بقلم : وائل قنديل – الشروق
ستظل المجازر التى جرت فى أحداث محمد محمود ــ بجزءيها ــ ومجلس الوزراء نقطة سوداء فى ثوب الجندية المصرية الناصع، وستبقى وصمة عار تلاحق كل من تواطأوا بالصمت وتلوثوا بتقديم المبررات والمسوغات لمرتكبيها.
وما لم يقم نظام الرئيس الجديد برد اعتبار الذين أهينوا وعذبوا وطوردوا فى سمعتهم، فإنه سيظل أقرب إلى دولة مبارك والعسكر منه إلى دولة 25 يناير كما حلم بها المصريون.
وعلى ذلك تبقى قضية الفتى مهند سمير (19 عاما) محكا رئيسيا ونقطة مفصلية تبين ما إذا كانت مصر تحكم بقيم ومبادئ الثورة، أم لا تزال سجينة الدولة القديمة.
إن الضمير الوطنى يقف مندهشا أمام هذه الوضعية من السخاء فى ترضية واسترضاء قيادات متهمة بإراقة دماء الثوار، وفى مقابلها تجاهل وإهمال لحقوق شبان وشابات ظلموا وعذبوا وحوربوا ولا يزالون مسلوبى الحرية حتى الآن.
وحسنا فعل المتهمون فى أحداث مجلس الوزراء حين أعلنوا رفضهم لمنطق العفو الرئاسى عنهم، متمسكين بأنهم ليسوا جناة ولم يرتكبوا ذنبا فى حق مصر حين صمدوا ببسالة أمام عمليات إبادة الثورة من الوجود.. وبينما انشغل الجميع بالغنائم واستعجال القطاف والحصاد، بقى هؤلاء قابضين على جمر الثورة، ودفعوا وحدهم الثمن الفادح، دون أن يحصدوا سوى المهانة والألم والإعاقة والتشريد، فى الوقت الذى تساقطت فيه الثمار فى حجر الذين تخلوا عنهم وتركوهم ينطحون الصخر وحدهم.
لقد وقف الرئيس المنتخب على أرض الميدان فى أول لقاء بينه وبين جماهير الثورة، معترفا بفضل الميدان عليه، مقرا بشرعيته، وهذا كلام جيد يحتاج إلى دلائل عملية تسنده.
ومهما قيل من كلام منمق وجميل، فإن بقاء الشاب الصغير مهند سمير أحد نبلاء معركة مجلس الوزراء فى السجن حتى الآن يظل وثيقة إدانة للنظام الجديد، ودليلا على الفجوة بين القول والفعل.
لقد كان مهند سمير فى الصف الثانى الثانوى حين شاهد وقائع سحل أقرانه على أسفلت شارع مجلس الوزراء، ولأنه واحد من مواليد ثورة الكرامة ومشارك فى كل مراحلها، نزل دفاعا عن زملائه، فكان نصيبه رصاصة فى ساقه، وحين حاول زميله الشاب رامى الشرقاوى إنقاذه جاءته رصاصة غادرة فسقط شهيدا بين يدى مهند الذى وجد نفسه متهما بحرق المجمع العلمى والاعتداء على القوات المسلحة.
وبعد أن خضع مهند لجراحة فى ساقه خرج منها مصابا بجلطة نتيجة الإهمال ذهب للشهادة والتعرف على الضابط الذى أطلق الرصاص على صديقه الشهيد رامى الشرقاوى، غير أنه تم التحفظ عليه فى مستشفى ليمان طرة بعد ضمه إلى قائمة المتهمين، وحبسه احتياطيا لمدة ثلاثين يوما، تجددت أكثر من مرة، ولم تفلح كل النداءات والاستغاثات فى إطلاق سراحه لأداء امتحانات الثانوية العامة فى يونيو الماضى، فكان لابد أن يمتحن فى السجن وينجح.
وفى الجلسة المحددة لنظر القضية الأسبوع الماضى تم إخلاء سبيل جميع المتهمين، باستثناء مهند، عقابا له على تمسكه بحق صديقه الشهيد وعدم الرضوخ للضغوط التى مورست عليه لكى يتراجع فى شهادته، والتنازل عن دعواه ضد المشير وقيادات المجلس العسكرى.
إن نظاما يناصب طالب ثانوى كل هذا العداء هو نظام راسب ابتدائية، ولا يجب أن يستمر هذا العداء فى ظل نظام جديد يقول إنه من الثورة ولها.








