عندما قرر البنك المركزى خفض قيمة الجنيه بشكل حاد بعد شهور من تجاهل هذا الطلب، كان مستوى الاحتياطى لديه قد تراجع ليغطى بالكاد 3 شهور من الواردات، وهو ما لا يكفى للدفاع عن الجنيه مجدداً فى حال استأنف الدولار صعوده لمستويات جديدة.
لكن هذه الخطوة الجريئة تعنى أن البنك المركزى لديه ما يراهن عليه لتحسين موقف احتياطياته من العملة الأجنبية وتوفير السيولة الدولارية التى تحتاجها شرايين الاقتصاد الذى تأثر بشدة من نقص العملة خلال الشهور الأخيرة.
1- إعادة المستثمرين الأجانب لسوق الدين الحكومى:
أحد أكبر الأهداف التى يسعى إليها البنك المركزى حاليا هو إعادة المستثمرين الأجانب لسوق الدين الحكومى بعد خروجهم فى 2011، وتسبب خروجهم آنذاك فى انهيار احتياطى النقد الأجنبى بعدما نزحوا 11 مليار دولار كانوا يستثمرونها فى سوق الدين المحلى للاستفادة من الفروق الكبيرة فى سعر الفائدة بين الجنيه والدولار.
وساهم خروج هذه الأموال لتراجع مستوى الاحتياطى من أعلى قيمة وصل إليها وكانت 36.5 مليار دولار إلى حوالى نصف قيمته فى غضون سنة واحدة، وفشلت المحاولات السابقة لاستعادة هؤلاء المستثمرين مجدداً.
وتعتمد خطة البنك المركزى فى جذب المستثمرين الأجانب فى أدوات الدين الحكومى على عدة جوانب أهمها خفض القيمة المبالغ فيها للجنيه، وضمان تحويل أموالهم للخارج فى حال رغبتهم فى الخروج من السوق، ورفع سعر الفائدة المحلية لمستويات مغرية.
وحقق خفض قيمة الجنيه 14.5% اليوم الهدف الأول تقريبا، وأعلن بنكا الأهلى ومصر عن طرحهما عقود خيارات لضمان استثمارات الأجانب فى سوق الدين، وتوفير السيولة اللازمة لتخارجهم وقتما يريدون.
كما يتأهب البنك لرفع معدل الفائدة على أدوات الدين الحكومى فى اجتماع لجنة السياسة النقدية يوم الخميس المقبل، بمعدلات قد تتراوح بين نصف ونقطة مئوية كاملة.
2- جذب الدولار من السوق غير الرسمى إلى السوق الرسمى:
قال البنك المركزى فى بيان له اليوم إنه سيتبنى موقفا أكثر مرونة فى سوق الصرف لمعالجة التشوهات التى تعانى منها، وهو ما يشير إلى احتمال إقدامه على ترك الجنيه جزئيا لقوى العرض والطلب، ما سيترتب عليه إفقاد السوق غير الرسمى لتداول العملة أى ميزة لها.
وأدى خفض الجنيه اليوم رسمياً إلى اختفاء الفوارق بين السوقين تقريباً، ويمكن لخطوة مثل هذه أن تقنع الشركات ذات الإيرادات الدولارية والمصدرين ببيع حصيلتهم الدولارية فى السوق الرسمى، بدلاً من السوق غير الرسمى وهو ما سيرفع موارد الجهاز المصرفى من الدولار اللازم لتلبية الطلب على العملة الأمريكية، للتجار والمستثمرين.
واتخذ البنك المركزى خطوات أخرى بالتنسيق مع البنوك العامة لإقناع حائزى الدولار بالاحتفاظ به فى الجهاز المصرفى، وقامت تلك البنوك برفع سعر الفائدة الدولارية لمستويات عالية لتحقيق هذا الهدف.
3-جذب الشركات الأجنبية المترددة فى دخول السوق:
واحدة من أكبر المشاكل التى واجهت الشركات خلال الفترة الماضية كانت نقص الدولار اللازم لتمويل مدخلات الإنتاج، أو لتحويل الأرباح للخارج، وهو ما دفع عدد كبير من الشركات الأجنبية للتردد فى ضخ استثمارات فى مصر قبل حل أزمة العملة.
ووفقاً لمكاتب الاستشارات المالية والقانونية التى تحدثت إليها «البورصة» فى وقت سابق ارتفع عدد المستفسرين عن نقص العملة فى مصر من الشركات التى كانت تفكر فى الاستثمار فى مصر بشكل كبير، وكان الرد الذى تحصل عليه تلك الشركات أن هناك أزمة.
وسيؤدى خفض قيمة الجنيه وتوحيد سعر الصرف ورفع القيود على الإيداعات الدولارية إلى جذب الشركات للسوق المحلى من جديد لأنها ستستطيع توفير السيولة اللازمة لدفع مستحقات الموردين وتحويل أرباحها للخارج.
ومن المفترض أن تؤدى كل تلك العوامل التى يراهن عليها البنك لزيادة الحصيلة الدولارية للبلاد بشكل عام وحل الاختناقات التى تعانى منها الشركات فى معظم القطاعات الاقتصادية، وهو ما سيؤدى فى النهاية لجلب المزيد من الموارد الدولارية، تمكن البنك المركزى من بناء احتياطى نقدى وإطفاء الحرائق المنتشرة فى جسد الاقتصاد، فى تكرار لأحداث العام 2003، عندما تخلى البنك المركزى عن استهداف سعر محدد للدولار والتحويل لتوفير السيولة الدولارية.








