الآن وبعد أن انتهت جولة الإعادة الرئاسية وقبل أن نعلم الكثير عن النتائج، تحمّلونى واسمحوا لى أن أسمّى الأمور بمسمياتها فى لحظة مخاطر وفرص عدة تمر بها حياتنا السياسية.
انتخبت مصر الرئيس بعد أيام من حكم المحكمة الدستورية العليا القاضى بحل مجلس الشعب، ويعنى هذا أن المرحلة الانتقالية التى نعيش بها منذ ١١ فبراير ٢٠١١ ستمتد وأن دور المجلس العسكرى سيستمر. سينقل العسكرى صلاحيات الرئيس للرئيس المنتخب بعد أداء اليمين الدستورية، إلا أنه لن يسلم السلطة فى ١ يوليو ٢٠١٢ حيث عاد له الاختصاص التشريعى وصلاحية إقرار الموازنة العامة بعد حل مجلس الشعب.
يتحمل «العسكرى» وتتحمل جماعة الإخوان والتيارات السلفية المسئولية الأكبر عن المسار الخطأ الذى سرنا عليه من استفتاء التعديلات الدستورية فى مارس ٢٠١١ وإلى اليوم. مسار الانتخابات أولاً، والذى عارضتُه حتى يوم الاستفتاء ثم احترمت رأى الأغلبية التى أقرته والذى اقترحه العسكرى، وروج له شعبياً بعنف وبتوظيف للدين فى السياسة الإخوان والسلفيون، رتّب أزمات متتالية أفسدت المرحلة الانتقالية ولم تمكّن من بناء مؤسسات نظام ديمقراطى جديد. عدنا بحل مجلس الشعب إلى المربع رقم واحد وانتخبنا الرئيس دون صلاحيات محددة، وقبل الحل لم يكن للمجلس اختصاصات واضحة والتضارب بينه كسلطة تشريعية وبين العسكرى والحكومة كان سيد الموقف.
وعلى عاتق الإخوان تقع أيضاً مسئولية كبرى فى تمكين العسكرى من الاستمرار فى الحياة السياسية طوال الفترة الماضية وتجدد دوره خلال الفترة المقبلة. فالجماعة، وهى الفصيل الأكبر فى الجماعة الوطنية، تعاملت فى أكثر من محطة فاصلة مع القوى الليبرالية والثورية باستعلاء بالغ ورغبة فى الهيمنة وتجاهلت فرض التوافق الوطنى، مدفوعة بمصالح الجماعة وحزبها. لم يُبنَ توافق حقيقى قبل الانتخابات التشريعية ولا فى تشكيل التأسيسية؛ الأول والثانى، ولا فى إدارة العمل داخل مجلس الشعب. صمتت الجماعة أيضاً عن إجراءات قمعية وممارسات غير ديمقراطية تورط بها العسكرى ودفعتها المواءمة السياسية إلى التخلى عن الدفاع الصريح عن حقوق الإنسان واًلمطالبة بنقل سريع للسلطة للمدنيين. لم يعد الإخوان اكتشاف الثورة، لا فى البالون ولا ماسبيرو ولا محمد محمود ولا مجلس الوزراء، فقط عندما بدأ التنازع بينهم وبين العسكرى بشأن الحكومة والترشح للرئاسة. ولم تكن التيارات السلفية فى هذا الصدد مختلفة جذرياً عن الإخوان.
أما التيارات المدنية والأحزاب الليبرالية والمجموعات الكثيرة غير المنظمة من ائتلافات وشباب الثورة، فهى تتحمل كامل المسئولية عن وقوعها فى أسر نمط من الفعل السياسى لم يخرج أبداً من خانة رد الفعل ولم يحسن تنظيمياً قدراتهم على منافسة القوتين الأكبر فى السياسة المصرية الجيش والإخوان. كوّن البعض، ولا أعفى نفسى من المسئولية، أحزاباً نافست بقدرات محدودة فى الانتخابات التشريعية وظل البعض الآخر متمسكاً بالأدوات الاحتجاجية دون غيرها، والبعض الثالث دفع بأكثر من مرشح فى الانتخابات الرئاسية وفتّت من ثَمّ الأصوات على نحو أبعد مرشحيه عن الإعادة. كذلك قبلت بعض التيارات المدنية وبعض رموزها الدور المستمر لـ«العسكرى» فى السياسة، بل ولجأوا إليه أكثر من مرة فى صراعهم مع الإسلام السياسى واستدعوا بهذا قوة غير منتخبة وغير سياسية للفصل بين المنتخبين والقوى السياسية.
والحقيقة أيضاً هى أن لا الإخوان والسلفيين ولا التيارات المدنية تعاملوا بجدية وبرؤية استراتيجية واضحة مع تحديات تسلم السلطة من العسكرى، وغابت مائدة المفاوضات الجادة التى كان ينبغى أن تجمع الأطراف كلها للتباحث حول شروط التسلم ووضع الجيش فى النظام السياسى بعده وغير ذلك من قضايا حاكمة. كذلك تعاملنا جميعاً باستهتار شديد مع الظروف المعيشية السيئة لأغلبية المصريات والمصريين، ووُظف هذا بالسلب ضد كل القوى السياسية وأفقدها مصداقيتها.
أما «العسكرى» فأدار المرحلة الانتقالية، إن بخطة محددة أو بتعامل ممنهج مع معطيات الأشهر الماضية (وأنا أقرب إلى القراءة الثانية)، على نحو أعادنا أيضاً إلى المربع واحد. لم يحقق بجدية فى انتهاكات حقوق الإنسان التى وقعت ولم يحاسب المسئولين عنها، واستمرت أجهزة الدولة التنفيذية والإدارية على حالها دون تطهير أو إصلاح، ولم يستجب منذ اللحظة الأولى للمطالبة بالشراكة بين العسكرى والقوى السياسية لإدارة المرحلة الانتقالية وتم التعامل مع القوى هذه كلٌ بمفرده، ووُظفت أجهزة الإعلام لتشويه الثورة والثوار والانقلاب عليهم، واتخذ إجراءات أقل ما توصف به أنها قمعية، وآخرها قرار وزير العدل بإعطاء الضبطية القضائية للمخابرات الحربية والشرطة العسكرية فى انتهاك صارخ لضمانات حريات وحقوق المواطنين. والآن، وبعد حل مجلس الشعب، سنظل مع دور ممتد لـ«العسكرى» فى السياسة فى ظل غياب يتجدد للمؤسسة التشريعية.
والتحول الديمقراطى هو الخاسر الأكبر من جراء كل هذا!
بقلم : عمرو حمزاوى – الوطن