بقلم: ميجان سوليفان
مع هدوء الاحتجاجات العنيفة المناهضة لامريكا التى اجتاحت العالم الإسلامى، بدأ كل من فى المنطقة والولايات المتحدة يتساءلون ما إذا كان هذا الغضب العارم سيستمر أثره طويلا.
من الجوانب التى قد يكون للاضطرابات الأخيرة أثر دائم عليها هى مدى احترام حرية التعبير فى الشرق الاوسط الجديد، شهد الاسبوع الماضى تبادلاً جاداً لوجهات النظر بشأن هذه القضية بين قادة العالم فى الامم المتحدة، سعى الرئيس الامريكي، باراك أوباما، ليوضح للعالم سبب تمسك الامريكيين بحقهم فى التعبير حتى عن الآراء اللاذعة، بينما عبر الرئيسان المصرى واليمنى عن رؤية مختلفة حيال حدود حرية التعبير.
ويأمل العديد ان تدفع تلك الاحداث التى وقعت على مدار الاسبوعين الماضيين وكشفت النقاب عن نقاط ضعف حكومات ما بعد الثورات العربية، القادة لمواجهة الواقع الذى كانوا هم والمجتمع الدولى سعداء حتى هذه اللحظة بالتهاون به، وعلى سبيل المثال اتجهت ليبيا لمعالجة مشكلتها الكبرى وهى غياب سيادة القانون وتفشى الميليشيات العنيفة.
وبعد ان نزح عشرات الآلاف من الليبيين الى شوارع بنغازى الشهر الماضى للاحتجاج ضد الهجوم الذى أسفر عن مقتل السفير الامريكى وثلاثة من زملائه، امر محمد ماجاريف، رئيس الجمعية الوطنية الليبية، بحل جميع الميليشيات التى لم تقرها الحكومة، واعطت الحكومة تلك الجماعات مهلة 48 ساعة لنزع السلاح واخلاء المنشآت والمبانى العامة.
ورغم أنها خطوة مهمة وجريئة فإنها ليست حلاً لجميع التحديات التى يواجهها الامن فى ليبيا، حيث اكدت احداث بنغازى أن انعدام الأمن ليس مشكلة الليبيين وحدهم ولكنه أيضاً يشكل تهديداً على جيرانها وباقى دول العالم، والحل الامثل أن يطلب الليبيون مزيداً من المساعدات الامنية لبناء جيش وطنى قوى وتعقب الاسلحة الكيميائية التى خلفتها حقبة القذافى والقضاء على الميليشيات، وليس بالضرورة أن يكون ذلك فى صورة قوات حفظ السلام، ولكن فى هيئة مدربين من الدول الصديقة للمساهمة فى تعزيز قدرات الجيش الليبى خلال فترة عرضية من الضعف.
من المحتمل أيضاً أن تشكل الاحتجاجات المناهضة لامريكا فى مصر نقطة تحول فى السياسة، كما أن تنديد الرئيس المصرى محمد مرسى، بتلك الهجمات ضد السفارة الامريكية بالقاهرة الذى جاء متأخرا، يمكن ان يكون الاسفين الاول بين جماعة الإخوان المسلمين التى ينتمى إليها والجماعات السلفية.
لا تعنى ادانة مرسى للمعاديين للولايات المتحدة بحثه عن شركاء سياسيين اكثر اعتدالا ولكن لتعرضه لعقبة اكثر تعقيداً قريباً وهى مفاوضاته مع صندوق النقد الدولى حيال القرض الذى تقدر قيمته بنحو 4.8 مليار دولار، فلن يأتى هذا القرض فقط بشروط قاسية على الانفاق الحكومى يعترضها عدد كبير من الساسة، بل يعتقد بعض السلفيين أن دفع فائدة لكيان غير اسلامى كصندوق النقد الدولى انتهاك لمبادئ الدين الاسلامي.
رغم أن التحولات السياسية التى قد تحدث فى مصر وليبيا جراء تلك الاحتجاجات العنيفة قد تكون محورية، فإن هذا العنف قد يؤثر ايضا بشكل كبير على التزامات الولايات المتحدة تجاه الشرق الاوسط، وكان أول رد فعل للامريكيين هو رفع ايديهم عن هذا الجزء من العالم المعادى لامريكا، ولكنه رد فعل خاطىء، فالمشكلة لا تكمن فيما قدمته الولايات المتحدة لهذه الدول التى تمر بمراحل انتقالية ولكن فى كون الولايات المتحدة لم تفعل الكثير.
تستطيع الولايات المتحدة أن تدافع عن المبادئ الامريكية التى أعجب بها العالم وهى الحرية الاقتصادية والسياسية، وتمد الشرق الاوسط بالنصائح الاقتصادية والمساعدات التقنية والشراكة التعليمية، وهذه الخطوات بالفعل قيد التنفيذ، ويعد الصندوق المصرى الأمريكى الذى سيدعم مشروعات مصرية صغيرة ومتوسطة الحجم برأسمال مبدئى 60 مليون دولار بداية جيدة، فضلاً عن رحلة أكثر من مائة رجل أعمال أمريكى نظمتها السفارة بالقاهرة.
لن يكون تقديم المزيد من المساعدات لتلك الديمقراطيات الجديدة فى صالح العرب وحدهم الذين يستحقون مستقبلاً أفضل، بل فى صالح الولايات المتحدة أيضاً التى تحتاج شركاء أفضل فى هذا الجزء من العالم.
اعداد: نهى مكرم
المصدر: وكالة بلومبيرج






