أزداد ألماً ووجعاً كلما جاء «عيد الأم» ولا أحتفل به مع أمى منذ أن توفاها الله… ولم أعد أملك لها سوى الدعاء… إلا أن هذا العام ازداد ألمى وسخطى على ما وصلنا إليه وهو أن نحتفل فى ذكرى «عيد الأم» بالإفراج عن بعض الأمهات الغارمات.
تصور معنى أن أماً تسجن لعجزها عن سداد أقساط جهاز ابنها أو ابنتها أو سلع لمنزلها.. أى جريمة هذه وأى عدالة تلك التى تسارع فى الحكم على هؤلاء البسطاء بالسجن لمجرد أنهن ضربن الأرض طولاً وعرضاً من أجل إتمام زواج أبنائهن أو بناتهن… كيف نسمح بسجن أم وغيابها عن أسرتها وأبنائها بهذه الجريمة التى هى وصمة عار على جبين المجتمع كله الذى لم ينتفض لوقف هذا الفعل المشين والذى يهدد بتفكيك كثير من الأسر ويشوه سمعة سيدات فاضلات لم يسرقن ولم يبعن أجسادهن من أجل ستر أبنائهن كيف نسجن هؤلاء ويصبحن مجرمات فى زنزانة واحدة مع القتلة والداعرات وتجار المخدرات كيف ستكون نظرتهن للمجتمع بعد أن عاقبهن بالسجن ولم يفعلن شيئاً مشيناً مثل أفعال الدعارة والسرقة والقتل وغيرها من الأفعال المجرمة… وماذا ستقول الأم التى سجنت لعجزها عن سداد الأقساط لأبنائها عن الرزق الحلال والفضيلة وحب الوطن… ما ذنب هذه الأسر فيما وصلت إليه من فقر نتيجة تردى الأحوال الاقتصادية وعجز الحكومات عن رفع مستوى المعيشة وإخراج هذه الأسر من الفقر… وأين المجتمع الذى يرضى بسجن هؤلاء لماذا لم يتحرك أحد ويبادر بوقف تنفيذ العقوبة فى مثل هذه الجرائم وإعطاء مهلة للسداد وتتولى الجمعيات الأهلية ومؤسسات العمل الخيرى ذات الملاءة المالية الكبيرة مثل مصر الخير وبيت الزكاة وجمعيتى رسالة والأورمان وغيرهما.. بالاتفاق مع وزارة العدل بعدم تحريك الدعاوى الجنائية إلا بإخطار هذه المؤسسات لتتمكن من سداد ديون الغارمات أو أن يتم عمل صندوق للغارمات ببنك ناصر الاجتماعى كصندوق المطلقات يتولى سداد هذه المديونيات ويرحم كثيراً من الأسر من غياب الأم ويعمق انتماء الأبناء بالوطن وبأهله… الغريب أن يحدث هذا فى دولة يدعو دينها الحنيف إلى التكافل والقرآن الكريم يعدد مصارف الزكاة ويحث على أدائها ولا نسمع صوتاً للأزهر يطالب بوقف هذه العقوبة أو إيجاد آلية تضمن عدم سجن الغارمات.. وإن كان من خلال بيت الزكاة مثل غيره من الجمعيات قد خصص جزءاً من موارده لسداد ديون الغارمات، ولكن كم منهن استفادت من هذه المبالغ التى توجهها مؤسسات العمل الخيرى.. إننا نريد آلية واضحة وعاجلة تضمن عدم سجن الغارمات لا أن ننتظر حتى يسجنن ثم نتبارى بالتشهير بهن فى الفضائيات ووسائل الإعلام وتتباهى كل جمعية أو مؤسسة بأنها نجحت فى سداد ديون عدد من الغارمات.
تصوروا أن يكون هذا حال الأمهات فى بلدنا.. الأمهات اللاتى فضلهن الله تعالى وجعل الجنة تحت أقدامهن نحن نسجنهن ونعاقبهن مثل المجرمات فى قضايا غير أخلاقية أى عار هذا.. هل يعقل أن يكون مصير أمهات الجنة السجن.
لقد نجحت الدراما والسينما فى الانتصار لكثير من قضايا وحقوق المرأة بتعديل بعض التشريعات مثل فيلم «أريد حلاً» لسيدة الشاشة فاتن حمامة.. ألا تستطيع الدراما أن تفضح هذه الظاهرة وتطرحها فى عمل درامى يراه الجميع مجتمعاً ودولة ويجدون حلاً لوقف سجن الأمهات الغارمات.. أعتقد أن هذا سيكون أفضل تكريم للأمهات وأفضل هدية نقدمها لأمهات الجنة إذا ما كنا لا نزال نبرهن.








