ما هى المسافة الحقيقية بين المعتصمين على أرصفة قصر الاتحادية ومجلس الوزراء، وبين السادة السياسيين فى الأحزاب الإسلامية وغيرها من أحزاب ليبرالية ومدنية؟
أعتقد أن المسافة تتسع كل يوم، الساسة والنخب منشغلون بالمكاسب والصراعات، كل فصيل يرى فى المرحلة فرصة لاقتناص جزء من جسد الوطن قبل فوات الأوان، ولا يلتفت أحد إلى هؤلاء الذين ينامون فى العراء، يصرخون بحثاً عن سامع أو مجيب، ونحن فى أيام مفترجة، على أبواب عيد الأضحى المبارك.
الفقر استبد بالبشر، أعداد الفقراء تتزايد، أبناء الطبقة التى كانت متوسطة ينهارون، ينحدرون نحو شريحة الطبقات الأشد فقراً، الآباء منكسرون أمام أبنائهم، والنساء يجبن الشوارع والمصالح بحثاً عن مُعين، والأبناء بعضهم اتجه للسرقة أو العنف أو الانحراف، الرشاوى زادت وانتشرت فى المصالح الحكومية، لن تنهى شيئاً بدون دفع، والدفع أصبح مضاعفاً. هذا أفضل وقت للفاسدين، فاسدون جدد دخلوا الميدان فى ظل انشغال الأمن بإعادة الانضباط للشارع، فتقع الصدامات وتزداد الفجوة بين الشرطة والشعب، كما زادت بفعل فاعل بين الجيش والشعب، القضاء والشعب، الإعلام والشعب، والإسلام والشعب.
كلنا فاسدون حريصون على أداء الحج والعمرة بمليارات الجنيهات فى وطن يئن جوعاً. اختصرنا مصر وحبسناها داخل المحكمة، لنحدد مصير مجلس الشعب والشورى والتأسيسية والنظام القديم والنظام الجديد.
لا أفهم لماذا تدور معركة بالأيدى داخل المحكمة بسبب الجمعية التأسيسية، عجزنا عن الحوار والتواصل، حتى عندما خرجوا للتظاهر بمسببات مختلفة الجمعة الماضى، شهدنا معارك بالحجارة والمولوتوف.. نقيم المؤتمرات والندوات والمناظرات ليسب بعضنا بعضاً.. كل فصيل يرى أنه حريص على مصلحة مصر أفضل من الفصيل الآخر.. أحدها يرى أن خياراته تقودك إلى الجنة فى الآخرة، وآخر يقودك إلى جنة الغرب.
جماعة الإخوان المسلمين ترى أنها تستحق الولاية كاملة وتخشى من تجارب الماضى لا تثق فى الآخرين وترى أنهم سيسعون إلى القضاء عليها وربما الزج بأعضائها مرة أخرى إلى السجون، فهى إذن معركة موت أو حياة، ينضم إليها بعض التيارات الإسلامية من منطلق «أنا وابن عمى على الغريب».. والغريب الذى لا ينتمى إلى التيارات الإسلامية، يعيش فى برج عاجىّ، يتحدث عن الناس وهو لا يعرفهم ولا يقترب منهم، سلاحه التخويف بحثاً عن غنائم المعركة التى انتهت.
الثورة كانت يسيرة، مقارنة بما يحدث الآن، فالذين كانوا يداً واحدة فى ميادين مصر، انقسموا؛ النخبة والساسة يتصارعون فى جانب، والشعب وحده حزين يعانى من التشرد والنوم على أرصفة الدولة، وإذا طال الوقت وزاد فقدان الثقة سينقلب على الجميع ولن يبقى منهم أحداً، وستصبح الفوضى هى الحاكم، فهل هذا ما تسعون إليه.. اتقوا الله فى مصر!
بقلم : خيرى رمضان – الوطن








