أصدرت وحدة البحوث فى بنك قطر الوطنى تحليلاً يتناول تقييم السياسة الاقتصادية لرئيس الوزراء اليابانى شينزو آبى والمعروفة عالمياً بالأبونوميكس.
وقال البنك، فى تقرير له، إن المحللين يتوقعون أن ينكمش الاقتصاد اليابانى للربع الثانى على التوالى عند الإعلان عن نتائج أعمال الشهور التسعة الأولى من العام خلال الأسبوع الحالى.
ويتوقع المحللون، أن تظهر البيانات انكماشاً اقتصادياً بنسبة 0.3% على أساس سنوي.
وإذا تحققت توقعاتهم، فإن اليابان تكون بذلك قد دخلت فى حالة من الركود الفني، الذى يُعرف بأنه ربعان متتاليان من النمو السلبي.
وقال البنك، إنه بعيد عن النتائج الفصلية، من المهم النظر إلى الصورة الكلية، فعندما تولى شينزو آبى رئاسة الوزراء فى ديسمبر عام 2012، كان الاقتصاد اليابانى يواجه عدداً من التحديات. أولاً، كان الاقتصاد عالقاً فى حالة بدت كانكماش دائم، وهو ما كان يلحق الضرر بالاستثمار والنمو.
ثانياً، وصلت الموازين المالية إلى حالة من الإنهاك، عندما بلغ الدين العام نحو 240% من الناتج المحلى الإجمالي.
وثالثاً، كان الاقتصاد يواجه تحديات هيكلية بسبب ارتفاع معدل الشيخوخة بين السكان وانخفاض تعدادهم.
وقد جاء شينزو آبى بخطة شاملة ترتكز على ثلاثة «أسهم» لمواجهة هذه التحديات. فكيف سارت خطته فى السنوات الثلاث الماضية؟
تمحور السهم الأول حول سياسة نقدية نشطة وجريئة لإيجاد حل لمشكلة الانكماش. فالانكماش يزيد من السعر الحقيقى للفائدة، وهو ما يجعل الاقتراض والاستثمار أكثر صعوبة. كما أنه يلحق الضرر، أيضاً، بالاستهلاك، الأمر الذى يجعل المستهلكين يؤجلون الشراء والاستهلاك تحسباً لانخفاض الأسعار فى المستقبل. ويكون التأثير العام الناتج من ذلك هو انخفاض الطلب والنمو الكليين.
بعد أن تولى شينزو آبى منصبه، قام بتغيير القيادة فى بنك اليابان المركزى الذى شرع فى تنفيذ برنامج مفتوح وواسع النطاق من التيسير الكمى والكيفى فى أبريل 2013، والذى تم تمديده بشكل كبير فى أكتوبر 2014 من أجل محاولة تحقيق معدل التضخم المستهدف بنسبة 2%.
وفى حين لا تزال اليابان بعيدة بعض الشيء عن معدل التضخم المستهدف، فإن البلد قد خرج بشكل واضح من حالة الانكماش. وقد بلغ معدل التضخم الأساسى فى أسعار المستهلك (الذى يستثنى المواد المتقلبة مثل الغذاء والطاقة) 0.9% فى سبتمبر، وظل هذا المعدل منذ صيف عام 2013 خارج المنطقة السلبية على الدوام.
ويهدف السهم الثانى إلى معالجة مشكلة ارتفاع الدين العام فى المدى المتوسط، والعمل فى نفس الوقت على توفير تحفيزات مالية كلما استدعت الضرورة فى المدى القصير.
ويرجع جزء من المشكلة إلى انخفاض معدلات الضرائب فى اليابان، وبالأخص ضريبة الاستهلاك. وكانت هذه الضريبة (وهى ضريبة على القيمة المضافة) لا تتجاوز 5% فى بداية عام 2014، أى واحدة من أكثر ضرائب القيمة المضافة انخفاضاً فى العالم، وأقل من المتوسط الأوروبى الذى يبلغ حوالى 20%. ووفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي، يجب أن ترتفع ضريبة الاستهلاك فى اليابان إلى حوالى 15% لكى تسهم فى خفض الدين العام.
وتمثلت استراتيجية آبى لمعالجة هذه المشكلة فى الجمع بين زيادات دائمة فى الضريبة على الدخل (من أجل استدامة المالية العمومية) إلى جانب تحفيزات مالية مؤقتة (لتحفيز الطلب فى المدى القصير).
جاءت أول زيادة فى الضريبة على الاستهلاك (من 5% إلى 8%) فى أبريل 2015 وكان وقعها شديداً جداً، فقد تراجع الناتج المحلى الإجمالى الحقيقى بنسبة 7.6% من المعدل السنوى فى الربع الثانى من عام 2014، وتراجع بنسبة 1.1% فى الربع الثالث من العام نفسه، وهو ما دفع شينزو آبى إلى تأجيل الزيادة التالية (إلى 10%) فى هذه الضريبة حتى أبريل 2017، بدلاً من تاريخ أكتوبر 2014 الذى كان مخططاً له فى البداية.
وتبدو الحكومة، حالياً، عازمةً على تنفيذ هذه الجولة من الزيادة فى الضريبة من أجل تفادى زيادات كبيرة مستقبلاً.
ورغم الخطوات الأولية التى اتخذتها الحكومة فى هذا المحور لتحسين الأوضاع المالية، ما زال الطريق طويلاً لبلوغ الهدف.
أما السهم الثالث من سياسة أبينوميكس الاقتصادية، فيتعلق بزيادة طاقة الطلب فى الاقتصاد. وقد تسبب تراجع عدد السكان وارتفاع معدلات الشيخوخة فى خفض إمكانات النمو، حيث تُقدر مصادر يابانية رسمية، أن نمو الناتج المحلى الإجمالى المحتمل قد تراجع من 4.9% فى نهاية ثمانينيات القرن الماضى إلى 0.5% اليوم.
وقد سعى شينزو آبى لمعالجة هذه المشكلة من خلال عدد من الإصلاحات الهيكلية لتحسين التنافسية والانتاجية فى قطاعات سوق العمل والزراعة والصحة.
وبطبيعة الحال، يستغرق تنفيذ التغييرات الهيكلية بعض الوقت، وقد تمر عدة أعوام قبل أن تبدأ نتائجها فى الظهور. لكن جانباً من جوانب الإصلاح بدأ يشهد تقدماً بالفعل، وهو مشاركة المرأة فى القوة العاملة لمواجهة التراجع فى عدد السكان، حيث نجح رئيس الوزراء آبى فى زيادة عدد النساء العاملات بواقع نصف مليون امرأة خلال ثلاث سنوات، وذلك باعتماد عدد من الحوافز المالية وغير المالية، وهو أمر مهم فى بلد يبلغ إجمالى القوة العاملة فيه 66 مليون عاملاً تقريباً. عموماً، يبدو أن أسهم سياسة أبينوميكس الاقتصادية تتقدم ولكن بسرعات متفاوتة.
وإلى جانب أهمية اليابان كأحد أكبر اقتصادات العالم، فإن سياسة أبينوميكس الاقتصادية تمثل نموذجاً مهماً لمعالجة المشاكل التى يعانى منها العديد من البلدان، أو يُتوقع أن تعانى منها فى المستقبل القريب. فالعديد من الدول، مثل دول منطقة اليورو، مهددة بخطر الانكماش وترغب فى تنفيذ سياسات لضبط الأوضاع المالية دون خلق كساد اقتصادي، كما أنها أيضاً تعانى من تراجع الإنتاجية وتناقص عدد السكان وارتفاع معدلات الشيخوخة. لذلك يجب على بقية دول العالم مراقبة تجربة سياسة أبينوميكس عن كثب.








