بقلم: دانيال دومبى
وقف أحمد داود أوغلو، وزير الخارجية التركي، فى البرلمان ليفصح عن رؤيته حيال الشرق الأوسط بحيث تكون انقرة “القائد والخادم والزعيم”، وقال ان منطقة الشرق الاوسط سوف يحكمها العدل والارادة الشعبية وليس الديكتاتورية لتصبح تركيا محاطة بمنطقة يسودها السلام والاستقرار والرخاء.
ولكن المخاوف التى تسود أنقرة فى الوقت الراهن هو أن يتسرب عدم الاستقرار من جيرانها إلى تركيا وهو ما يخالف ما أعلنه اوغلو داخل البرلمان، ومن الأحداث التى وقعت مؤخرا وتؤكد هذا القلق الشديد هو القبض على جاسوسين ايرانيين متهمين بالتجسس على المنشآت العسكرية التركية ومعركتها ضد المسلحين الاكراد ودعمها للثوار السوريين، وازدادت هذه القضية اهمية منذ ان افادت التقارير بأن الشرطة التركية اكتشفت شبكة تجسس ايرانية تضم أكثر من مائة جاسوس متدربين بشكل احترافى.
تسلط هذه القضية الضوء على التوتر الذى يسود العلاقة بين أنقرة وطهران، هذان الجاران اللذان لم يكونا يوما على وفاق حيث ان الحكومتين على خلاف بشأن محطة رادار حلف الناتو الموجودة على الاراضى التركية والتى تهدف إلى تحييد الصواريخ الايرانية، ويأتى بعد ذلك نزاعهما حول القضية السورية.
ويقول النشطاء والدبلوماسين الاجانب ان تركيا تساعد فى تسليح الجيش السورى الحر رغم نفى انقرة، كما ان هناك شكوكاً حول مساعدة ايران للرئيس بشار الاسد، فإذا كانت انقرة وطهران ليسنا متورطتين فى حرب بالوكالة، فان ذلك على الاقل محاكاة لتلك الحرب.
ورغم ان تركيا وايران تختلفان حول القضية السورية الا انهما تعملان معا فى مجالات اخري، حيث تعد ايران ثانى اكبر مورد للغاز لتركيا المتعطشة للطاقة، كما كانت مبيعات الذهب التركى لطهران ضخمة جدا فى النصف الاول من العام الحالى وعززت من ارباح صادرات انقرة، ولكن لم تقلل هذه العلاقات من حدة التوترات بينهما.
لا تنحصر مشاكل تركيا فى خلافاتها مع ايران وسوريا، حيث تدهورت علاقاتها ايضا مع الحكومة الشيعية فى العراق المقربة لايران والتى اعلنت تركيا كدولة معادية لبغداد ولايوائها نائب الرئيس العراقى الهارب، كما ان تحالف تركيا مع اسرائيل أصبح الان ماضيا.
ما تشهده تركيا من احداث داخلية فى الوقت الراهن يزيد من مخاوفها ازاء عدم استقرار الدولة، حيث وصلت المعركة ضد المسلحين من حزب العمال الكردستانى إلى مرحلة من الاحتقان لم تشهدها البلاد منذ القرن الماضي، حيث قُتل عشرة اشخاص من الجنود ورجال الشرطة مؤخرا اثناء تبادل لاطلاق النار مع حزب العمال الكردستاني.
وهناك رأى يقول إن أنقرة كسبت عداء جيرانها الذين من الممكن ان يتدخلوا فى شئونها الداخلية عندما تحاول أن تكون أكثر تأثيراً فى الشرق الاوسط، وربما لم يبق أمامها فى اعقاب الثورات العربية اى خيار سوى ان تتخذ جانبا، ويرى محمد على بيراند، كاتب تركى ان معركة أنقرة مع حزب العمال الكردستانى هى النقطة التى يمكن ان تستغلها الدول الاخرى إذا ارادت ازعاجها، واتفق اكثر من كاتب تركى على ان دولتهم أصبحت تشبه دول الشرق الأوسط إلى حد كبير حيث سارت اكثر اضطرابا وتورطا مع شئون جيرانها واكثر تعصباً، قد يكون ذلك الرأى مبالغا فيه، فتركيا لديها عرف ديمقراطى تفتقر اليه جيرانها فضلا عن حكومة قوية يقودها حزب شعبى واقتصاد نابض بالحياة، الا ان هذا لا ينفى الحقيقة بأن موجة الاحداث التى تشهدها البلاد كفيلة بأن تثير خوف الدولة من الانزلاق إلى دوامة عدم الاستقرار، وعندما سئل الأتراك فى احد الاستطلاعات الحديثة حيال ما اذا كانوا يعتقدون أن تركيا سوف تكون أحد أعضاء الاتحاد الأوروبي، قال 17% منهم فقط «نعم».
إعداد: نهى مكرم
المصدر: فاينانشيال تايمز







