بقلم: دانيال بايمان
يعد هجوم إسرائيل الأخير على غزة الذى بدأ الأربعاء الماضى بمقتل أحمد الجعبرى، القائد العسكرى بحركة حماس والغارات الجوية على منصات إطلاق الصواريخ بعيدة المدى بمثابة مغامرة لن تفوز بها إسرائيل، خاصة أن هدفها من هذا الهجوم هو إجبار حماس على وقف إطلاق الصواريخ على إسرائيل من قطاع غزة واتخاذ إجراءات صارمة ضد الجماعات الأخرى التى تشن مثل هذه الهجمات، إلا أنه من الصعب أن تنحنى حماس لضغوط إسرائيل، وبالتالى سيصبح الأمر متروكاً للدول الخارجية، خاصة مصر لتعزيز التوصل إلى اتفاق تهدئة بين الطرفين لإنهاء القتال.
تزايدت الهجمات التى تشنها غزة على تل أبيب الآونة الأخيرة حيث تدعى إسرائيل أن أكثر من مائتى صاروخ أطلقت على البلاد عام 2010، وارتفعت إلى 600 صاروخ فى 2011 وفى عام 2012 وصلت إلى 800 صاروخ قبيل بدء العملية العسكرية الحالية على غزة، تأتى غالبية تلك الهجمات من قبل الفصائل الفلسطينية الأخرى، إلا أن حماس كانت الأكثر نشاطاً فى عمليات العنف، حيث تسمح للجماعات الأخرى بتنفيذ بعض الضربات وتشن هى عدداً منها.
لم تجبر إسرائيل على الرد على أى هجمة إلا أن التزايد المطرد فى الهجمات الصاروخية على مدار السنوات القليلة الماضية لم يعد محتملاً من الناحية السياسية لنتنياهو، ومع اقتراب الانتخابات الإسرائيلية فى يناير، تبدو حكومته غير قادرة على القيام بمهمة الحكومة الرئيسية وهى حماية المواطنين من أعمال العنف، أى أنه أمام خيارين، إما أن يقضى على حماس وإما أن يعزل من منصبه.
وتزيد ثورات الربيع العربى من تعقيد الديناميكية بين حماس وإسرائيل، خاصة بعد سقوط الرئيس حسنى مبارك وصعود حكومة الإخوان المسلمين فى مصر، وخلال عصر مبارك ساعدت مصر إسرائيل فى احتواء حماس والحفاظ على الحصار المفروض على غزة وحظر السفر على سكانها، فضلاً عن دعم حركة فتح منافس حماس وخلال الأزمات غالباً ما كانت تعمل القاهرة مع تل أبيب للضغط على حماس للتراجع.
حماس تتمتع اليوم بأيديولوجية جاذبة وروابط شخصية مع حكومة الرئيس المصرى الجديد محمد مرسى، وفى الوقت ذاته، يسعى الإخوان المسلمون لجذب الرأى العام المصرى المعادى بطبيعته لإسرائيل وشديد التأييد لحماس، لذلك فإن أى وقوف بجانب إسرائيل فى هذا الصراع يعد بمثابة انتحار سياسى لمرسى، وبالتالى لم يكن غريباً أن تستدعى مصر سفيرها من إسرائيل وتنتقدها علنا.
ورغم ذلك لا تستطيع إسرائيل أن تتحمل معاداة مصر، فناهيك عن اتفاقية السلام التى وقعتها مع مصر، فالقدس فى حاجة إلى القاهرة للاحتفاظ بأى شكل من أشكال الضغط على حماس حتى ولو كان ضئيلاً، بالإضافة إلى ذلك فإن إسرائيل فى حاجة إلى استمرار الحكومة فى حملاتها الأخيرة لتطهير سيناء من المتطرفين الذين هاجموا إسرائيل مراراً وتكراراً.
من الصعب أن تلجأ إسرائيل إلى الخيار السهل وهو تصعيد الصراع فى غزة فى حال عدم التزام حماس بضبط النفس، وعلى الرغم من استدعاء إسرائيل القوات الاحتياطية وتهديدها بتوسيع نطاق حملتها العسكرية إذا لم توقف حماس هجماتها الصاروخية، فإن تل أبيب لا تريد إعادة احتلال غزة، ومن غير المرجح أن تقف إدارة أوباما وراء عملية عسكرية واسعة النطاق، حيث إن ذلك سوف يعمل على زيادة توتر العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر وغيرها من الدول العربية.
على المدى القريب يجب على أمريكا أن تضغط على حكومة مرسى للتوصل إلى اتفاق تهدئة بين طرفى النزاع، وهو تطور لن ينهى ـ فقط ـ الأزمة الحالية، بل من المتوقع أن يصبح مرسى قائداً مسئولاً بإمكانه التعامل مع واشنطن.
إعداد: نهى مكرم
المصدر:ـ فورين افيرز








