الشركات تركز على زيادة حصتها السوقية لمزيد من السيطرة
107 مليارات دولار صفقة شراء شركة مشروبات أمريكية
يثير صعود الشركات العملاقة حتى بما يفوق صعود اقتصادات دولها نفسها العديد من الاسئلة، لكن السؤال العملى بالنسبة للمجتمع يتعلق بالفائدة أو الضرر المترتب على سيطرة مجموعة صغيرة من الشركات بعضها قديم وآخر جديد مرة أخرى على الاقتصاد العالمي. ويعيد أدريان وولدريدج الخبير الاقتصادى ومؤلف كتاب الثورة الرابعة، طرح هذا السؤال بحثا عن اجابة.
وقديما، حذر تيودور روزفلت الرئيس الامريكى الاسبق فى خطاب له عام 1910 من أن نهضة الاقتصاد الصناعى فى الولايات المتحدة محفوفة بالمخاطر جراء سيطرة حفنة من الشركات على القطاع يتولد معها ثروة لا مثيل لها لصالح عدد قليل من الناس، مما يساعدها على ممارسة نوع من السيطرة المتزايدة على السياسة الأمريكية.
وحذر روزفلت من أن الدولة التى تأسست على مبدأ تكافؤ الفرص تواجه خطر أن تصبح أرض امتيازات للشركات، وتعهد ببذل كل ما فى وسعه لوضع عمالقة الاقتصاد تحت السيطرة من جديد.
لكن التجربة علمت الخبراء عبر التاريخ أنه مهما عملت الدول على الجمع بين مزايا الحجم الكبير للشركات مع فضائل وجود شركات منافسة صاعدة فإن العمالقة يسحبون التقدم من منافسيهم فى منطقة تلو الأخرى مع بناء دفاعات قوية ضد المنافسة بما فى ذلك أكوام النقد الهائلة التى تعادل %10 من الناتج المحلى الإجمالى فى أمريكا و%47 فى اليابان.
وأدى السعى للحصول على أكبر حصص فى السوق الى تركيز الشركات على نقطة الحجم لا التأثير فى القطاع فنتج عنها سوق صاعد عالميا فى عمليات الاندماج والاستحواذ.
ففى عام 1990 كان هناك 11.5 الف صفقة اندماج واستحواذ تعادل قيمتها الإجمالية %2 من الناتج المحلى الإجمالى العالمى ومنذ عام 2008 ارتفع العدد إلى 30 الفا فى السنة تصل قيمتها إلى حوالى %3 من الناتج المحلى الإجمالى العالمي.
وسمحت سلطات مكافحة الاحتكار الأمريكية مؤخرا لـ«انهيزر بوش إن بى في» وهى واحدة من أكبر شركات المشروبات فى العالم بشراء سابميلر، شركة المشروبات عالمية أخرى فى صفقة قيمتها 107 مليارات دولار.
ويظهر تأثير الشركات العملاقة فى أوج عظمته داخل الولايات المتحدة اكبر واكثر اقتصادات العالم تطورا، حيث ارتفعت حصة الناتج المحلى الإجمالى الاسمى الناتجة عن أكبر 100 شركة أمريكية من حوالى %33 من الناتج المحلى الإجمالى فى عام 1994 إلى %46 فى عام 2013، وارتفعت حصة اكبر 500 شركة من %57 إلى %63 خلال نفس الفترة. وفى مقابل ذلك الصعود الكبير للعمالقة تراجع عدد الشركات المدرجة فى البورصات الامريكية للنصف تقريبا بين عامى 1997 و2013 من 6797 شركة الى 3485 شركة وفقا لفريق بحثى ثلاثى من جامعة رايس تراسه جستافو جرليون، مما يعكس الاتجاه نحو اندماج الشركات وزيادة حجمها.
كما تراجع ايضا عدد الشركات الناشئة فضلا عن عدد الشركات القادرة على الاستمرار فى السوق حيث يموت بعضها قبل ان يولد على حد وصف وولدريدج فى مقاله على موقع «لايف سبيس كونيكت»، مشيرا الى ضعف عدد الشركات الجديدة مقابل الشركات التى أغلقت ابوابها.
ولفت روبرت ليتان من مجلس العلاقات الخارجية، وإيان هاثاواي، من معهد بروكينجز النظر فى تحليلهما الى أن عدد الشركات الناشئة أقل مما كان عليه فى أى وقت مضى منذ أواخر السبعينيات من القرن الماضي، وأن المزيد من الشركات تموت أكثر مما تولد مما أدى إلى ارتفاع متوسط أعمارها وقد انعكس ذلك على ضعف حركة العمال الأمريكيين عبر حدود الولايات المختلفة لمعدلات اقل من سبعينيات القرن الماضي.
ففى القطاع المالى زادت أكبر خمسة بنوك حصتها من الأصول المصرفية فى أمريكا من %25 فى عام 2000 إلى %45 حاليا والحال لا يتغير فى البلدان الغنية الأخرى مثل بريطانيا وكوريا الجنوبية.
وتضررت المنافسة حتى على النطاق القارى فالشركات العملاقة قاريا فى قائمة الـ 100 الاكبر عالميا من حيث القيمة السوقية التى جمعتها برايس ووترهاوس كوبرز، وهى شركة للمحاسبة شهدت تراجع عدد الشركات الأوروبية من 19 فى 2009 الى 17 شركة حاليا.
فى الوقت نفسه، باتت الشركات العملاقة تعتمد على رقمنة العمل من اجل الحد من التوظيف ففى 1990 حققت أكبر شركات صناعة السيارات الثلاث فى ديترويت عائدات اسمية 250 مليار دولار، بينما قيمتها السوقية 36 مليارا وتوظف 1.2 مليون موظف لكن فى عام 2014 كانت أكبر ثلاث شركات للتكنولوجيا تحقق ايرادات 247 مليار دولار وبلغت القيمة السوقية لها أكثر من تريليون دولار لكنه توظف فقط 137 الف شخص.
