بقلم: نواه فيلدمان
كان من المفترض أن تكون 2015، العام الذى سيستخدم فيه الرئيس الأمريكى باراك أوباما السلطة التنفيذية لإنجاز الأهداف الرئيسية لحكومته والتى أعاقها الكونجرس ومنها تقليل عمليات الترحيل، إغلاق السجن فى جوانتانامو وكوبا، وتضييق الحصول على أسلحة.
وتعثرت الأهداف الثلاثة، وأصبح قرار أوباما بشأن الهجرة، والذى تم الإعلان عنه فى نوفمبر 2014، فى وضع حرج فى المحاكم الفيدرالية، ولم تقرر المحكمة العليا بعد إذا كانت ستستمع لحجة الحكومة أم لا، وتعطلت خطة تنفيذية لإغلاق جوانتانامو، بعد هجمات باريس، وذلك بعد انتشار إشاعات حول الإعلان عنها قريبًا.
ومن المتوقع أن يكشف العام الجديد عن بعض القرارات التنفيذية بشأن الأسلحة، إلا أنه من المؤكد أنها ستتعثر أيضا فى المحاكم، وبالتالى قد لا تدخل حيز التنفيذ خلال فترة رئاسة أوباما.
وبالنسبة لليبراليين الذين يعجبون بفكرة أن أوباما لا يعيقه عائق، تبدو القيود على القرارات التنفيذية، سواء قانونية أو سياسية، كاغتصاب غير عادل للسلطة الرئاسية الشرعية، أما بالنسبة للمحافظين الذين لا تعجبهم السياسات التى قد يطبقها أوباما، يبدو التأخير فى تطبيق القرارات كدليل على أن النظام الثلاثى للحكومة ناجحًا.
ولكن من المحق؟ هذا السؤال مهم ليس فقط لأن الليبراليين يفضلون السلطة الرئاسية التنفيذية الأقوى، والمحافظين لا يحبذونها، وإنما لأنه سؤال سيتكرر، خاصة إذا فازت هيلارى كلينتون بالانتخابات، لأنه من غير المرجح أن يتحول مجلس الشيوخ ولا البيت الأبيض إلى ديمقراطيين.
وتوجد طريقتان مختلفتان للتفكير فى الفصل الدستورى للسلطات، أحدهم نصى وتاريخى، ويتساءل عن ماذا يقول الدستور، وكيف تم تفسيره على مر السنوات؟ والطريقة الأخرى وظيفية، وتبحث فى كيف تعمل حكومتنا فى الممارسة الواقعية، وكيف نريدها نحن أن تعمل.
ويعطى الدستور الأمريكى جميع السلطات التشريعية إلى الكونجرس، والسلطة القضائية إلى القضاء، والسلطة التنفيذية للرئيس.
ويميل مناصرو ما يعرف بـ«السلطة التنفيذية الواحدة» إلى التأكيد على أن سلطات الكونجرس تقتصر على سلطات معدودة، بينما السلطة التنفيذية للرئيس غير محددة إلا بالنص الواضح، ولكن يمكن استنتاج الكثير من هذه المجادلة.
فقد اعتقد واضعوا الدستور، خاصة جايمس ماديسون، أن هذا التعريف يعنى أن الوظيفة التنفيذية مصممة لتنفيذ القوانين التى يضعها الكونجرس، وبالتالى فإن القيود على سلطات الكونجرس تمتد بشكل مفهوم إلى الرئيس أيضًا.
كما عبر النص الدستورى بوضوح عن السلطات الأخرى للرئيس مثل دوره كقائد عام للجيش وصانع الاتفاقيات، ولكن هذه السلطات لا يمكن ممارستها إلا مع ومن خلال الكونجرس، والذى احتفظ بسلطة الإعلان عن الحرب والموافقة على الاتفاقيات من خلال مجلس الشيوخ.
والخلاصة أن الدستور لن يخبرك ما الذى ينبغى أن تعتقده بشأن السلطة التنفيذية الواحدة، وإنما ما تستنتجه أنت يمكن أن تطبقه وفق فهمك على النص.
وقد أعلن رؤساء سابقون عن قرارات تنفيذية للعفو عن بعض فئات المهاجرين غير الشرعيين، ومن الإنصاف أن نقول لا أحد أنجز فى هذا الصدد بقدر أوباما، أو أثر على حياة هذا الكم الكبير من البشر.
واتخذ أوباما قرارات تنفيذية بشأن الأسلحة فى عام 2013، ولكن تلك القرارات الثلاثة وعشرون لم تكن لتذهب لأبعد مما يُخول لأوباما الذهاب، وبالتالى فإن الإعلان عن قرارات جديدة والتى لا تتجاوز سلطات الرئيس أمرًا يتطلب إبداعًا قانونيًا خطيرًا.
وبالنسبة لجوانتانامو، توجد مساحة لنظرية الإبداع القانونى التى قد تؤدى بالأخير لإغلاقه، خاصة إذا أكدت الحكومة على سلطة الرئيس على الأسرى خلال أوقات الحرب.
ولكن من الإنصاف أن نعترف بأن سلطات الرئيس تكون عند «أدنى مستوى» على حد وصف القاضى روبرت جاكسون، عندما يتدخل الكونجرس، مثلما فعل فيما يتعلق بنقل المحتجزين فى «جوانتانامو» إلى الأراضى الأمريكية.
والتحول إلى الطريقة الوظيفية يتطلب أن نسأل أنفسنا إذا كان من المعقول أن يكون الرئيس قادرًا على كسر الجمود بشأن القضايا السياسية الخلافية، فقضايا الهجرة، وجوانتانامو، والأسلحة كلها قضايا من المحتمل ألا يتفق عليها الأشخاص العقلاء وغير العقلاء.
ومن غير المثير للدهشة أن تؤدى هذه المسائل الخلافية بدرجة كبيرة، والتى تقسم الدولة حسب الإيدلوجية والثقافة، إلى جمود فى التحرك الحكومى.
ومن المحبط بقدر كبير أن نعيش تحت نظام دستورى يتسبب فى جمود بوجه الخلاف، والنظام الدستورى الأمريكى يفعل ذلك، وليس بسبب تصميمه القانونى فقط، وإنما الوظيفى أيضًا، كما أن نظامنا القائم على حزبين وضع على مر الوقت قاعدة تسمح للحزب الذى لا يسيطر على الرئاسة أن يعيق القرارات، خاصة إن كان يسيطر على الكونجرس.
وقد لا يعجب ذلك الليبراليوناليوم، ولكن عليهم أن يتذكروا أنه فى حال فوز دونالد ترامب بالرئاسة، سيكونون من أشد المؤيدين للقيود على ما يستطيع الرئيس فعله وحده.
وبالنسبة للمحافظين، ينبغى أن يتذكروا عندما يتولون الرئاسة مجادلاتهم للحد من السلطات الرئاسية، وألا يلعنوا المحاكم والسياسات عندما تتسبب فى الجمود.
المصدر: وكالة أنباء «بلومبيرج»







