بقلم: جون أندروز
ما الذى يفسر اللجوء للصراع المسلح لتسوية الصراعات فى العالم؟ ومن فترة ليست ببعيدة كان الاتجاه نحو السلام وليس الحرب، فبعد عامين من انهيار الشيوعية فى 1989، احتفل الرئيس جورج بوش الاب بـ «نظام عالمى جديد» يتسم بالتعاون بين القوى العالمية.
وبعد أن حصدت الحرب العالمية الثانية روح 55 مليون إنسان، ووصلت فيها الوحشية الانسانية ذروتها، كان متوسط الوفيات نتيجة الصراع المسلح فى الفترة ما بين 1950، و1989 حوالى 180 ألف شخص سنويا، وفى التسعينيات، انخفضت الحصيلة إلى 100 ألف سنويا، وفى العقد الأول من القرن الجارى تراجعت اكثر إلى 55 ألف شخص سنويا، وهو الرقم الأدنى فى أى عقد فى المئة عام الأخيرة.
وللأسف، وكما أشرت فى كتابى «العالم فى صراع»، تتحول الحصيلة للاتجاه المعاكس، وبالنظر إلى وجود الحروب الافريقية، من جمهورية الكونجو الديموقراطية إلى الصراع فى صوماليا، منذ عقود، فإن تفسير ارتفاع حصيلة القتلى يقبع فى مكان آخر ألا وهو العالم الإسلامى من شمال نيجيريا وحتى أفغانستان وغيرها.
ومنذ اندلاع الحرب الأهلية السورية فى 2011، قفزت الحصيلة إلى أكثر من 250 ألف قتيل، ونزح أكثر من نصف السكان، ما تسبب فى فيضان من المهاجرين إلى الدول المجاورة وإلى الاتحاد الأوروبى.
وبالفعل، فإن الصراع السورى وحده قادر على تغيير اتجاه حصيلة القتلى، وسوف يصبح المسار التصاعدى أكثر حدة إذا أضفنا عدد القتلى فى العراق واليمن وليبيا.
والسؤال يكمن فى متى – أو هل – ستتجه الحصيلة للهبوط مجددا؟ بفضل المؤسسات متعددة الأطراف مثل الأمم المتحدة، نادرا ما تخوض دولة حربا مع دولة أخرى، وبالمثل بفضل الاتحاد الأوروبى – الذى حصل على جائزة نوبل فى 2012 لمجهوداته على مدار ستة عقود لتعزيز السلام والمصالحة والديموقراطية وحقوق الإنسان فى أوروبا – لم تعد فكرة نشوب حرب بين ألمانيا وفرنسا منطقية.
وبدلا من ذلك، أصبحت الحروب بين دول وجماعات مثل نيجيريا وبوكو حرام، أو بين الهند ومسلحى الناكساليت، أو أصبحت حروبا أهلية مثل ما يحدث فى جنوب السودان أو ليبيا، أو حروب بالوكالة من نفس النوع المستخدم أثناء الحرب الباردة، مثل نشر إيران مقاتلى حزب الله فى سوريا للدفاع عن نظام بشار الأسد.
وأيا ما كانت الأسباب المختلفة، والمتداخلة عادة – الأيديولوجية، الدين، العرق، التنافس على الموارد – للصراع، فقد أعطى الجنرال البروسى، كارل فون كلاوزفيتز، إجابة قوية لسؤال لماذا نلجأ إلى العنف: «الحرب هى فعل من أفعال القوة لإجبار عدونا على تنفيذ إرادتنا».
ولكن هل القوة وحدها هى ما ستجبر الدولة الإسلامية على الاستسلام، وستنهى التطرف الجهادى فى العالم الإسلامى؟ هناك سببان يشككان فى ذلك، الأول هو تردد القوة الخارجية القوية عسكريا، سواء أمريكا او حلفاءها فى الناتو أو روسيا، لإرسال قوات أرضية بعد الخبرات الأليمة فى العراق وأفغانستان.
والسبب الثانى هو المعتقد الأساسى للكثير من المسلمين البالغ عددهم 1.3 مليار مسلم، وهو أن دول العالم العربى هى نتاج الاحتلال الاستعمارى، بعد أن كانت الخلافة فى يوم من الأيام تنشر الحضارة من بلاد ما بين النهرين إلى المحيط الأطلنطى.
وعندما أعلن أبو بكر البغدادى فى يونيو 2014 عن خلافة جديدة، ونصب نفسه أميرا للمؤمنين، فقد ضرب على وتر حساس لكثير من المسلمين، وبالنسبة للبعض ما يرتكبه من أعمال وحشية، لا يختلف كثيرا عن مجهودات السعودية على مدار عقود لنشر الفكر الوهابى عبر المساجد والمدارس حول العالم.
بمعنى آخر، يجب تغيير الرسالة ليعود السلام للعالم الإسلامي، وهذا لن يحدث فى وقت قريب، فأولا، سيتعين على السعودية السنية الاعتدال فى كراهيتها للشيعة بشكل عام، ولدولة إيران ذات الأغلبية الشيعية بشكل خاص.
وفى الوقت الذى تمتلك فيه الدولة الإسلامية رجالا وأموالا وأراضى وخبرة عسكرية (معظمهما من الضباط السابقين فى الجيش العراقى)، سوف تدرك السعودية بالأخير أنها تحتاج مساعدة إيران لهزيمة التنظيم.
وفى النهاية، سوف تنهار الدولة الإسلامية عندما يطالب رعاياها بالحق فى الاستماع إلى الموسيقى أو التصرف كما يحلو لهو، ولكن فى الوقت الراهن، سوف تواصل حصيلة القتلى من الصراعات الارتفاع، ساخرة من الدبلوماسيين، وصناع السلام، ومدّعى الإنسانية والحضارة حول العالم.
إعداد: رحمة عبدالعزيز المصدر: موقع بروجكت سينديكت








