لقنت أزمة البترول عام 1970 الأمريكيين درساً قاسياً بشأن قوانين العلاقة بين السياسة والاقتصاد على الصعيد الدولي، حيث برهنت لهم تلك الازمة على ان الاضطرابات فى الشرق الاوسط من الممكن ان تسبب ضرراً بالغاً بمحطات ضخ البترول.
بعد مرور ما يقرب من اربعين عاما، غفل المحللون عن بعض اهم اسباب انتشار حالة عدم اليقين فى اسواق البترول فالازمات السياسية مثل ازمة الملف النووى الايرانى لا تزيد الضغوط على أسعار البترول، مثل القرارات الصادرة من الولايات المتحدة وبلجيكا.
اثبتت المسارات الاقتصادية الغامضة والسياسات المتقلبة فى اكبر الدول المستهلكة للطاقة امثال الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبى والصين ان اثرها على اسعار البترول ليس اقل من اى قرارات يتخذها مسئولو الشرق الاوسط.
يضحك قادة الاوبك من السؤال عن كيفية السيطرة على سوق البترول العالمى بعد أن اصبحت التوترات التى يشهدها السوق بعيدة عن نطاق سيطرتهم.
ويتوقع بلاك كلايتون الخبير الاقتصادى فى مقال نشره فى مجلة فورين بوليسى ان يؤدى التزام الاحتياطى الفيدرالى الامريكى بتوسيع الميزانية العمومية إلى ارتفاع اسعار الاصول الحقيقية كالبترول، وفى الوقت ذاته، فإن عقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبى على ايران أصابت صادراتها من النفط بالشلل وساهمت فى الارتفاع الحاد فى اسعار البترول واشتعال المظاهرات بطهران بسبب انهيار قيمة الريال.
مسألة ان احتمالية الارتفاع أو الانخفاض الحاد فى اسعار البترول لم تعد فى ايدى الاوبك هى حقيقة لا يمكن انكارها، فمن المحتمل ان تقود الضربة العسكرية الإسرائيلية ضد ايران أسعار البترول إلى السماء وكذلك انتشار أزمة الديون الاوروبية قد تتسبب فى انهيار أسواق البترول.
كما أن مزيج التهديد الذى يمثله ما يطلق عليه الهبوط الصعب للاقتصاد الصينى أو انزلاق واشنطن إلى منحدر مالي، فكل منهما بإمكانه ان يؤدى إلى انخفاض حاد فى أسعار البترول، صحيح ان اضطرابات الشرق الاوسط تشكل تهديدا مستمرا على استقرار الأسعار، ويشكل ايضا صانعو القرار السياسى بالغرب والصين خطورة غير متوقعة على السوق.
وأضح كلايتون أن جزءا من عدم اليقين الذى يسود اسواق البترول يعود إلى السياسة غير المتناسقة فى واشنطن، فهناك احتمال للجوء البيت الابيض لما لديه من احتياطى استراتيجى بهدف تهدئة اسعار الوقود الناتجة بشكل جزئى عن قرارات الفيدرالى الامريكي.
ولم يسفر هذا التنافر فى سياسة الولايات المتحدة عن ارتباك سوق البترول أو الاسواق المالية بالقدر الذى نتج عن عدم اليقين الذى يحيط بمنطقة اليورو.
وتعتبر زيادة الطلب على البترول وثيقة الصلة بنمو الاقتصاد العالمي، فعندما تكون العلل الاوروبية المقلقة فى طريقها للتعافي، تزداد توقعات النمو العالمى إشراقا وترتفع اسعار البترول، الا ان المشاكل التى تواجه قادة اوروبا، ناهيك عن عدم اليقين حيال الدعم المحلى لحلولهم المقترحة للازمة فضلا عن مخاطر انتشار عدوى الديون السيادية فى انحاء اوروبا، كل ذلك يعنى ترنح اسعار البترول بسرعة غير عادية.
يكمن قلق السوق فى المقام الاول من قيام اسرائيل بشن ضربة جوية على ايران بدعم من الولايات المتحدة أو بالتنسيق معها، اذا حدث ذلك، سترد ايران على هذا العدوان عن طريق تعطيل حركة ناقلات البترول بمضيق هرمز الذى يمر من خلاله 35% من تدفقات البترول المنقولة بحرا.
كتبت – نهي مكرم