بقلم: أندرو روس سوركين
ما التكلفة الاقتصادية للإرهاب؟ يبدو طرح السؤال بعد هجمات باريس المروعة أمرًا تافهًا، ولكنه إحدى القضايا المركزية التى يتصارع معها المستثمرون وصانعو السياسة. والمسلم به أن العمل الإرهابى لا يشكل سوى ومضة على الرادار فى الأضرار الاقتصادية، وغالبًا ما يشير خبراء الاقتصاد إلى بحث يظهر أنه بعد تفجير قطار مدريد عام 2004، وتفجير مترو لندن فى 2005، تغير بالكاد الناتج المحلى الإجمالى فى هذه الدول.
وحتى فى الولايات المتحدة، بعد هجمات 11 سبتمبر، ظل الاستهلاك مستقر نسبيًا، رغم تراجع الاستثمار، وكانت هناك تأثيرات أكبر على أماكن مثل بالى وتونس، التى يعتمد اقتصادها بشكل كبير على السياحة الخارجية.
وإذا كان من الممكن اعتبار سوق الأسهم مقياسًا للثقة الاقتصادية، فمن الملفت للانتباه مدى سرعة انتعاش البورصات بعد أى هجوم إرهابى، وفى حالة نيويورك ومدريد ولندن، تراجع السوق لفترة وجيزة ولكنه تعافى بعد ذلك، غالبا فى غضون أسابيع، وفى حالة هجمات 11 سبتمبر، عاد مؤشر ستاندرد آند بورز 500 إلى مستويات ما قبل الهجمات بعد 30 يومًا فقط.
ويوم الاثنين الماضى، هيأ المشاركون فى الأسواق المالية أنفسهم لانخفاض حاد فى أسعار الأسهم، إلا أن المؤشرات فى الولايات المتحدة ارتفعت بما يزيد على 1%، وكانت الأسواق فى أوروبا أقرب إلى الاستقرار.
ولكن رد فعل الأسواق المالية على هجمات باريس والهجمات السابقة ربما يعطى فكرة خاطئة عن التكلفة الحقيقية للإرهاب، والأهم من ذلك، أنه يقلل من التكلفة المحتملة لهجمات باريس.
وأفاد تقرير أصدره «سيتى جروب» بأن هجمات باريس يوم 13 نوفمبر لم تكن فى حد ذاتها محفزًا قويًا على تقلبات السوق، موضحًا أن الأسواق المالية «تعامل مثل هذه التطورات كحادث غريب وواقع مؤسف لعالم أصبحت فيه المجازر تطورًا يوميًا تقريبًا، ومقززًا».
ومع ذلك أوضح التقرير أن هذه المرة مختلفة، ويتفق هذا الرأى مع آراء بعض خبراء الأمن، الذين قالوا فى الأيام الأخيرة إن هجمات باريس مجرد حلقة فى سلسلة متصلة.
وقال «سيتى جروب»: «رفعنا خطر الهجمات الإرهابية ليس فقط فى الشرق الأوسط بل فى الغرب أيضًا، فضلًا عن تصعيد التدخل العسكرى فى معاقل داعش فى سوريا والعراق وليبيا».
ويمكن أن يكون لهجمات باريس آثار بعيدة المدى على مستقبل منطقة اليورو والشركات، التى تعمل هناك، وقد تزيد الأحداث فى باريس من الضغط لغلق الحدود فى منطقة اليورو، كما أنه يشعل النقاش بشأن الخصوصية والمراقبة التى يمكن أن يكون لها تداعيات كبيرة على شركات التكنولوجيا.
وخلال عطلة نهاية الأسبوع، أصدرت «إيفيركور أى إس أى»، الذراع البحثية لبنك الاستثمار «إيفيركور»، رسالة وجيزة لعملائها تشير فيه إلى أن الأحداث الأخيرة فى باريس قد تهدد الدعم السياسى داخل ألمانيا للمستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، التى تعد داعمًا كبيرًا لفتح الحدود للمهاجرين السوريين والحد من الرقابة الإلكترونية على الحرية المدنية.
وغالبًا ما تغيب الصورة الأكبر عن صانعى السياسة والمستثمرين عندما يقدرون تكلفة الإرهاب، ففى حين تعافت أسواق الأسهم سريعًا بعد هجمات 11 سبتمبر، فإن التكلفة الحقيقية للتدمير الاقتصادى بلغت تقريبًا 3.3 تريليون دولار.
وتضمن تحليل تكلفة هجمات 11 سبتمبر التى قامت بها صحيفة «نيويورك تايمز» الحساب الإجمالى للأضرار المادية التى بلغت 55 مليار دولار، والأضرر الاقتصادية، التى بلغت 123 مليار دولار، كما أنه تتضمن تكاليف أخرى، مثل، تكلفة تطوير وزارة الأمن الداخلى، التى بلغت 589 مليار دولار، وتمويل الحرب التى بلغت 1.6 تريليون دولار، وما عُرف بتكلفة استمرار تلك الحروب ورعاية المحاربين التى بلغت 867 مليار دولار.
وربما يقول بعض الاقتصاديين إن جزءا كبيرا من هذه التكلفة يرفع النمو الاقتصادى، وهذا صحيح نوعًا ما، فالحقيقة أنه شكل من أشكال الإنفاق غير المنتج، فتكاليف تطوير الأمن الوطنى والحرب تخلق ما يُطلق عليه الاحتكاك الاقتصادى فى النظام الذى يؤدى لتباطؤ كل شىء تقريبًا، وهو أمر من الصعب قياسه ولكنه موجود.
ودعونا نأمل أن تكون هجمات باريس حادثًا لن يتكرر، ولكن الدراسة تعد تذكيرنا بأن تكلفة الإرهاب قد تكون أكبر مما نعتقد.
المصدر: نيويورك تايمز








