بقلم : عماد الدين حسين – الشروق
لم نسمع أن «الدنيا قامت وقعدت وانهدت» بعد نبأ العثور على بقايا كميات ضخمة من لحوم الحمير قبل أيام.
لمن لا يعرف القصة، فإن تقرير الطب البيطرى بالفيوم كشف قبل يومين عن وجود 150 جوالا مليئة برءوس وأرجل وجماجم وأحشاء حمير، بعضها مذبوح حديثا وبعضها منذ ستة أشهر فى الكيلو 63 بطريق أسيوط الصحراوى الغربى، وتم تحرير محضر إدارى بمركز شرطة طامية.
هذا الخبر لم يعد مدهشا وصادما لكثير منا، لأننا كنا تعودنا أن نقرأ فى صفحات المنوعات الطريفة مثل هذه الأخبار، ثم سرعان ما انتقلت إلى صفحات الحوادث، ولأنها بدأت تتكرر فيتم الآن نشرها أحيانا باعتبارها أخبارا عادية مثل ضبط جزار يذبح لحوم أبقار سليمة، لكن خارج السلخانة.
إذا قلت لأى زميل أو صديق أنه تم ضبط لحوم حمير أو قطط أو كلاب فى المطعم الفلانى الشهير، يبتسم ويطلق المقولة الشهيرة «ياه أكيد أنا أكلت 3 حمير على الأقل فى هذا المطعم»، ثم ينتهى الموضوع عند هذه المداعبة، ويتكرر الأمر عند ضبط جزار آخر أو مطعم آخر.
بالطبع هناك مطاعم كبرى تسرب أخبارا عن أن المطاعم المنافسة لها تستخدم لحوم الحمير أو الكلاب، كى تهدم سمعتها للقضاء عليها حتى تخلو لها الساحة.
نعود إلى لحوم الحمير ونقول إن الحادث الأخير يكشف عن نقاط فى غاية الخطورة، أولاها أن المجرمين وصلت بهم الجرأة حد أنهم لا يكلفون أنفسهم وضع بقايا الحمير فى حفر لستر جريمتهم، وعندما يلقونها على قارعة الطريق ولمسافات مختلفة تصل إلى 300 متر فالمؤكد أنهم لا يخشون شيئا.
النقطة الثانية، أن هؤلاء يمارسون جريمتهم منذ زمن كما يقول تقرير الطب البيطرى، وهو ما يعنى أنهم آمنون تماما من أى مراقبة أو حساب.
النقطة الثالثة، أن الذى يقف وراء هذه المصيبة ليس شخصا واحدا، ولكن عصابة منظمة، وربما لا تكون تبيع اللحوم لجزار واحد بل ربما لمطاعم عامة وكبيرة، فعندما تضبط 150 جوالا بها البقايا والمخلفات، فالمؤكد أن عدد الحمير المذبوحة كبير للغاية.
فى أى بلد بها القانون حقيقى، فإن مثل هذه الجريمة كفيلة بإسقاط دولة بأكملها وليس فقط حكومة، وعندما يصل الأمر إلى اعتياد مثل هذه الحوادث من دون حتى إبداء الدهشة فالمعنى الوحيد أننا وصلنا إلى درجة عالية من ادمان الجبن واعتياد البلادة وانتحار الضمير، وهو ما يعنى للأسف أننا مدمرون من الداخل، ومقبلون على كارثة.
تكرار مثل هذه النوعية الشاذة من الحوادث يشير إلى حقيقة خطيرة هى أن كل مجرم يستطيع أن يفعل ما يشاء وقتما يشاء، وهو مطمئن إلى أنه لن ينال أى عقاب، حتى لو كان إلقاء المخلفات فى غير مكانها.
السؤال هو: عندما تكون لديك عصابة تشترى الحمير وتذبحها وتبيع لحومها طوال ستة أشهر على الأقل ثم تلقى بالمخلفات والبقايا على قارعة الطريق، فماذا يمكن أن تسمى ذلك؟!.
هل هى دولة فى غيبوبة؟، أم حكومة نائمة فى العسل؟، أم جهاز شرطة غائب؟، أم أجهزة رقابية متواطئة؟، أم هى كل هذه الصفات مجتمعة وأكثر؟!.
يا أيها الجالسون فى مقاعد المسئولية، نرجوكم تحركوا إن لم يكن من أجل هذا الشعب المسكين، فمن أجل ألا تصل هذه اللحوم إلى موائدكم أو موائد أهاليكم وأقاربكم ذات يوم.