لديه قوة جامحة تدفعه الى قبول التغيير، والتضحية بأرواحهم من أجل حياة أفضل للأجيال القادمة.
ومن ناحية أخرى اشار مسئول التنمية الاقتصادية المجتمعية فى برايس ووتر هاوس الى مراعاة مؤشر الاستدامة للاستخدام الأكثر حفاظا على البيئة فى الرى بأقل قدر ممكن من المياه لترشيد الاستهلاك فى الزراعة واعادة تدوير المخلفات، حيث يوجد شركات بأوروبا والدول المتقدمة تتنافس على اعادة تشغيل مخرجات الإنتاج مرة أخرى لتصل نسبة إعادة التدويرلـ 70%، و100% مثل شركة مارس ويونيليفر وايكيا، لتضيف إليها قيمة تسويقية وسمعة حسنة.
وسلط شحاتة الضوء على أهمية تبنى الشركات قضايا الطاقة النظيفة ما يؤدى الى مزيد من الاستدامة، عن طريق تحفيز الحكومة للقطاع الخاص بإلغاء جزء من الضرائب مقابل استخدام طاقة نظيفة.
وطالب بدعم الأسر الصغيرة بقروض ميسرة لتوجيهها الى الاستثمار فى الطاقة الشمسية المتجددة فوق أسطح المنازل، لحل أزمة الكهرباء، لافتا الى ارتفاع الأسعار بالبداية الا أنه مع الوقت ستعاود الهبوط فضلا عن ضمان وجود طاقة ثابتة ونظيفة ومستدامة.
وفى سياق متصل قال شحاتة إن الأهم من تقرير الاستدامة هو مراجعة هذا التقرير لعدم التلاعب وتزوير تلك التقارير، خاصة أن الشركات الكبرى بحاجة الى مكاتب مراجعة معروفة لتعزيز مصداقية التقرير، فى حين يصعب الأمر على أصحاب الشركات الصغيرة والمتوسطة.
وطالب بضرورة توفير خدمة لمراجعة تقارير الاستدامة للشركات الصغيرة بأسعار مدعمة من قبل جمعية المراقبين المحاسبين من أجل المجتمع بأسعار منخفضة لخلق كيانات صغيرة أكثر استدامة.